منحة إلهية ربانية أكرم بها الله المؤمنين أنه إذا وجد من أي شخص الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فإنه أخ للمؤمنين
ـ الكفاءة في النسب غير معتبرة فأي مسلم صالح يكون كفؤاً لأي امرأة مهما كان نسبها
ـ الإسلام جاء حرباً لتلك المعاني الجاهلية من التمييز بين الناس بسبب انتمائهم العرقي والقبلي أو انتمائهم الإقليمي أو ألوانهم
ـ الندوي: محمداً (صلى الله عليه وسلم) لم يبعث زعيماً وطنياً ليخرج الناس من حكم الفرس والرومان إلى حكم عدنان وقحطان وإنما أرسل للناس كافة بشيراً ونذيراً
ـ منحة إلهية ربانية أكرم بها الله المؤمنين أنه إذا وجد من أي شخص الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فإنه أخ للمؤمنين
وهنا تبرز إشكالية، في ثنايا البحث، وهي مسألة في غاية الأهمية، يجدر الوقوف على فقهها، والحديث عن فلسفتها، وكيف نوفق بين القول بها، وبين حديثنا عن الأخوة الإسلامية، وهل بينهما تعارض، أم لا؟ ألا يكون القول بها، من دواعي التناقض، بحمل الشيء وضده في قضية كلية واحدة؟ أم أن الأمر على خلاف ذلك؟!
وهل هذه المسألة تتفق مع المفهوم الإنساني الراقي، الذي جاءت به تعاليم الإسلامية، أم كيف ننظر للمسألة؟
هذه القضية، هي قضية القول بالكفاءة بالنسب في الزواج، وسنعرض المسألة بهذه الصورة، عسى أن نوفق لإجابة، تحول دون إدخال أي معنى من معاني التعارض والتناقض، الذي يقوم في الذهن، من جراء عرض النصوص، وإحداث تشكيل عقلي عنها، يتوافق تمام التوافق مع كل ما ذكرنا من قبل.
أ ـ تعريف الكفاءة لغة:
المماثلة والمساواة.. هذا كفء لهذا أي: يساويه ويناظره.
ب ـ تعريف الكفاءة في الاصطلاح الفقهي:
مساواة الرجل للمرأة في أمور مخصوصة.
هذه المسألة اختلف الفقهاء، فيها اختلافاً بيناً، نذكرها موجزة بما يأتي:
مذهب الحنفية:
تعتبر الكفاءة في النسب عند الحنفية، وهو المعتمد الذي عليه جمهورهم، وقد نظم العلامة الحموي الحنفي ما تعتبر فيه الكفاءة فقال:
إن الكفاءة في النكاح تكون في ست لها بيت بديع قد ضبط
نسب وإسلام كذلك حرفة حرية وديانة مال فقط
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية اعتبار الكفاءة في النسب في النكاح.
مذهب الحنابلة:
وبمثل قول الحنفية والشافعية، قال الحنابلة.
مذهب المالكية:
لم يعتبر المالكية الكفاءة النسبية، فالمسلمون أكفاء لبعضهم، وإن اختلفت أنسابهم وقبائلهم.
يقول البغدادي: (الكفاءة عندنا الدين، والحرية، والسلامة من العيوب الموجبة للرد، وهي الجنون والجذام، والبرص، والجب، والعنة، والاعتراض، والإعسار ينافي الكفاءة)
مذهب الظاهرية:
لا يرى الظاهرية القول بالكفاءة بالنسب في الزواج، والمسلمون كلهم إخوة، لا فرق بين واحد وآخر بنسب أو غيره من الاعتبارات الاجتماعية.
يقول ابن حزم: (وأهل الإسلام كلهم إخوة لا يحرم على ابن زنجية نكاح ابنة الخليفة الهاشمي)
القول الراجح:
الذي يظهر رجحان ما ذهب إليه جماعة من الفقهاء القائلين: بأن الكفاءة في النسب غير معتبرة، فأي مسلم صالح، كائناً ما كان نسبه، يكون كفؤاً لأي امرأة مهما كان نسبها، وبناء عليه: فلا فرق في هذا الباب، بين قبيلة وأخرى، ولا نسب وآخر، ولا بين عربي وأعجمي، والناس سواسية كأسنان المشط، يتمايزون بتقوى الله عز وجل، والعمل الصالح.
والأدلة على اختيار هذا الترجيح ما يأتي:
1 ـ قول الله تبارك وتعالى: (يا الناس إنا خلقناكم من ذكر وأثنى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات:13].
(ففي هذه الآية تقرير أن الناس متساوون في الخلق، وفي القيمة الإنسانية، وأنه لا أحد أكرم من أحد إلا من حيث تقوى الله، عز وجل، بأداء حق الله، وحق الناس).
جاء الإسلام ليؤكد على هذا المعنى العظيم، حرباً لتلك المعاني الجاهلية التي كانت سائدة آنذاك، من التمييز بين الناس بسبب انتمائهم العرقي والقبلي، أو انتمائهم الإقليمي والمناطقي، أو بحسب ألوانهم، أو مكانتهم الاجتماعية، أو ما يملكون من أموال، أو أي قيمة من قيم الوحل والطين.
وفي الواقع العربي، كان هذا الأمر الجاهلي، قد بلغ الذروة، مما لا يطاق، ولا يستوعب، بل في بعض الأحايين، لا يتصور. وقل مثل ذلك عن الواقع العالمي… وعلى سبيل المثال: (كان المجتمع الإيراني مؤسساً على اعتبار النسب والحرف. وكان بين طبقات المجتمع هوة واسعة لا يقوم عليها جسر، ولا تصل بينهما صلة، وكانت الحكومة تحظر على العامة أن يشتري أحد منهم عقاراً لأمير، أو كبير، وكان من قواعد السياسة الساسانية، أن يقتنع كل واحد بمركزه الذي منحه نسبه، ولا يستشرف لما فوقه. ولم يكن لأحد أن يتخذ حرفة غير الحرفة التي خلقه الله بها!!! وكان ملوك إيران لا يولون وضيعاً وظيفة من وظائفهم، وكان العامة كذلك طبقات متميزة بعضها عن بعض، تميزاً واضحاً، وكان لكل واحد مركز محدد في المجتمع).
وهكذا جاءت تعاليم الإسلام، منددة بهذه التعاليم اللاإنسانية، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم حرباً على هذه الأخلاق الرديئة.
يقول الندوي: (ولكن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لم يبعث لينسخ باطلاً بباطل، ويبدل عدواناً بعدوان، ويحرم شيئاً في مكان، ويحله في مكان آخر، ويبدل أثرة أمة، بأثرة أمة أخرى، لم يبعث زعيماً وطنياً، أو قائداً سياسياً، يجر النار إلى قرصه، ويصفي الإناء إلى شقه، ويخرج الناس من حكم الفرس والرومان إلى حكم عدنان وقحطان، وإنما أرسل إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، إنما أرسل ليخرج عباد الله جميعاً من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ويخرج الناس جميعاً من ضيق الدنيا، إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام).
2 ـ قول الله تبارك وتعالى: (إنما المؤمنون إخوة) [الحجرات:10] فلا فروق بين الناس من المؤمنين بسبب لون أو نسب، أو غير ذلك.
فهذه منحة إلهية ربانية، أكرم بها الله المؤمنين، وهو عقد، عقده الله بين المؤمنين، أنه إذا وجد من أي شخص كان، في مشرق الأرض أو مغربها، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، فإنه أخ للمؤمنين، أخوة تنطبق على كل مفردات الإخوة والمحبة، وتنسحب على كل قيم الرحمة والمودة والإيثار والمساواة والوحدة، والتآلف والانسجام، حتى يكونوا كالجسد الواحد، في كل مسألة من المسائل، ومنها وحدة هذا الجسد، بلا تفريق، بل يد ويد، ورجل ورجل، وعين وعين، وهكذا، وإلا فإن في الأمر شائبة من شوائب الفكر والتصور، ومن هنا كان الأمر الإلهي، بالأخوة الإيمانية، بحيث يصبح الأخ حقاً أخاً مع أخيه، فلا يظلمه، ولا يحقره، ولا يسخر منه، ولا يبغضه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يخطب على خطبته، ولا يبع على بيعه.
لقد أمر الله ورسوله، بالقيام بحقوق المؤمنين، بعضهم لبعض، ومما يحصل به التآلف والتوادد، والتواصل بينهم.
3 ـ عن أبي حاتم المزني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه، إلا تفعلوا تكون فتنة في الأرض وفساد كبير… قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه!! قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه – ثلاث مرات…).
(ففي هذا الحديث توجيه الخطاب إلى الأولياء، أن يزوجوا مولياتهم من يخطبهن من ذوي الدين والأمانة والخلق… وإن لم يفعلوا ذلك بعدم تزويج صاحب الخلق الحسن، ورغبوا في الحسب والنسب والجاه والمال، كانت الفتنة والفساد الذي لا آخر له).
وهنا في هذا الحديث، رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يذكر قيمة الاعتبار النسبي، بل ولم يشر إليها، وإنما جعل قيمة التمايز والاعتبار للخلق والدين لا غير، مع النظر الدقيق، في قضايا القوة، بشكل عام، فهذه لها قواعدها التي تضبطها، في عالم تحمل المسؤولية، ومنها مسؤولية البيت والأسرة، والزوجة والأولاد.
وثبت في الواقع العملي، أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الكفاءة في النسب في الزواج لم تكن مقياساً أبداً، وإن كثيراً من الوقائع تدلل على هذا المعنى، بل لم تثبت حالة رد واحدة، بسبب النسب.
ومن ذلك – ما روي عن عائشة رضي الله عنها: (أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة، تبنى سالماً، وأنكحه ابنة أخيه عند ابنة الوليد بن عتبة، وهو مولى لامرأة من الأنصار. كما تبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيداً، وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث من ميراثه حتى أنزل الله: (ادعوهم لآبائهم – إلى قوله – ومواليكم) فردوا إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب، كان مولى وأخاً في الدين، فجاءت سهيلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة بن عتبة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالماً ولداً، وقد أنزل الله فيه ما قد علمت فذكر الحديث).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقال لها: (لعلك أردت الحج، قالت: والله لا أجد إلا وجعة، فقال لها: (حجي واشترطي، قولي: اللهم محلي حيث حسبتني) وكانت تحت المقداد بن الأسود رضي الله عنه.
عن سهيل رضي الله عنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع، قال: ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين. فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خير من ملء الأرض مثل هذا).
ففي مقاييس البشر المجردة، ربما يختل الميزان، في تقويم الأشخاص، والنظر إلى مكانتهم، أما في الميزان الرباني، يكون الأمر مختلفاً، فلا أنساب تميز، وترفع وتخفض، ولا صورة متحركة، كعروس الشمع، تعلي وتهبط… بل الدين والخلق، هما الأصل الأصيل، والأساس المتين الذي يبنى عليه كل شيء. لذا ترجم الإمام البخاري، لهذه الأحاديث بقوله: (باب الأكفاء في الدين).
وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله مالك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: (ليس لك عليه نفقة) فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: (تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني) قالت: فلما حللت ذكرت له: أن معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم –رضي الله عنهما- خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، أنكحي أسامة بن زيد فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة) فنكحته، فجعل الله فيه خيراً، واغتبطت).
قال النووي: (وأما إشارته صلى الله عليه وسلم بنكاح أسامة، فلما علمه من دينه، وفضله، وحسن طرائقه، وكرم شمائله، فنصحها بذلك، فكرهته لكونه مولى، ولكونه كان أسود جداً).
فانظر، كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم أسامة رضي الله عنه، على الآخرين رضي الله عنهم، لامتيازه بميزات خاصة، دون النظر إلى حسبه ونسبه، ولو كانت الكفاءة بالنسب معتبرة، لما كان منه صلى الله عليه وسلم أن يشير عليها بأسامة رضي الله عنه.
ـ وهذا زيد بن حارثة رضي الله عنه، وهو مولى، تزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها، ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي في الذؤابة نسباً، وفي المقدمة شرفاً ورفعة. والقرآن يسجل هذه الحقيقة، حيث قال: (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه، فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً، وكان أمر الله مفعولاً) [الأحزاب:37].
وزيد رضي الله عنه، هو الذي أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتق والإرشاد، وقد تم زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب رضي الله عنها، بعد أن قضى منها زيد رضي الله عنه وطراً. ولهذا كانت تفتخر بذلك على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.
ـ وكان ابن مسعود رضي الله عنه، يقول لأخته: (أنشدك الله أن لا تتزوجي إلا مسلماً، وإن كان أحمر رومياً، أو أسود حبشياً).
5 ـ لم يصح في اعتبار الكفاءة بالنسب في الزواج، حديث، وكل الوارد في هذا الشأن لا يصح. كما ذكر ذلك المحققون من أهل العلم.
قال الإمام الشافعي: (ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب من حديث).
وقال ابن القيم: (فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم، اعتبار الدين في الكفاءة أصلاً وكمالاً، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر، ولا يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمراً وراء ذلك، فإنه حرم على المسلمين نكاح الزاني الخبيث، ولم يعتبر نسباً ولا صناعة، ولا غنى ولا حرية، فجوز للعبد القن نكاح الحرة النسيبة الغنية إذا كان عفيفاً مسلماً، وجوز لغير القرشيين نكاح القرشيات، ولغير الهاشميين نكاح الهاشميات، وللفقراء نكاح الموسرات).
أما ما يروى عن سيدنا عمر رضي الله عنه، من أنه قال: (لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء)، فهذا لا يصح عنه، وإذا صح فيحمل الحسب على الدين، على مبدأ (الحسب الدين).
6ـ ربما أدى هذا عند بعض الجهلة، إلى الفخر بالأنساب، والتكبر والتعالي، والسخرية، والطعن بالأنساب، وهذا الأمر حرام من الناحية الشرعية، باتفاق العلماء، ومنهم الذين يقولون بكفاءة النسب في الزواج. ولا يجيز أحد من العلماء هذا الأمر الفظيع، والعلماء الذين قالوا بالكفاءة، إنما أرادوا لعملية الزواج النجاح، وكأنهم منظرون اجتماعيون ينصون على أن المرأة كلما كان الرجل الذي يتقدم لها قريباً من دائرتها الاجتماعية، كان ذلك أدعى إلى نجاح هذا الزواج.
(وما من شك في أنه كلما كانت منزلة الرجل مساوية لمنزلة المرأة، كان ذلك أدعى لنجاح الحياة الزوجية، وأحفظ لها من الفشل والإخفاق).
هذا شيء، والقول بكفاءة النسب على أنها دين، شيء آخر، وهذا أمر، ينبغي أن لا يؤدي إلى السخرية بالآخرين، أو التعالي عليهم، أو التفاخر الدائم الممل المحجوج، والمرفوض شرعاً وعقلاً وذوقاً.
لذا: ورغم أن الراجح عدم اعتبار الكفاءة بالنسب في الزواج – ربما أنصح أخي إذا استشارني، أن لا يتزوج من العائلة الفلانية، لنظر معين بذات العلة، وأنصحه أن يبتعد بحثاً عن النجاح له، لأن الواقع يقول: هذا لو تزوج هذه، سيكون زوجاً فاشلاً، والله تعالى أعلم.
أما السخرية، فالله تعالى قال: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) [الحجرات: 11].
وقوله صلى الله عليه وسلم: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم).
[انتبه –أخي- فلا ينبغي أن ينقدح في قلبك احتقار أحد كائناً من كان، فعليك أن تبتعد عن السخرية والاحتقار، وسبيلك لذلك أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن كل الناس أفضل منك، ولا يكون لك ذلك حتى تعظم جنايتك، وترى نفسك بعين الصغار، وتديم ذم النفس التي أودت بك إلى مثل تلك المهالك من الذنوب والمعاصي].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، فقال: (إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت).
وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد).
الخلاصة: الفقهاء الذين قالوا بالكفاءة في النسب، أو الحرفة، في الزواج، إنما أرادوا البحث عن الزواج الناجح، الذي من مقاييسه، أن يكون الزوج قريباً في دائرة الاجتماع، من دائرة الزوجة، وبهذا يكون الزواج ناجحاً، وليس من باب الجاهلية ( كلا وحاشا)، وبعض الجاهلين، ممن يفخر بالأنساب، ويطعن في أنساب الآخرين، والسخرية منهم، يغلف جاهليته، بأقوال بعض الفقهاء، وهذا من التدليس، وتوظيف القول الاجتهادي، الذي أراد صاحبه الخير، في المسار الخطأ، الذي اتخذه صاحبه تكأة لجاهليته، لذا في المفهوم الصحيح، يكون الأمر على الصورة التي نقلناها، وفي النهاية، الذي يظهر راجحاً، ما ذكرناه، في ثنايا الكلام، والله تعالى أعلم.