خرجت بعض أصوات الأزهريين تنادي بإخراج زكاة المال والفطر للصندوق الذي دعا إليه الرئيس المغتصب للسلطة
أعلنت مؤسسة الرئاسة المصرية تدشين صندوق يحمل اسم “تحيا مصر”؛ تفعيلاً للمبادرة التي أعلنها رئيس الانقلاب العسكري “عبدالفتاح السيسي” بإنشاء صندوق لدعم اقتصاد البلاد، والتغلب على الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر، ودعم العدالة الاجتماعية.
وأكدت مؤسسة الرئاسة أنه تم إنشاء حساب بالبنك المركزي المصري، لتلقي مساهمات وتبرعات المصريين في الداخل والخارج بجميع البنوك المصرية لحساب الصندوق، الذي من المقرر أن يكون تحت الإشراف المباشر لرئيس الجمهورية، وبمشاركة كل من فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، والبابا “تواضروس الثاني”، بطريرك الكرازة المرقسية، ومحافظ البنك المركزي هشام رامز، وخاضعاً للرقابة الكاملة للجهاز المركزي للمحاسبات لمتابعة أوجه إنفاقه.
وقد خرجت بعض أصوات الأزهريين تنادي بإخراج زكاة المال والفطر للصندوق الذي دعا إليه الرئيس المغتصب للسلطة “عبدالفتاح السيسي”، ورأوا أن إخراج الزكاة من الواجبات الشرعية.
فقد قال د. عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية: إنه يجوز دفع زكاة الفطر التي يدفعها المسلمون في شهر رمضان لصندوق “تحيا مصر”؛ للمساعدة في النهوض بالاقتصاد المصري، مؤكداً أن توجيه الزكاة إلى الصندوق هو من أكبر الواجبات؛ لأنه يضبط توزيع الزكاة إلى الفقراء.
واستند بعض الباحثين بدار الإفتاء المصرية إلى أن مصارف الزكاة تهدف إلى بناء الإنسان وتنميته وسد احتياجاته، وأن ذلك يمكن أن يأتي عن طريق خدمة الاستثمار المصري وتجهيز الجيوش.
وإذا كانت الدولة تقوم بدفع الزكاة إلى أهلها من الأصناف الموجودة، فدفع الزكاة إلى الدولة أحسن من أن يدفع الشخص بنفسه؛ لأنه لا يطلع على الفقراء والمساكين مثل ما يتوافر للدولة.
ولكن الغالبية العظمى من علماء الأزهر أفتوا بعدم جواز دفع أموال الزكاة إلى صندوق “تحيا مصر”، وأن الواجب هو دفعه للمصارف الشرعية التي حددتها الشريعة.
وقد جاء رفض دعوى جواز إخراج الزكاة لصندوق “تحيا مصر” من مؤسسة الأزهر قبل علمائها غير الرسميين، فقد أفتى الشيخ عبدالعزيز النجار، مدير عام مناطق الوعظ بمجمع البحوث الإسلامية، أنه لا يجوز إخراج زكاتي “الفطر والمال” لـ”صندوق تحيا مصر” أو غيره.
و أن زكاة الفطر ذات طابع خاص، وهي سترة للصائم من اللغو والرفث، وتعوض ما حدث من خلل في صيامه وترفع درجته عند الله عز وجل، مؤكداً أنها واجبة على كل من يجد قوت يومه.
كما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بيَّن أن الحكمة من مشروعية زكاة الفطر وهي تغني الفقراء والمساكن عن السؤال في يوم وليلة العيد حتى يستطيع الفقير أن يلبس الثياب الجديدة هو وأسرته حتى لا يشعروا بالعجز في هذا اليوم.
ودفع الزكاة في غير ما شرعت له يحدث خللاً في المجتمع، ويصيب طائفة كبيرة من المسلمين في هذا اليوم (العيد)، ويجبرهم على الوقوف في الطرقات ليسألوا الناس إعطاءهم.
واستدل على فتواه إلى أن صندوق “تحيا مصر” ينتفع منه الأغنياء والفقراء، فلا يجوز إخراج الزكاة إليه، فيجب أن تصرف لأصحابها المذكورين في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {60}) (التوبة).
كما أفتى د. محمد الشحات الجندي، أمين عام المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية السابق، بأن زكاة الفطر لا تخرج إلا للمصارف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {60}).
وقال: إنه يجوز إخراج زكاة الفطر لصندوق “تحيا مصر” بشرط إعلان القائمين عليه أن أمواله ستذهب كلها للفقراء، أما إذا لم يتم ذلك فلا يجوز إخراجها إلا للمصارف الثمانية لتوفر لهم الملبس والمأكل والمشرب في يوم العيد.
وأن الأصل في الأموال المدفوعة لهذا الصندوق تكون من الصدقات.
كما أفتى الشيخ أحمد حجاج، عضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، أن زكاتي “الفطر والمال” تعطيعان للمصارف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {60}ٌ).
ومن جامعة الأزهر الشريف رأى فضيلة أ.د. يحيى إسماعيل، الأمين العام لجبهة علماء الأزهر، أن القول بجواز إخراج الزكاة لصندوق “تحيا مصر” يحتاج لرد شرعي من اتجاهين:
الاتجاه الأول: هو مجرد التجاوب مع دعوة “السيسي” للتبرع.
والاتجاه الثاني: التبرع بأموال الزكاة لخزينة الدولة.
أما الأول؛ فإن مجرد التجاوب مع دعوة “السيسي” غير جائز شرعاً؛ لأنه نوع من دعم وتأييد قائد “منقلب” على الشرعية المتمثلة في أول رئيس مصري منتخب هو “د. محمد مرسي” الذي له في رقاب المصريين بيعة سيسألهم الله لماذا لم يدافعوا عنها؟
ومع أن التبرع لمصر في أي وقت أمر محمود، إلا أن الظروف والأوضاع التي خلفها الانقلاب على أرض الواقع تبطل مشروعية التبرع، بسبب حالة الظلم التي يمارسها من يسيطرون على الأوضاع الآن.
كما أنني لا أظن ما فعله ممثل المؤسسة الدينية في هذا الإطار إلا عملاً سياسياً في المقام الأول، يستهدف به التقرب إلى من بيده مقاليد السلطة، ولا علاقة له بالفتوى من قريب أو بعيد.
أما عن الأمر الثاني في هذه الفتوى – إن اعتبرناها فتوى – فإنه لا يجوز مطلقاً التبرع بأموال الزكاة لهذا الغرض، معللاً بأن مصارف الزكاة قد حددها الله سبحانه وتعالى في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {60}).
ثم أين الدولة في تلك المصارف والتي من المفترض أنها كيان اعتباري له وظائفه التي ينبغي عليه القيام بها، وله موارده التي هي جزء من أموال الشعب؟
وكانت دار الإفتاء المصرية أيام د. محمد سيد طنطاوي، المفتي الأسبق، وشيخ الأزهر السابق، قد سئل عن حكم إخراج الزكاة لسداد ديون مصر؟ فأفتى بأن سداد ديون الدولة ليست من المصارف الشرعية الواردة في سورة “التوبة”، وذلك في فتوى (رقم 195 1986/ 25- 05 – 10 – 1986م).
وخلاصة الأمر:
أن دفع الزكاة للدولة ليس ممنوعاً في الشريعة في حد ذاته، وقد يكون جمع أموال الزكاة وتوزيعها من مهام الدولة، إن كانت الدولة أمينة على أموال الزكاة، كما هي الحال في عديد من الدول الإسلامية، لكن هذا من حيث الأصل والتنظير، لكن يبقى معرفة الواقع، فإن كان يدرك من الواقع أن الدولة لا تحترم أحكام الإسلام ولا الشريعة، وأن غالب الظن أن إنفاق الدولة لا علاقة له بمصارف الزكاة كما هي الحال في سلطة الانقلاب العسكري في مصر، فهي غير مأمونة، وإخراج الزكاة لها محرم، وتقوم الجمعيات الخيرية الموثوق بها مقام الدولة؛ لتخرج أموال الزكاة إلى مستحقيها.
والدولة التي لم ترعَ الله في دماء شعبها، ولا تحفظ أعراض نسائها، فهي أبعد الناس عن أن تحفظ المال، فإن من استهان بدماء الشعوب وأعراض النساء، وانتهك الحريات، ومازال يرفع السوط ويعمل التعذيب في شعبه، فمثل هذه الحكومة فاسقة لا ولاية لها على الناس، وهي غير مؤتمنة خاصة أنها جاءت عن طريق الاغتصاب السياسي وليس عن طريق البيعة والشورى.
كما أنه لا يجوز للمزكي أن يستهين بإخراج المال لمثل هذه الدولة؛ لأن مال الزكاة إن وجب على المسلم خرج من ذمته، ولم يعد ماله، فليس له الحرية في التصرف فيه، هذا بخلاف ماله هو، وقد قال تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ {24} لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ {25}) (المعارج)، فبعد حولان الحول يكون المال قد خرج من ملك صاحبه وأصبح ملكاً للفقراء والمساكين والمصارف الشرعية، ولا يتفضل بماله عليهم، بل هو حقهم الذي فرضه الله تعالى لهم بنص القرآن الكريم، فكان واجباً عليه أن يؤديه على الوجه الشرعي، وإلا وجب عليه أن يخرجه مرة أخرى.