عقدة “الصدمة” التي حاول قاده الانقلاب إحداثها في نفوس المصريين لتمرير مخططهم للإجهاز على روح الشعب، وقتل نبض الحرية في أوصاله، لم يكن قراراً عبثياً أو غير مدروس، وإنما كان مخططاً ليس لقتل الآلاف من أبناء رابعة في مساحة محدودة على أرض مصر، وإنما كان ”
عقدة “الصدمة” التي حاول قاده الانقلاب إحداثها في نفوس المصريين لتمرير مخططهم للإجهاز على روح الشعب، وقتل نبض الحرية في أوصاله، لم يكن قراراً عبثياً أو غير مدروس، وإنما كان مخططاً ليس لقتل الآلاف من أبناء رابعة في مساحة محدودة على أرض مصر، وإنما كان “تسونامي” وقح أحدثته يد البشر؛ لإهلاك الآلاف ممن يعبرون عن الحرية وشرف الأوطان، ممن لا يقبلون الخضوع للهيمنة والدكتاتورية وسطوة أله العسكر على المدنيين الأحرار، لم يكن اختياراً عبثياً أن يفض الاعتصام على طريقة “الهولوكست”، بل كانت عملية إجهاز كاملة من السلطة الرأسمالية ودولة الثورة المضادة لإخضاع الأحرار، وإحداث الصدمة في الكتلة الصلبة التي تقاوم الانقلاب، وأن الرسالة كانت أصعب مما يتصوره العقل البشري؛ لأن ما حدث في أحداث الفض كان خارج ثوابت الطبيعة الإنسانية، فلم يكن يدرك المصريون أن بلادهم قد زنت في غفوة من الزمن لتنجب من يقتلون أبناءها!
ابتداءً من الانقلاب الذي قاده “بينوشيه” عام 1973م في تشيلي بدعم من وكالة الاستخبارات الأمريكية ضد حكومة “سلفادور أيندي” المنتخبة، والذي جرى في 11 سبتمبر للمفارقة، وانتهاء بالاستغلال الفاحش لمواطني “نيو أورليانز” بعد “كاترينا”، فضلاً عن الممارسات المفرطة في الظلم والوحشية والفساد التي شهدها العالم أجمع في العراق، مروراً بما حدث في روسيا وجزر الفولكلاند.. تلك الأحداث في ذاكرة العالم جعلت الجميع في حالة من الصدمة الجماعية، كذا ما حدث في مصر، لم يكن استيعاب ما حدث أمراً هيناً إذا كان التساؤل هو هل من بين المصريين من يحدثون هذا الخرق العنيف في روابط المجتمع وأوصاله ونسيجه، عبر خطاب طائفي، وشيطنة لكل من يقاوم سلمياً، أو يحاول أن يعارض إما بالتفويض الذي منح قائد الانقلاب سلطة الذبح لكل من يعارض، أو بالقبول والتهليل من أجل إخلاء الساحة السياسية من الإخوان كان قراراً لا يمتد للقانون البشري في شيء، فكانت درجة العنف والدموية ورقة التوت التي سقطت عن عورات الكثيرين من أبناء الوطن، وكان صدمة للمصريين فيمن وثقنا فيهم لحماية الأوطان وحدودها، وسقطت مع الحادثة قناعات كثيرة عاش فيها الشعب المصري لسنوات، فكانت رابعة كاشفة للحق وفاصلة في أحداثها.
أخطأت الجماعة في إدارة المجهول والتعرف السريع على حقائق دولة الظلام التي حكمت مصر، ولم يكن بمقدور الرجل الشريف الذي احتسب نفسه شهيداً منذ يوم توليه الحكم أن يطيح بأركان نظام أجهز على عقول المصريين قبل أن يسطو على مقدراتهم، ولكن الإدارة السياسية لم تجرم في حق الشعب، ولم تغتصب سلطاته، ولم تعبث بمقدراته، ولم يثبت على الجماعة أنها سرقت أو اغتصبت الحقوق، لم يسجن صاحب رأي، وعرف الشعب المصري الحرية اللامحدودة في تاريخه.
الصبيانية والمراهقة السياسية وعدم تفهم طبيعة المرحلة الانتقالية وإدارة مرحلة ما بعد الثورات، وفهم فقط سياسة تقسيم الكعكة، والكفر بالديمقراطية وإفرازاتها السياسية؛ كان سلوك الجماعة السياسية ممن كانوا في مسؤولية مباشرة وغير مباشرة عما حدث في مصر، أخطاء ثوره يناير وعدم جاهزيتها لمحاسبة النظام الفاسد لا تتحملها جماعة الإخوان المسلمين وحدها، فالثورات التي لا تعلق المشانق تقتل أصحابها، وكان الشرف الثوري الذي غاب عن الكثير مصاباً أكبر عند المصريين، رأينا من فوَّض وهلل وفرح ورقص على الدماء من باب الخصومة السياسية.. الأنظمة السياسية المنتخبة لا تعلق أعواد المشانق، وإلا لكانت سُنة كل رئيس يحكم دولته في أن يقتل كل من يعارضه، فالمؤسسات المنتخبة يحكمها القانون، أما الثورات هي من تنجز مهام تطهير الفساد، هنا ماذا لو خرج مدعي الثورية في يونيو مطالبين الرئيس “مرسي” بالتطهير، ومفوضين له في إجراءات الحسم التي كفروا بها قبل بضعة أشهر مع ثاني إجراء ثوري له بعد توليه السلطة.
الأحرار من هؤلاء إن كنت أقبل لكم الخروج في 30 يونيو؛ فلماذا لم تصححوا مساركم بعد الثالث من يوليو وتعترفوا للشعب.. رضاكم عن مسار الانقلاب أعده مظهراً من مظاهر الفاشية الشعبية التي تكرِّس لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وعلى قدر ما تمتلك من قوة بيدك أن تحقق أهدافك، وهو ما كان في أحداث رابعة والنهضة، فكنتم سبباً في قتل ووأد مفاهيم السياسة والتعاطي مع الأفكار والانفتاح على الآخر، فبكم أصبحت مصر دولة مظلمة على الأرض، الحكم فيها للفرد الواحد.
أمام من سحبت ألسنتهم واغتيلت رجولتهم في المؤسسات الحقوقية ولجان التقصي والمنوط بهم الحيادية بأيديهم أدوات السلم المجتمعي والحفاظ على نسيج الوطن وحقوق أبنائه.. أمام تساؤل لا يمكِّن الجميع من النوم الهادئ، أين هؤلاء مما حدث؟ هل خلت مصر من الشرفاء حتى لا نجد رجلاً يصدع بكلمه الحق؟ هل بلغ الذكاء في منهجية اختيار الكوادر القميئة التي تتصدر المشاهد الحقوقية بالانتقاء من صفوف الأنصاف من الرجال إلى هذه الدرجة، بالأمس القريب كان هؤلاء يتوقفون عند كلمة للرئيس “مرسي” ويعدون عليه أنفاسه.. قطعاً لا أناديكم لتنضموا إلى الأحرار فأيديكم ملطخة بالدماء، وفي حانات السياسة كانت تقيؤاتكم التي أفرزت دستوراً لقيطاً لا يرضى عنه إلا من هم على شاكلتكم، ولن أناديكم لتتخذوا نفس المواقف التي كنتم تصيحون فيها على عهد الرئيس “مرسي”، فمن يبرر القتل ويهوى مداعبة العاهرات مدعياً الوطنية والشرف لن ينضم إلى معسكر الأحرار أبداً، فهذا مكان للأطهار، لقد سقطت قناعات كثيرة ومازالت حالة الفرز مستمرة.
سلام على رجال كانوا هناك.. سلام على رجال لولاهم لما عرفنا قيمة الحرية في حياة الشعوب.. سلام على رجال لولاهم لانصرفنا إلى سياسة بيع الرجولة وموائد التفاوض العبثية.. سلام على رجال وضعوا المواقف الفاصلة في حياه الأمم.. رجال أعادوا المفاهيم أن السياسة ليست ناجعة أما شرف الأوطان والمطالب بالحريات.. سلام على رجال لولا تضحياتهم لأصبح الوطن عزبة للهيمنة والسلطة العسكرية، ولماتت في نفوس المصريين قيم الحرية وصرخات التحرر.. ماذا لو لم تكن رابعة؟ ماذا لو لم تكن رابعة بأهوالها؟ سلام على رجال بكتهم السماء.. سلام على رجال بكتهم مصر خضبوا أرضها بدمائهم.. سلام على مجاهدين من أبناء بلادي، لولاهم لماتت الأمة كلها، ولأصبحت مفاهيم القوه فيمن بيده السلاح فقط.. سلام على رجال ماتوا لتحيا بهم الأوطان.
لقد أحرقوا قطعة من أرض مصر بمن فيها لتحيا مصر كلها.