تتحرر المحافظات اليمنية تباعا من قبضة مليشيات الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح، وتتلاشى أصوات البنادق والقذائف في المحافظات الجنوبية والشرقية لتنتقل ضراوة الحرب إلى محافظات الوسط (تعز، إب، البيضاء، مأرب، الجوف) التي تتساقط مناطقها بأيدي المقاومة الشعبية والجيش الوطني مدعومين بالعمليات العسكرية التي تنفذها “دول التحالف” منذ 27 مارس الماضي.
يصوّب المحارب من كلا الطرفين في هذه المناطق سلاحه فاتحا إحدى عينيه إلى الهدف الذي أمامه، ومغمضا الأخرى ينظر بها إلى صنعاء التي تمثل هدفا نهائيا للطرفين كمدينة تكتسب من صفة “العاصمة” رمزية تختزل كل الوطن، وتشير تصريحات الطرفين إلى تشاركهما الرغبة في عدم نقل الحرب إليها.
وكلما أحرزت المقاومة الشعبية انتصارا في تلك المناطق ارتفع بالتزامن صوت البحث عن الحل السياسي الذي يضمن عودة صنعاء إلى الشرعية سلميا، وهو الحل الذي يشكل نقطة اتفاق بين الطرفين والأطراف الدولية الأخرى بحسب تصريحاتهما، إلا أنه يمتنع عمليا عن الحضور ويفتقد حتى الآن للقابلية للتنفيذ، تبعا للاختلاف بين كل من هذه الأطراف في تعريفه ورؤيته له.
الأسبوع الماضي، وبعد لقائه بوفد ممثل لكل من صالح والحوثي في العاصمة العمانية مسقط، قام مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بإبلاغ رئيس الجمهورية “عبدربه منصور هادي” بقبول الحوثيين بما أسمي إعلاميا بـ”الحل السياسي” وعشرة شروط رديفة، ويبدو كما لو أن حلف صالح والحوثي ينظر إلى الحل السياسي من كونه الطرف المسيطر على العاصمة وعدد من المحافظات الشمالية، ويرى على هذا أن يفضي الحل إلى نتيجة تشبه التي خرج بها “علي صالح” في 2011م من خلال “الحل السياسي” المعروف بـ”المبادرة الخليجية” والمقدم حينها من دول الخليج على خلفية الانتفاضة الشعبية، متضمنا “إجراء انتخابات رئاسية تنقل الرئاسة لنائبه عبدربه منصور هادي، ومنحه الحصانة من المحاكمات، إضافة إلى نصف الحكومة وما سيظل يمتلكه في حصة الطرف الآخر مما يعرف بـ”الدولة العميقة”، فضلا عن أجهزة السلطة الأخرى ذات التبعية للرئاسة كجهازي الاستخبارات، والوحدات العسكرية والأمنية التي بناها خلال عقود من الزمن وفق الولاءات الشخصية له، وغيرها.
ومن الجانب الآخر، يؤكد الطرف الممثل للشرعية والمستعين بقوات “التحالف” أن خياره هو التمسك بالقرار الأممي رقم (2216)، ولا يرى إلا تنفيذه، سواء بالآلية السلمية السياسية، أو بالحسم العسكري.
وتنص بنود في القرار (2216) على عودة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، وانسحاب المسلحين الحوثيين من كافة المدن وتسليم السلاح ومؤسسات الدولة التي احتلتها، وبسط الحكومة اليمنية الشرعية سيطرتها على كل الأرض اليمنية،
وتتحدث تقارير صحفية عن أطراف دولية كبرى تسعى للتأثير على الخط السياسي بما يتيح التمكين للحوثيين بقوتهم المسلحة من لعب دور مستقبلي ضمن مخطط تقسيم الخارطة الجغرافية في اليمن والمنطقة، مستفيدة في هذا من قدرتها التأثيرية على الأمم المتحدة، وتثور المخاوف من احتمالات إصدار قرار أممي يخلط الأوراق التي رتبها القرار رقم (2216) والذي اعتبره محللون نصرا دبلوماسيا عالميا وتاريخيا للدبلوماسية الخليجية، والدبلوماسية السعودية بشكل خاص.
وعقد مجلس الأمن الخميس الماضي جلسة مغلقة لبحث الشأن اليمني استمع خلالها لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن “إسماعيل ولد الشيخ”.
وكان ولد الشيخ قد قال في حوار صحفي الخميس قبل الفائت (5 أغسطس): “حتى الآن لا يوجد أي حديث عن قرار جديد من مجلس الأمن ونحن حتى الآن متمسكون بالقرار 2216 ونرى أن هناك تقدما وسنصل إليه وعندما نصل إلى اتفاق سياسي وإلى تلك المرحلة من الممكن أن يقرر، وهذا شيء يرجع لمجلس الأمن، لكن ليس هناك في القريب أي حديث عن قرار جديد”.
وقالت وسائل إعلام سعودية قبل أمس الجمعة إن الحكومة اليمنية الشرعية تعتزم تقديم آلية لتنفيذ القرار الأممي (2216). وفي ذات اليوم أكد ناطق عمليات العسكرية للتحالف العميد أحمد عسيري مضي دول التحالف حتى تحقيق النهايات المعلنة للعمليات العسكرية، واستعادة العاصمة صنعاء بالحل السياسي أو بالحل العسكري.
ويشير متابعون للشأن اليمني إلى أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي تخوض عمليات عسكرية مشتركة ضد انقلاب صالح والحوثيين، تتقاطع مصالحها مع الشرعية في اليمن التي استعانت بها عسكريا وفق اتفاقيات دولية وثنائية موقعة بين البلدين، مستبعدين -بناء على هذ التقاطع في المصالح- أن تتوقف السعودية ودول الخليج عند مساعدة محافظات الجنوب والوسط اليمني على التحرر وترك العاصمة صنعاء ومحافظات الشمال ساحة لأطراف تهدد استقرارها وأنظمة الحكم فيها.
يتعنت حلف صالح والحوثي في القبول بالحل السياسي حتى الآن، مراهنين على سيطرتهم على العاصمة وما حولها وإشارات من بعض الأطراف الخارجية، ويقابل ذلك أن مناطق وسط اليمن تحتفل تباعا بانتصارات المقاومة، ويتزامن ذلك مع جهود حثيثة ترمي لتحضير حل سياسي لمحافظات الشمال يبدو أنه هو ينتظر وصول الحل العسكري إلى أطراف صنعاء.