بيانات الكتاب:
اسم الكتاب: الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة.
المؤلف: د. إسماعيل الشطي.
الناشر: مكتبة آفاق – الكويت.
الطبعة: الأولى عام 1434هـ/ 2013م.
عدد صفحات الكتاب: 232 (القطع الكبير)
هذا الكتاب: صدر هذا الكتاب في الفترة الساخنة التي تولى فيها الإسلاميون الحكم بالدول التي اندلعت فيها ثورات «الربيع العربي»، حيث برزت تساؤلات عن نموذج الحكم الذي سيطبقه الإسلاميون في إدارة شؤون الدولة الحديثة، وكيف سيوفقون بين مقتضيات الدولة الحديثة وبين شعاراتهم الانتخابية المعروفة، كفكرة “الخلافة”
ويستعرض هذا الكتاب التحديات الحقيقية والعقبات التي ستواجه الإسلاميين في تنفيذ هذه الشعارات، كما أنه يسعى كمحاولة أولية للبحث عن نموذج ملائم يحكم فيه الإسلاميون الدولة الحديثة، وفي سياق هذا البحث يقوم المؤلف بمناقشة ثلاث تجارب مختلفة خاضها الإسلاميون في العقود الماضية لحكم الدولة الحديثة المعاصرة، وهي تجربة «الخميني» في إيران، وتجربة «طالبان» في أفغانستان، وتجربة «أربكان» في تركيا.
نموذج دار الإسلام
يضم الكتاب مقدمة وخمسة فصول وملحقاً عن الإسلاميين المعتدلين في ظل الإستراتيجيات الدولية الجديدة، وفي الفصل الأول تحدث المؤلف عن دار الإسلام (النموذج التاريخي)، فتحدث عن دار الإسلام تعريفاً وواقعاً، وعن حقوق الرعايا والوافدين في ظل الدولة الإسلامية، ونمط إدارة الحكم، حيث أكد المؤلف أن النص الديني لا يمدنا بأي مادة حول تنظيم الدولة وتوصيف السلطات وطرق توليها وأساليب إدارتها، لذا جاء نظام الحكم الإسلامي مقارباً لما هو معمول بالقرى والمدن الصغيرة بالمنطقة، حيث كانت معظم حواضر الجزيرة العربية لا تزيد على قرى تتفاوت في أحجامها، وكانت مكة بمثابة أم القرى، وهو نظام حكم يقارب نظام الديمقراطية المباشرة والتي يرأسها شيخ أو زعيم ذو قدرات تحكيمية، وغالباً ما يدعو أفراد القرية إلى مكان فسيح للتشاور أو تبليغ الأوامر والتوجيهات، وهذا النظام المعمول به في الجزيرة العربية يكاد يكون أصل النظم السياسية التي انتقلت إلى بلاد الرافدين وبلاد النيل وبلاد اليونان.
وفيما يتعلق بالجهاز الحكومي، يقول المؤلف: إن حكم الخلفاء الراشدين لم يعرف شكلاً مقارباً لأشكال الحكومات المعاصرة، ولم تكن هناك أجهزة حكومية واضحة المعالم، ورغم أن هناك من يميل إلى توصيف الحالة الإدارية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه توصيفاً تنظيمياً مقصوداً؛ فإن بداية التنظيم الإداري انطلق في عهد الفاروق عمر، ثم تطور واستجاب لمتطلبات المملكة الواسعة في عهد معاوية، ثم أخذ يتطور خلال العهود المتعاقبة مع التوسع في المهام واتساع نطاق العمل وارتفاع عدد المرتبطين بالخدمة، ثم تحدث المؤلف عن الاقتصاد والنظام المالي في عصور الإسلام الأولى، وخلص المؤلف إلي ثلاث نتائج من هذا الفصل، هي:
* أن نشوء نموذج دار الإسلام جاء نتيجة تطور الأحداث السياسية، وأخذت هذه التطورات مساراً متذبذباً بين ثقافة القرى وثقافة الإمبراطوريات، وبين مبادئ الإسلام الأساسية والحصيلة التاريخية لتراث المنطقة الديني، وبين القوة والانتشار والضعف والانحسار، ولم يتشكل هذا النموذج نتيجة نصوص دينية مباشرة، بل ظل صناعة بشرية خضعت لمبدأ التجربة والخطأ، وظلت إدارة الحكم طوال تاريخ الإسلام تتطور وتتغير، ولم تأخذ نظاماً واحداً ولا أسلوباً مكرراً، فلقد مرت بمراحل مختلفة من أشكال الإدارة، بدءاً من القرية إلى المدنية إلى الدولة إلى الإمبراطورية، كما مرت بمراحل قيادية مختلفة بدءاً من النبوة ثم الزعامة ثم الرئاسة ثم الملك، ولا يمكن اقتطاع مرحلة من مسيرة تطور تلك الإدارة أو الادعاء بأنها تمثل النموذج الإسلامي لإدارة الحكم على مدار حكم الإسلام؛ ذلك لأن الوحي لم يقدم نموذجاً محدداً لإدارة الحكم بل تركه لاجتهاد المسلمين.
* كل النظم والأساليب الإدارية التي اتبعها المسلمون منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت اجتهادات أملتها الخبرة المتاحة والظروف المحيطة والمصلحة العامة، ولم تكن استجابة لنص ديني، لقد كان دور الدين هو إضفاء القيم والمبادئ الجديدة على هذه النظم والأساليب، ويمكن القول: إن المبادئ والقيم الإسلامية تم تنفيذها بشكل رائع إبان إدارة الحكم في عهد الخلفاء الراشدين أو غيرهم، لكن تجاربها الإدارية ليست جزءاً من الدين، وتبقى في إطار التراث الذي تتدارسه الأجيال وتستفيد منه، وهذه النتيجة هي ما يفسر رفض الخليفة الرابع رضي الله عنه عرض الخلافة مقابل الالتزام بكتاب الله وسُنة نبيه وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: بل على كتاب الله وسُنة نبيه واجتهاد رأيي، وعندما رفض الالتزام بمنهجي الشيخين رضوان الله عليهما كان يدرك أن الخبرة تتزايد، وأن الظروف تتغير، وأن المصالح تتبدل، وأن كل ذلك يحتاج اجتهاداً جدياً، وكان يريد أن يلفت الأنظار إلى الجانب الاجتهادي الفسيح في السياسة والدولة والحكم، لقد خسر فرصته المبكرة بالخلافة احتراماً لموقفه وتكريساً لمبدأ مفصلي يحدد سلوك المسلمين في المستقبل.
* إن هذه النظم في نشوئها وتكاملها وتتابعها واستمرارها لا يمكن اعتبارها قائمة بذاتها منفصلة عما حولها، وإنما يجب أن ينظر إليها ضمن الظروف الدولية التي أحاطت بها آنذاك، ومن خلال ملابسات الاختلاط بالأمم الأخرى والاحتكاك بثقافتهم، ولعل هذا يفسر احتفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم بالنظام النقدي المعمول به في زمنه دون تبديل أو تغيير، كما يفسر إبقاء النظام القضائي سارياً كما كان في صدر الإسلام وفق ما كانت عليه القبائل قبل الإسلام مع تعديلات فرضها الدين الجديد.
نموذج الدولة المعاصرة
تحدث المؤلف في الفصل الثاني عن الدولة المعاصرة وتطورها التاريخي، والقالب النمطي لها، وتنوع تلك النظم التي حكمت الدولة المعاصرة من نظام برلماني إلى نظام رئاسي ونظام مختلط، وفي الفصل الثالث عرض المؤلف للتحديات التي تواجه الدولة الإسلامية في ظل النظام الدولي الحديث، والتي من أهمها اختلاف الهيكلية في بنيان نموذج الإسلام التاريخي المعروف بدار الإسلام والذي يختلف عن الدولة النمطية المعاصرة، ويرى المؤلف أنه رغم محاولات مزج مبادئ الإسلام السياسية مع النموذج النمطي للدولة الحديثة (الأسلمة) تبقى الصعوبات جاثمة تعيق نجاح المحاولات، فرغم أن الإسلاميين لا يمتلكون تجربة حية لمحاولة المزج هذه سوى نموذج جمهورية إيران الإسلامية، إلا أن كثيرين منهم لا يعتد بتلك التجربة على اعتبار أنها تجربة مذهبية تعبر عن طائفة من المسلمين ولا تعبر عن الإسلام.
تحديات تواجه الدولة الإسلامية
ويمكن حصر التحديات التي تواجه الدولة الإسلامية في ظل النظام الدولي الحديث فيما يلي:
– الاختلافات الهيكلية بين دار الإسلام والدولة النمطية المعاصرة، ويأتي هذا الاختلاف من ثلاثة وجوه: التباين في التأصيل، الاختلاف حول مفهوم السيادة، غياب مفهوم الوطن والمواطنة.
– تحديات أسلمة النموذج النمطي للدولة الحديثة، فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة وتطبيق الشريعة الإسلامية، ومواجهة السلطة المعرفية، حيث تأسست نظرية المعرفة في الإسلام على مبدأ التوحيد، فالله مصدر المعرفة اليقينية، ولذا تصبح الحقيقة واحدة لا تتعدد، ويمكن أن تتعارض مع الواقع الذي نعيشه ويحيط بنا ما دام الله خالق الواقع وما وراءه، وهذا على خلاف النظام المعرفي الراهن الذي يتصادم مع الإسلام والفكر الديني عموماً منذ أن أعلن «إيمانويل كانت» في القرن الثامن عشر أن المعارف الميتافيزيقية غير مجدية أو مفيدة، وأن الفكر البشري مطالب بملازمة حدوده التجريبية.
صعوبة أسلمة الاقتصاد
كذلك من التحديات صعوبة أسلمة اقتصاد الدولة النمطية، وهو التحدي الأكثر جدية وصعوبة أمام مشروع أسلمة الدولة المعاصرة، فقد قطع النظام الدولي الراهن شوطاً بعيداً في تصميم آلية اقتصادية عالمية تنضوي تحتها كل اقتصاديات دول العالم يحتويها ويحولها إلى ترس في عجلتها، آلية ترتهن فيها ثروات الشعوب وإنتاج السلع والخدمات وإصدار النقود وحركة الأموال وطبيعة الأسواق الحقيقية والافتراضية وأنماط الاستهلاك المعيشي، وهي فلسفة مادية لا تستند إلى الإيمان الإلهي، حيث تستند إلى نظام ربوي فاحش، يحيل النقود إلى سلعة تجارية والديون إلى أصل ريعي.
نماذج الحكم الحديثة للإسلاميين
وفي الفصل الرابع، تحدث المؤلف عن نماذج الحكم الحديثة للإسلاميين، فتحدث عن النظام الإيراني والذي تأسس في أول أبريل 1979م، وعرض لطبيعة ومرجعية النموذج الذي أسسه «الخميني» لأسلمة الدولة، وخلص المؤلف إلى عدة ملاحظات، أهمها:
** إن مشروع أسلمة الدولة المعاصرة هو محاولة لدمج فكرتين متناقضتين في تكوين الدولة، إحداهما تقوم على أساس العقائد والديانات، والأخرى تقوم على أساس الرقعة الجغرافية والقوميات، وأثبتت التجربة أن أي دمج لهما سوف يؤدي إلى التخلي عن بعض مقتضيات أحد الأساسين، وهو ما تكشفه بوضوح محاولة «الخميني» في جمهوريته في إيران، فلقد كان مرتبكاً ما بين مقتضيات الإسلام ومقتضيات القومية الفارسية، كما كان متردداً ما بين الالتزام بمقتضيات عضويته بالأمم المتحدة واحترامه للقانون الدولي وبين مقتضيات النصرة للمسلمين في الدول الأخرى، وكان كذلك حائراً أمام مقتضيات العزة والاستعلاء الإيماني (النزعة الاستقلالية) وبين تبعيته الاقتصادية والمعرفية والمعيشية للغرب ودول الاستكبار، وكل ذلك يعود لتناقض الفكرتين اللتين تشكلان عقدة أمام أي محاولة لأسلمة الدولة النمطية والمعاصرة.
** إن مادة الإسلام التي وضعت في دستور جمهورية إيران الإسلامية جاء معظمها لخدمة تركيز السلطة بيد القائد، فلقد استخدمت فكرة أمير المؤمنين السُّنية أو فكرة نائب الإمام الغائب أو الفقيه الولي الشيعية لتكرس النظام الدكتاتوري باسم الإسلام، فكلتا الفكرتين تنصب شخصاً آمراً تجتمع بيده كل السلطات والصلاحيات ويمتد منصبه إلى مدى حياته كلها، وتجعل من هذا التكريس شأناً فقهياً غير قابل للجدال؛ لأنه – كما يزعمون – من عند الله تعالى.
** إن مشروع الأسلمة أخذ منحى طائفياً في إيران بإلزام الدولة بعقيدة الطائفة الاثني عشرية ومذهبها الجعفري، ولذا تحول إلى مشروع تشييع بدلاً من أسلمة، وانحاز إلى الطائفة في مقابل الأمة؛ مما أوجد صعوبات بالغة أمام القيادة الإيرانية في قيادة العالم الإسلامي ومخاطبته.
وتحدث المؤلف عن نموذج حكومة «طالبان» وخلفيته الفكرية، وأسباب إخفاق هذا النموذج، ثم تحدث عن النموذج التركي وإرهاصته الأولى، ومرجعيته الفكرية، وإبرز الملاحظات على هذا النموذج، والتي من أهمها:
1- إنه استطاع أن يدير الإسلاميون الدولة النمطية الحديثة بنجاح، وأن يؤكد إمكانية احتواء الجماعات الإسلامية السياسية داخل العملية الديمقراطية، وأن تتدفق علاقاته بيسر وسهولة مع المجتمع الدولي، وأن يقيم علاقات مميزة مبنية على الثقة مع الدول الكبرى، ويرى المؤلف أنه رغم نجاح هذا النموذج فإنه لا يصلح تطبيقه بحذافيره في كثر من الدول الإسلامية، فلقد فُصِّل على مقاس الدولة التركية التي تختلف عن بقية الدول الإسلامية.
2- إن سعي الإسلاميين الأتراك لتحويل تركيا إلى دولة علمانية يستفز الكثير من الأفراد في الأوساط الإسلامية، ويعدون ذلك تنازلاً أو انهزاماً أو خيانة، فالأصل في فكر الإسلاميين أن سعيهم ينصب دائماً لتحويل أي دول علمانية إلى دولة إسلامية، وليس إلى دولة علمانية ذات نظام ديمقراطي حقيقي، غير أن حزب العدالة والتنمية يرى أن الديمقراطية الليبرالية بعلمانيتها هي حماية وضمان للدعوة الإسلامية، وهذا ما يحتاجه الإسلام في ظل النظام العالمي الراهن.
النموذج المقترح لحكم الإسلاميين
عرض المؤلف في هذا الفصل الأخير من كتابه للزلزل الصادم الذي واجهه المسلمون منذ إلغاء منصب الخلافة عام 1924م، ومحاولة البحث عن الهدف، حيث أدرك المسلمون أن الإسلام في ظل الظروف الدولية القائمة آنذاك لا يحتاج إلى خلافة بقدر ما يحتاج إلى الاستقلال، فالخلافة لا تقوم في بلدان ترزح تحت حكم الاستعمار؛ لذا استسلموا لعمليات التقسيم والتجزئة والأقطار المصطنعة، وتطبعوا بالآصرة القطرية، بينما هبت موجة من حركات الاستقلال في معظم أقطار العالم العربي، حتى جاءت جماعة الإخوان المسلمين لتعلن أن عودة الخلافة هدف إستراتيجي لا يتحقق في مرحلة واحدة، وجعلته المرحلة الأخيرة ضمن مراحل متعددة.
ماذا يحتاج الإسلام في هذه المرحلة؟
وفي ختام الكتاب، حدد المؤلف ثلاثة أمور يحتاجها الإسلام في هذه المرحلة، وهي:
1- الاقتصاد القوي الذي يضمن حاجات المواطن الأساسية من مأكل وملبس ومسكن داخل مدينة عصرية مكتملة البنى والخدمات.
2- الحكم الرشيد – أو ما يطلق عليه «الحوكمة» – الذي يضع نصب عينيه تحقيق العدالة بين المواطنين، وينظم العلاقات بين النظام التعليمي ومشاريع التنمية بشكل صحيح، ويدير الدولة وفق معايير النزاهة والشفافية ويقلص الفساد في أدنى حدوده.
3- الديمقراطية التي تحمي الحريات العامة، وتوفر الأمن للأفراد، وتضمن مبدأ الاختيار بالانتخاب، ومبدأ تداول السلطة بين الأحزاب السياسية، فالإسلام لا يحتاج شعوباً مرهقة ضعيفة، سعيها في الحياة اللهاث وراء لقمة العيش، إنما يريد شعوباً تمتلك من العزة والكرامة ما يجعلها تسعى لمنافسة بقية أمم الأرض، وهذا لا يتأتى إلا بتوفير الحياة الكريمة والعيش الآمن وأجواء من الحرية.