“على إيران رفع القيود عن حرية عبادة السُّنة”.. هذا النداء كان أحد عناوين التقارير التي نشرها موقع منظمة “هيومن رايتش ووتش” على شبكة الإنترنت، والذي أطلق في نوفمبر عام 2013م، وذلك بالدعوة إلى مزيد من الحريات بعد ما أورد تقرير المنظمة شهادات حية من بعض المسلمين السُّنة عن التضييق والقمع الذي يتعرضون له من قبل السلطات وخاصة الشرطة الإيرانية في عدم السماح للمساجد بأن يقام فيها الشعائر خاصة في المواسم.
هدم المسجد
في التاسع والعشرين من يوليو الماضي، نشر موقع “سُني أونلاين” خبر هدم مصلَّى السُّنة في طهران الأسبوع الماضي، ونقل الموقع عن مصادر محلية، أن قوات الأمن الإيرانية هاجمت مصلَّى السُّنة الواقع في منطقة بونك بطهران، وقامت بتفتيشه، كما فتشت منزل إمام المصلَّى مولوي عبيدالله موسى زادة، قبل إقدام البلدية على هدم المصلَّى.
لتبدأ حملة بين النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن واقعة قيام السلطات الإيرانية بهدم المسجد الموجود في العاصمة طهران، والتي يتواجد بها أكثر من مليون شخص وفقاً لتقديرات رسمية، وربما أكثر من ذلك في تقديرات غير رسمية.
السلطات الإيرانية شككت في أن تكون قامت بهدم مسجد، مبينة أن الذي هُدم هو مكان مخالف للقانون الذي ينص على بعض الاشتراطات، وأنه عبارة عن مصلى صغير غير مصرح به، وأن من قام بالهدم هي مصلحة البلدية التي تعنى برعاية الشكل الجمالي والتنظيمي للعاصمة طهران، وقد رأت أن المصلى مخالف وأنه يسبب إشكالية.
ردود فعل غاضبة
وقد اختلف التناول للواقعة من قبل الكتَّاب والصحفيين والنشطاء، فالبعض تحدث عن الانتهاكات التي يتعرض لها أهل السُّنة وخاصة الأحواز، والبعض تناول بشكل من التفصيل هذه الانتهاكات، والبعض عرض لوقائع قديمة لمثل هذه الانتهاكات، وذلك رداً على ما تعلل به البعض من أحقية السلطات في هدم المصلى.
وتحت عنوان “هدم مساجد السُّنة في إيران.. قصة لا تنتهي”، كتب الصحفي أحمد الرباعي عبر موقع صحيفة “المواطن” السعودية: إن هدم المسجد أعاد للأذهان أحداثاً مشابهة، وسرد الرباعي بعض هذه الأحداث ومنها “مسجد السنة” بأهواز؛ حيث تمت مصادرته قبل نشوب المعارك مع العراق، وحوّل هذا المسجد إلى مركز لقوات الأمن، ومسجد تربت جام بولاية خراسان، حيث حول هذا المسجد إلى مركز لقوات حرس الثورة، ومسجد ومدرسة نكور قرب مدينة جابهار بولاية بلوشستان، حيث قامت الحكومة بهدم المسجد والمدرسة عام 1987م بتهمة أنها أحد مراكز الوهابية، ثم مسجد السُّنة بشيراز الذي صودر بعد مقتل د. مظفريان، حيث إنه هو الذي قام بتأسيس هذا المسجد، وحول إلى مركز لبيع الأشرطة السمعية والمرئية تابع لحرس الثورة.
بينما علق الباحث والمفكر السياسي الكويتي عبدالله الشايجي على هدم المسجد بحسابه بـ”توتر” قائلاً: كما توقعنا، سارع مطايا إيران – ممن ينطقون بالضاد يتطوعون للدفاع عنها وينكرون ما ورد في وكالات الأنباء – بهدم المصلى وليس مسجد السُّنة الوحيد في طهران.
فيما نقلت مواقع إخبارية عدة رسالة وجهها الشيخ عبدالحميد إسماعيل زهي، أحد أبرز علماء السُّنة في إيران وإقليم بلوشستان، وهو إمام وخطيب أهل السُّنة، ورئيس جامعة دار العلوم بمدينة زاهدان، ورئيس منظمة اتحاد المدارس الدينية لأهل السُّنة في بلوشستان، إيران والتي وجهها زهي للمرشد الإيراني الأعلى منتقداً منع السُّنة في طهران من امتلاك مسجد خاص بهم، ومطالبا بـ”تأنيب الخاطئين بشأن المصلى وإعادة بنائه”، ومما جاء في الرسالة: في ظروف يعج فيها العالم بالأفكار المتطرفة والتكفيرية والتفرقة والعنف، والعالم الإسلامي بأمسّ الحاجة أكثر من أي وقت مضى للهدوء وسعة الصدر، لم يكن يتوقع السُّنة في إيران هدم المصلَّى الوحيد لهم في طهران، وخطوة كهذه تفتح مجالاً لأعداء الإسلام ودعاة العنف والتطرف؛ كي يبثوا الفُرقة بين المسلمين، وينشروا روح اليأس بين أطياف السُّنة.
وعن المسجد الذي هدم، قال زاهي: واجه مصلى “بونك” مشكلات، وكانت تقام فيها الصلاة لمدة سنة كاملة، وكنت أذهب هناك لأداء الصلاة أثناء رحلاتي إلى طهران، لكني لم أصلِّ الجمعة في ذاك المصلى، دُعيت مرة لإقامة الجمعة لكني ألغيت الذهاب إلى المصلى لأجل مسائل حدثت، في إشارة إلى أن المسجد كان ممنوعاً من إقامة صلاة العيد والجمعة.
هدم المسجد
ربما تصنع إيران على أنها دولة قليلة المعلومات ذات النشر، ولذلك فإن بعض القضايا التي تثار ربما بشكل يومي لا تستطيع أن تجد لها أرقاماً مؤكدة أو رسمية، خاصة ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، فقد ظلت إيران واقعة تحت سطوة محاصرة وعقاب أممي نتيجة ملفها النووي، وهو ما زاد من انعزالها وعزلتها عن العالم ورفض كل سبل التواصل، وفيما يتعلق بأمر السُّنة، فقد أشارت بيانات وتقديرات إلى أن عدد مسلمي إيران السُّنة بلغوا 15 مليون شخص، فيما تؤكد بعض المصادر أن مسلمي السُّنة تتجاوز نسبته 25% من عدد السكان.