وحدها “حماس” وبقية أجنحة المقاومة الفلسطينية من تفهم حقيقة صراعنا التاريخي مع العدو الصهيوني
كل العرب فقدوا عقولهم، يقتلون بعضهم ويستبيحون دم بعضهم، في خبل فكري وفي بلطجة سياسية أسطوريين، لم تعرفهما أكثر فترات تاريخنا تقهقراً، لا في العصور الوسيطة، ولا في الفترات الحديثة، غير “حماس” وحدها في تعقل تام تقف وحدها وبقية فصائل المقاومة لتقاتل من يجب أن يقاتل، ولتقاوم بشجاعة الفاتحين الأوائل عن عروس عروبتنا، فلسطين.. ففي الوقت الذي أسلمت الأنظمة وشبيحتها الإعلامية في عبث تاريخي بليد نفسيهما طواعية، ودون قيد إلى التبلد والغباء الجيوستراتيجيين، متقهقرة عن أي معارك حقيقية ضد الأعداء الحقيقيين، أعداء الأرض والإنسان والتاريخ، وفي الوقت ذاته ظهورها الشرس إلى حدود الهمجية والبشاعة ضد شعوبها، فتقتل بطمأنينة باردة كل من يمتلك شحنة زائدة من الحرية وحب الوطن والإيمان بالإنسان، وتسجن في رباطة جأش رهيبة كل من طالب بالديمقراطية، ورغب في التحرر من نير عبودية الجهل والفقر والمهانة، وفي نفس الآن وقوف إعلاميين يشبهون سماسرة الرصيف الذين أوكلت لهم مهمة حشد جحافل الراغبين في الاسترقاق ليزرعوا في أذهانهم لذة أن يحكمهم العسكر، ويتربع على حكمهم الآثمون، من القتلة ومنتعلي البيادة، ويا للوضع المقلوب! ويا لنكبة تاريخنا!
وحدها حركة “حماس” إذن في غمرة كل هذا الجنون اليعربي، من تمتلك حق أن تكون جيشاً يكتب الانتصارات في “كنانيش” تاريخنا المعاصر الكئيب، فيما البقية عصابات ليل تنفق ما بيدها من قليل كرامة لأجل السلطة، ومن أجل الحكم، وذلك في خوف شنيع وشجاعة مفتقدة، فجيش اليمن المغلوب على أمره لا يكاد يعود لمدينة إلا ليتركها خوفاً من صولة الحوثيين الذين أمسوا على أبواب العاصمة صنعاء، وجيش مصر المنقلب على إرادة شعبه اعتزل حروبه العروبية جداً، ليصنع المعكرونة وكعك العيد والمربى لأنصاره، وليطارد آخر أنصار ثورة 25 يناير، بالإضافة طبعاً لتفرغه الباهر لأبحاث سيقهر فيها أخطر أمراض العالمين! وجيش عائلة “بشار” العلوي ببراميل لا تكاد تميز هدفها يسفك دماء مدنيي شعبه المسكين، وجيش العراق الطائفي “جدافي” خوف لم يعرفه التاريخ العراقي إلا أمام جحافل التتار، يسلم مواقعه للعشائر الغضبانة ولـ”دواعش” العراق، وجيوش عربية أخرى تمسح عن مخزون أسلحتها صدأ عقود من القعود عن الانتصار لقضايا الأمة وعن الوقوف حارساً لشرفها.
وحدها “حماس” وبقية أجنحة المقاومة الفلسطينية من تفهم حقيقة صراعنا التاريخي مع العدو الصهيوني الذي تركته لنا الحملات الصليبية كهدية للرب المقدس الذي لا يملك منذ قرون أعداء سوى العرب، منذ تحرير محاربي الصحراء لأورشليم من يد بيزنطة، والذي تدور جميع المشاريع الغربية في المنطقة على تأديبهم بجعل أيامهم حافلة فقط بالحرب والكراهية والخيبات، فمنذ “كريستوف كولومبوس” والعقل الغربي تستحكم به لوثة كسر شوكة المسلمين والعرب، فقرار “كولومبس” اكتشاف أمريكا كان من بين أهدافه البعيدة والقريبة هي إحضار الذهب الكافي لتجهيز الجيوش المسيحية ضد المسلمين، حتى إنه لما عاد من أمريكا بسفن الذهب كتب إلى الملكين الكاثوليكيين “إيزابيلا”، و”فرناندو” رسالة مؤثرة يقول فيها: “دعني يا صاحب الجلالة أذهب لتحرير أورشليم، فإن تلك هي مهمتي القادمة يا سيادة الملك”.
التاريخ الفلسطيني والعربي اليوم يشهد لـ”حماس” بأنها وحدها من ظلت منذ نشأتها على يد شيخ مقعد وهي قابضة على البوصلة الصحيحة لوجهة مدافعها، مدركة أن العدو الحقيقي الذي يجب توجيه الاهتمام له هو مغتصب الأرض والمهدد للوجود والهوية للفلسطينيين في المنطقة، في مقابل تفرغ تيار المقاومة في سورية في شخص القيادة البعثية وفي لبنان بقيادة “حزب الله”، وفي مقابل الانبطاح العربي أمام “إسرائيل”، ومسارعة حكومات بعينها لتقديم مبادرات تخدم “إسرائيل” أكثر من أن تخدم جبهات المقاومة، متوسلين بها نيل القبول والرضا من لدن “إسرائيل”، على أن تتوسط الأخيرة لهم عند المنتظم الدولي لنيل الاعتراف والفوز بالشرعية المفقودة والمفتقدة داخلياً بين ووسط شعوبهم، هذا بالطبع إلى جانب تقديم مدخرات البلاد وخيراتها إلى “إسرائيل” على شكل هدايا تاريخية لا على أنها صفقات تخدم الشعوب التي أنهكها الجوع والمرض.
“حماس” الآن بوقوفها كجبار للمتوسط، تلقن دروساً خصوصية جداً لـ”إسرائيل” ولباقي الحكومات العربية، دروساً من قبيل كيف يمكن لشعب محاصر من كل الجوانب أن يصنع سلاحه بيده مربكاً حسابات رابع جيش في العالم من ناحية القوة العسكرية المعتمدة على التقنية (صواريخ، وطائرات، وأقمار صناعية)، وذلك في عمليات جعلت الجيش “الإسرائيلي” يشعر بحالة هلع وهوان حينما نقلت “حماس” المعركة إلى الداخل “الإسرائيلي” لتقود شعباً بكامله إلى الملاجئ، بدل أن تكون غزة هي ساحة المعركة المعتادة، كما في عملية “الرصاص المصبوب” عام 2009م، و”عمود السحاب” عام 2012م، وذلك بعد عدم صمود القبة الحديدية أمام الصواريخ القسامية، وبروز المفاجأة الأخطر وهي مفاجأة الأنفاق التي ستجعل المقاومة تدخل وتخرج كيفما تشاء، لتنفذ عملياتها وسط الأراضي المغتصبة.
“حماس” الآن تضرب على قفا أعداء الداخل والخارج، وتلقن دروساً في المقاومة للطبقة السياسية المتكرشة في فلسطين والتي اختلط عليها الأمر لتنتصر لـ”إسرائيل” بدل الانتصار للمقاومة، ولتؤكد للعالم في بهلوانية مضحكة – مبكية “أن صواريخ المقاومة هي جريمة حرب” وجريمة ضد الإنسانية! وفي مسرحية سيئة الإخراج لقيادات رام الله تكشف نوعية وفصيلة الخيانة التي أمست عليها بعض أجهزة ما تبقى مما كان يسمى تاريخياً “منظمة التحرير”، بين سعي بعضهم لتبرئة “إسرائيل” واتهام حركة المقاومة، الشيء الذي قاد جهات “إسرائيلية” ساخرة لتسمية بعض القيادات الانبطاحية في حركة “فتح” بأنهم متحدثون بالنيابة عن جيش “إسرائيل” وعن المصالح “الإسرائيلية”، مرجعين إلى الأذهان فضيحة سحب صائب عريقات وسفير السلطة نمر حماد لتقرير “جولدستون” المدين لجرائم “إسرائيل” في حق سكان غزة عام 2009م، والذي يستوجب ملاحقة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب فضيحة إسقاط حق العودة، وإلى جانب التنسيق الأمني مع الجيش “الإسرائيلي”، ليضاف إلى ذلك قرار عباس التاريخي بحل “كتائب شهداء الأقصى” الفتحاوية، وقراره بإلغاء حمل الكتائب لسلاحها.
“حماس” أيضاً تلقن الدروس للجارة مصر الذراع الثالثة، بعد الغطاء الأمريكي في أروقة الأمم المتحدة لـ”إسرائيل” في العدوان على غزة، مصر المنسحبة من المشاريع القومية لأجل ضمان مشروع حكم مصر والسيطرة التامة عليها، وعلى الأصوات الناقمة على الانقلاب، تلقنها “حماس” اليوم دروساً في الصبر، وفي كون سياسة تدمير جميع الإنفاق، ومحاولة قهر صمود “حماس” بإغلاق جميع المنافذ عليها، وعلى مليوني مسلم فلسطيني تتم محاصرتهم عبر الحدود المصرية، هي سياسة فاشلة تذهب إلى الفراغ دوماً، فـ”حماس” ألفت كما أهل غزة الحياة دون معبر الذل “رفح”، لتظهر “حماس” أمام جميع العرب مع انتفاضة صواريخها وأنفاقها بمظهر مشرف، في حين ظهور مصر بمظهر سمسار المنطقة الذي يحاول أن يكون الواجهة لمبادرات لم تهندسها القاهرة، بل أطراف أمريكية و”إسرائيلية” لإنقاذ “إسرائيل” من رشقات الصواريخ الغزاوية الصنع، وبالتالي إفقاد مصر بقية من كرامتها أمام الرفض الحمساوي للمبادرة المصرية التي سمتها الحركة بمبادرة الخنوع والخضوع، فكشفت عورة النظام المصري أمام نفسه وأمام العرب جميعاً، وبدأ إعلامه مرتبكاً وبليداً إلى أقصى حد حينما تم دخوله في مواجهة جبهة المقاومة، وشيطنتها أمام رأي عام مصري تربى منذ أربعينيات القرن الماضي على تمجيد كل من يحمل السلاح ضد الكيان الصهيوني، إلى الحد الذي أمست تستدعي فيه القنوات “الإسرائيلية” بالمذيعين المصريين، وبمطالباتهم الصريحة والمخزية للقضاء على “حماس” الإرهابية، بل وصل بهم الأمر حد الشماتة بما يقع لشعب مسلم مشكلته الوحيدة هو أنه اختار الموت واقفاً كما أشجار “الأكلبتوس” السامقة، لا الاستمرار في العيش منبطحاً كدودة مسكينة أمام “فوبيا” دويلة يظنها هؤلاء الانبطاحيون أنها المفتاح الوحيد، والدهليز الآمن لكسب ود العالم ولضمان رضا أمريكا التي لم تفلح قبتها الحديدية في حماية “الإسرائيليين” من أن ينبطحوا كل حين أمام صواريخ المقاومة في شوارع وأزقة تل أبيب وباقي المستوطنات، ولا أن تحفظهم من ذل أن يندسوا في ملاجئ الرعب والخوف من الموت الذي جعلوه الصديق اليومي لكل بيت في قطاع غزة.