سالم الفلاحات
السبتية هنا نسبة لأهل السبت من بني إسرائيل الذين احتالوا على حرمة يوم السبت حتى إذا جاءت الأسماك والحيتان مطمئنة يوم السبت حفروا حفراً كبيرة ثم اصطادوها يوم الأحد.
هالني أن ينزلق قلم أحد الإخوان وهو في موقع القيادة ليكتب في أحد المواقع التابعة له مقالاً، معرّضاً بإخوانه الذين يختلف معهم، ليوحي للقارئ بشكل غير مباشر أن الآيات 164 و165 في سورة “الأعراف” التي تتحدث عن أهل السبت تنطبق عليه وعلى إخوانه, سواء من مازال مستمسكا بضرورة إصلاح مسيرة الجماعة ملتزماً المنهج القرآني وسُنة الرسول صلى الله عليه وسلم في رأب الصدع وحل الخلاف يقول للمخطئ أخطأت وللمصيب أصبت, يقول الحق ولو كان على نفسه, أو من فصل منها وشكل هيئة أخرى.
إن إسقاط النصوص على الوقائع والأحداث دون تدقيق ودون علم, خطأ منهجي خطير جداً, والخلل في منهجية التفكير أشد بكثير من الخطأ في التصرفات والوقائع والأحداث التي لا يسلم منها إلا المعصومون عليهم السلام.
لقد حذرت مشكوراً من لَيّ عنق النص، لكنك وقعت فيما حذرت منه, وأخالك يا أخي قد كسرت عنقه لو كان قابلاً للكسر, فكيف تضع من لم يسلب مالاً ولم ينتهك عرضاً ولم يسفك دماً ولم يستحل حراماً ولم يحرم حلالاً؟ كيف تحكم عليه بالهلاك والعذاب الرباني؟ وأستاذنا ومرشدنا الثاني الأستاذ الهضيبي رحمه الله أصّل في كتابه المرجعي الشهير “دعاة لا قضاة” ألا نكون قضاة وأن لا نتأله على الله حتى فيمن كانت جرائمهم لا تخطئها العين وأصر على أننا دعاة إلى الله فقط ولسنا قضاة، وهل يمكن أن يكون هذا الفقه الإخواني الراشد المسدد مع الذين قتلوا العلماء الأخيار وارتكبوا الجرائم العظام وحاربوا الله ورسوله, ولا يكون مع الذين اختلفنا معهم لأسباب عديدة ومهما كانت درجة الاختلاف ما دامت دون الإيمان والكفر؟ لكن هل يبيح أحدنا لنفسه حتى لو كان قائداً أو عالماً أو مسؤولاً أن يصدر على الآخرين أحكاماً قطعية يدلل عليها بالقرآن تجاوزاً فيلبّس على الناس؟
ومعلوم أني لا أدافع عن خطأ أو خطيئة، وإنما أدافع عن النهج القويم الذي يجب أن نحافظ عليه في العسر واليسر وفي الاتفاق والاختلاف حتى مع شدة الألم والعتب والغيرة, وحتى لا تنحرف البوصلة الدعوية في غمرة الخلاف وفي زحمة الاصطفاف.
وإن كان الدفاع عن الآخر ليس حراماً, والله يقول: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {9}) (الحجرات).
أمّا أن يسمى المخالف مهما كانت المخالفة ظالماً خارجياً منافقاً عميلاً خائناً، ويسمى المعارض الناصح من أجل الإصلاح والحفاظ على الدعوة, والخفير عليه ظالماً يستحق العذاب أيضاً فتلك مصيبة المصائب.
إن تعميم هذه المنهجية في التفكير والسير بمتواليتها لن يبقي حجراً على حجر ولا قلباً على قلب ولا رأساً مع رأس، ومن انحاز لك اليوم فسينحاز لغيرك غداً, فقد تكون الشكوى من الانقسام إلى شطرين بسيطة مع التشظي لا قدر الله, فالحذر الحذر وحسن النية وسلامة الهدف وحدها غير كافية.
إن اقتسام الجسد الطاهر(الدعوة ) مصيبة, ولا فرق أن يكون نصيبك أنت منها الرأس ونصيب الآخرين الأطراف أو الأحشاء، فقد مزق الجسد – أو كاد – الذي يبكي عليه الجميع بينما رضي الفريقان بقسمته ومات, فهل هان عليكم الولد وأنتم أمّ الولد يا أمّ الولد!
يا أخي، لقد كان صاحب الظلال الشهيد السعيد إن شاء الله رحمه الله، أرحم بنا وبالناس منك، فقد نقلت عنه في ظلاله في الصفحة 1385 طبعة دار الشروق الخامسة والثلاثين، لكن لم أخفيت جزءاً من النص فنقلت قوله رحمه الله: “فأما الفرقة الثالثة فقد سكت النص عنها، ربما تهويناً لشأنها”, وتوقفت هنا في وسط النص وأخفيت قول سيد رحمه الله مباشرة: “وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب إذ إنها قعدت عن الإنكار الإيجابي، ووقفت عند الإنكار السلبي، فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب”، ولم تذكر هذه العبارة: “وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب”، “وإن لم تستحق العذاب”؟!
وغريب ما قررته يا أخي في مقالك وابتدأت به ثم ذكرت قول الظلال المجزوء: “… ولم يذكر الطائفة الثالثة مع الناجين مما يستدل على أن الله أهلكهم لسلبيتهم وعدم مبالاتهم وعدم قيامهم بالواجب المطلوب منهم, أخذاً بأحد قولي ابن عباس رحمه الله”، وهل القول الثاني لابن عباس ليس قولاً؟
أخيراً وإن كنت لا أسلّم بالمقارنة والتشبيه والتعريض بتشبيه الحالة كلها التي تمر بها دعوتنا اليوم بحال بني إسرائيل – والعياذ بالله – فإنه استدلال في غير موضعه, والحقيقة خلاف ما أوردت وأوهمت أو توهّمت, فلعل فيهم مجتهداً أو غافلاً أو جاهلاً أو متأولاً أو متسرعاً أو مخطئاً متجاوزاً قد يتوب إلى الله!
وأرجو أن يتسع فقهك لفهم موقف الإخوان الصابرين الصامتين الناصحين بالخفاء الذين لم يتركوا وسيلة مشروعة لرأب الصدع إلا سلكوها.
فإن كنا نقول للناس: صديقك من صدقك لا من صدّقك, ألا يصدق هذا القول على الجميع؟ اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.