تفتتح مصر اليوم مشروع توسعة قناة السويس في ظل جدل وتشكيك حول الأهداف التي أعلنتها السلطات المصرية فيما يخص نمو إيرادات القناة وحركة السفن العابرة.
وقد تمكنت مصر في غضون عام من حفر مجرى ملاحي مواز لقناة السويس بطول 35 كيلومتراً، وبعرض 317 متراً، وبعمق 24 متراً، ليسمح بعبور سفن بغاطس يصل إلى 66 قدماً، ويقع المجرى الملاحي الجديد من الكيلو 60 إلى الكيلو 95 من القناة القديمة.
كما يتضمن توسيع وتعميق تفريعتان موجودتان من قبل هما: تفريعة البحيرات الكبرى بطول حوالي 27 كيلومتراً، وتفريعة البلاح بطول نحو 10 كيلومترات.. وناهزت كلفة المشروع الذي يسمى تجاوزاً “قناة جديدة” مبلغ 8.5 مليار دولار، وتم تمويل المشروع بنسبة كبيرة بواسطة طرح شهادات استثمار تهافت بعض المصريين على شرائها في زمن قياسي، على أمل الحصول على فائدة على الشهادات تناهز 12% لمدة خمس سنوات.
وقد صدرت في الأسابيع الأخيرة تصريحات كثيرة من المسؤولين المصريين تعدد مزايا مشروع التوسعة، إذ قال رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش: إن المجرى الملاحي الجديد يتيح مرور السفن في القناة من الاتجاهين، مما يقلل زمن عبور القناة من 22 ساعة حالياً إلى 11 ساعة تقريباً ويجعلها أسرع قناة في العالم.
وعلى صعيد الإيرادات، تأمل السلطات المصرية أن يرفع المشروع الجديد إيرادات القناة بشكل عام إلى 13.5 مليار دولار بحلول العام 2023م من نحو 5 مليارات دولار حالياً، وتوقعت وزارة التخطيط المصرية أن ترتفع إيرادات القناة في العام الجاري إلى 5.5 مليار دولار.
ورغم أجواء الاحتفاء والاحتفال الكبيرين في وسائل الإعلام المصرية بحدث الافتتاح، فإن البعض يشكك في جدوى المشروع، ويرى أنه لا طائل منه للبلاد ولو في المستقبل القريب على الأقل، ويقول أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية في القاهرة أحمد الكمالي: إن التوقعات “مجرد أمنيات”، وأضاف في تصريح لوكالة “رويترز”: لم تتم دراسة جدوى -أو لم نعرف بذلك – لتقييم جدوى المشروع.
ويقول وليام جاكسون، من مؤسسة كابيتال إيكونوميكس: إنه لكي يحقق المشروع الإيرادات المستهدفة يجب أن تزيد حركة التجارة العالمية بنسبة 9% سنوياً حتى العام 2023م، في حين لا تزيد التقديرات لمتوسط نمو هذه التجارة في السنوات الأربع المقبلة على 3%، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”.
ومنذ عام 2011م لم تحقق القناة زيادة في الإيرادات توازي النمو في حركة التجارة العالمية، ويقول جاكسون: إنه بينما ارتفع حجم التجارة العالمية بمتوسط 2.9% بين العامين 2011 و2014م ارتفعت إيرادات القناة بنسبة 2% فقط في الفترة نفسها.
كما يقول مايكل فرودل من مؤسسة سي ليفل جلوبال ريسكس للاستشارات: إن القناة ربما تواجه خطراً آخر من توسعة لقناة بنما يتوقع أن تكتمل في العام 2016م، إذ قد تؤدي لاجتذاب حركة المرور من الطريق بين آسيا وأمريكا الشمالية.
وتقول شركة “ميرسك لاين” للخطوط الملاحية، وهي أكبر عملاء قناة السويس: إنه رغم الوفر الذي ستحققه التوسعة الجديدة للقناة في تكاليف الوقود للسفن الأكبر حجماً، فإن الشركة لن تزيد عدد سفنها العابرة للقناة في العام الحالي.
ويقول اقتصاديون وفاعلون في قطاع الشحن البحري: إن توقعات الحكومة المصرية بشأن زيادة إيرادات القناة بعد التوسعة الجديدة تظل مفرطة في التفاؤل، إذ إن أغلب المنتجات التي تمر عبر القناة هي المواد النفطية والغاز الطبيعي المسال، وهي تجارة تشهد منذ أشهر طويلة تراجعاً نتيجة ضعف الطلب العالمي، بحسب “الجزيرة نت”.
كما أنه في الوقت الذي تقول فيه السلطات المصرية: إن التوسعة ستمكن من مضاعفة أعداد السفن العابرة فإن واقع نمو التجارة العالمية لا يؤشر على أنها ستزيد بالضعف أيضاً نتيجة ارتباطها بشكل وثيق مع الاقتصادات الأوروبية التي تمر بفترة ضعف.
ويرى مدير فرع شركة كوسكو الصينية بمصر شو تشي بين – وهي ثالث أكبر شركة للشحن بالحاويات عالمياً – أن الأمر لا يتعلق برفع الطاقة الاستيعابية للقناة، وإنما يرتبط بتطور التجارة بين الشرق والغرب، ونمو الاقتصاد العالمي ولاسيما في أوروبا.
ويرى كولين كردلاند من شركة كلاركصن المتخصصة في تقديم خدمات الشحن المتكاملة أن الأهداف الكبيرة التي أعلنتها الحكومة المصرية لا تستند إلى معطيات تدعمها على الأرض، إذ تشير بيانات وكالة بلومبرج إلى أن عدد السفن التي تعبر قناة السويس يظل أقل بنسبة 20% مقارنة بالعام 2008م ويزيد بنحو 2% فقط مقارنة بعشر سنوات خلت.