– الجنرال جول أعد عشرات الضباط في الاستخبارات العسكرية وداخل الجيش للدفاع عن هوية باكستان الإسلامية
– يعتبر الجنرال جول قائد المنظمات الجهادية الأفغانية والباكستانية لإنهاء الغزو السوفييتي لأفغانستان
– الجنرال حميد جول كشف لـ”المجتمع” في حوارات سابقة أنه ظل مسؤولاً عن تنظيم الجماعات الجهادية الأفغانية حتى بعد انتهاء عمله في الاستخبارات
– اتصل جول في أواخر أيامه بقادة من الحزب الإسلامي لمطالبتهم بإقناع زعيمهم قلب الدين حكمتيار بعدم الانجرار وراء تنظيم “داعش”
توفي يوم السبت الماضي الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات الباكستانية حميد جول (79 عاماً) الذي شكل أحد الأركان الفاعلة ضمن المشروع الإسلامي الباكستاني في مواجهة الغطرسة الغربية، علاوة على كونه المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال السوفييتي في أفغانستان.
وبوفاة الجنرال جول تكون باكستان قد طوت صفحة مهمة من تاريخها المعاصر بعد أن وصل إلى حكمها في نهاية السبعينيات من القرن الماضي الجنرال ضياء الحق حاملاً معه مشروعاً إسلامياً عالمياً لمواجهة الاستكبار الأمريكي، وقيادة ثورة تغيير ضد الأجندة الغربية في المنطقة.
ووجد الحاكم العسكري لباكستان الجنرال ضياء الحق بعد سيطرته على الحكم بانقلاب عسكري ضد حكومة ذو الفقار علي بوتو، والد بي نظير بوتو، في الجنرال حميد جول الشخص الأفضل لتنفيذ مشروع إسلامي معتدل، وتحويل باكستان إلى دولة إسلامية رئيسة في العالم الإسلامي، والوقوف إلى جانب القضايا التحررية، ومساندة الحركات الإسلامية والوطنية التي كانت تعمل للخروج من سيطرة الاستعمار الغربي.
ووجد الحاكم العسكري لباكستان الجنرال ضياء الحق في شخص حميد جول من يمكنه أن يستعين به لتحقيق هذه الأهداف وتحويل باكستان إلى دولة تحتكم إلى الإسلام ولا مكان فيها للعلمانيين والمارقين عن الدين.
مشروع الجنرال ضياء الحق
واستمر مشروع الجنرال ضياء الحق حتى بعد مقتله في مخطط إرهابي أسقط طائرته العسكرية في 17 أغسطس 1988م؛ وذلك بسبب الدور الذي مارسه الجنرال جول؛ حيث أعد عشرات الضباط في مؤسسة الاستخبارات العسكرية وحتى داخل الجيش للدفاع عن هوية باكستان والحفاظ على المشروع الذي أسسه الجنرال ضياء الحق، حيث رفع فيها شعارات الإيمان والتقوى والوحدة وفرض تربية دينية قوية بين ضباط الجيش في المؤسستين.
واستمر هذا التيار إلى يومنا هذا يمنع أي محاولة لإبعاد المؤسستين عن التمسك بالدين وأبقاها رمزاً للهوية الإسلامية وللوطن، وجعل هذا التيار قوة ضاربة فيها حافظت على مساندتها لقوى التغيير في عالمنا الإسلامي، وأيدت حركات المقاومة في أفغانستان وكشمير والبوسنة وغيرها.
وأدى الجنرال جول دوراً رئيساً في الحفاظ على هذه الشعلة عبر تلامذته داخل المؤسستين، ورفاقه من ضباط الجيش ومن أرفع رتب القوات المسلحة، حيث ظل الجنرال جول القائد الحاضر الغائب داخل المؤسستين، وظلت له كلمته المسموعة، وكان يتم أخذ رأيه من قبل قادة الجيش والمخابرات، رغم مرور سنوات على انتهاء مهامه رئيساً للمخابرات الباكستانية؛ ذلك احتراماً لرأيه وخبرته العسكرية والاستخبارية.
وظل جول يعطي النصائح المهمة لقوات بلاده في التعامل مع التهديدات الأمريكية والهندية، والمخططات الإرهابية التي ظلت تهدد وحدة باكستان وتماسكها.
جول عراب مؤسسة الجيش
ويعتبر الجنرال جول بجدارة مهندس الجهاد الأفغاني، والشخص الذي قاد المنظمات الجهادية الأفغانية والباكستانية لإنهاء الغزو السوفييتي لأفغانستان، وفي حوارات صحفية أجرتها معه مجلة “المجتمع” على مدار السنوات الماضية، كشف الجنرال حميد جول أن مهمته أيام إشرافه على مؤسسة الاستخبارات العسكرية وحتى بعد انتهاء ولايته القانونية ظل مسؤولاً عن تنظيم الجماعات الجهادية الأفغانية وعددها 7 منظمات جهادية، وهي: الحزب الإسلامي بقيادة المهندس قلب الدين حكمتيار، والجمعية الإسلامية بقيادة برهان الدين رباني، والاتحاد الإسلامي بقيادة عبد الرب رسول سياف، وجماعة المولوي يونس خالص، وجماعة المولوي جلال الدين حقاني، وحركة انقلاب إسلامي بقيادة المولوي كيلاني، وحركة إسلامي بقيادة محمدي.
وكان دوره كما يقول في الحوار معه هو توزيع المساعدات المالية والعسكرية التي كانت تتبرع بها المخابرات الأمريكية إلى المجاهدين من أجل طرد القوات السوفييتية من أفغانستان، وكان يقدم المساعدة بحسب حجم قوة المنظمة وانتشارها في أفغانستان، حيث كان الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار يحصل على نصيب الأسد منها.
أما الجماعات الجهادية السبع الشيعية التي كانت بدورها تحارب القوات السوفييتية، فقد كانت طهران تتكفل بمساعدتها مالياً وعسكرياً.
وبسبب هذه العلاقة امتلك الجنرال جول قلوب القادة الأفغان، وامتلك أيضاً قلوب المنظمات الجهادية الباكستانية التي ترعرعت في حقبته، وتلقت مساعدات لمعاونة الأفغان على طرد القوات الأجنبية من بلادهم، ومكنته هذه العلاقة من الحصول على مكانة خاصة له بين الجماعات الجهادية الباكستانية، وأبرزها حركة المجاهدين، وحركة الجهاد الإسلامي، وجيش محمد، وجماعة الدعوة.
وبعد انفجار الجهاد الكشميري، استمر دوره بعد أن أيد الجماعات الجهادية وشجعها على نقل تجاربها إلى كشمير وتحريرها من القوات الهندية، وكان له الفضل الكبير في توحيد الجهاديين في كشمير سواء كانوا باكستانيين أو كشميريين، وتكللت جهوده في عام 1994م بتشكيل مجلس الجهاد المتحد بقيادة سيد صلاح الدين، زعيم حزب المجاهدين وأكبر تنظيم مسلح في كشمير.
وأعلن الجنرال جول بنفسه ولادة المولود الجهادي الذي وحد جميع فصائل المجاهدين في كشمير، وهو نفس مشروع اتحاد المجاهدين الأفغان الذي رأى النور في عام 1990م بقيادة عبد رب رسول سياف، وأعلن عن انضمام جميع القوة المسلحة الأفغانية إليه قبل أن ينهار بسبب خلافات الأفغان فيما بينهم.
وحتى حكومة المجاهدين في أفغانستان التي رأت النور في يناير عام 1992م وترأسها سيد مجددي ثم ترأسها بعده برهان الدين رباني لعب فيها الجنرال جول الدور الرئيس حيث أقنعهم بتوحيد صفوفهم وتشكيل حكومتهم.
وفي عام 2002م تمكن الجنرال جول من توحيد القوى الإسلامية لمواجهة مشروع الجنرال مسرف العلماني، وشعر الجنرال جول إلى حاجة ملحة في توحيد الصف الإسلامي بعد اجتماعه مع الراحل قاضي حسين أحمد زعيم الجماعة الإسلامية في باكستان، ومع زعيم جمعية علماء إسلام مولانا سميع الله، ومولانا فضل الرحمان.
وكللت جهوده وجهود قاضي حسين أحمد بتشكيل مجلس العمل الإسلامي، وهو تنظيم توحدت تحته لواءه جميع الفصائل الإسلامية في باكستان، وتمكن من حصد ثلث أصوات البرلمان في انتخابات عام 2002م والفوز بإقليمين اثنين من مجموع أربعة أقاليم، هي: إقليم خيبر، بختو الشمالي، وإقليم بلوشستان.
“طالبان” والجنرال جول
وبعد فشل الرهان على المجاهدين الأفغان وإعلان طالبان عن نفسها عاد الجنرال جول ليقود هذا التيار الجهادي الجديد حتى وصل إلى سدة الحكم في كابول عام 1997م، وأجرى خلالها عشرات الاجتماعات مع زعيمها الملا عمر مجاهد عبر مولانا فضل الرحمان خليل، ومولانا سميع الحق، وهي شخصيات كان الملا عمر يستمع إليها ويحترمها.
وبسبب علاقاته القوية مع المولوي جلال الدين حقاني اقتنع هذا الأخير بضرورة دعم حركة طالبان بعد أن حاربها الحزب الإسلامي والاتحاد الشمالي بقيادة أحمد شاه مسعود، وقرر المولوي جلال الدين حقاني ومعه المولوي يونس خالص دعم الحركة ومبايعتها في جنوب شرق أفغانستان والعاصمة كابول، وأدى هذا التعاون إلى سقوط العاصمة في يد طالبان في سبتمبر عام 1997م وفرار حكمتيار إلى إيران.
وكانت يومها الاتهامات توجه إلى طالبان بأنها حركة مناطقية لا غير، تريد الفوضى في البلاد وتحقيق أجندة استعمارية، لكن الجنرال جول أبطل مفعول هذه الاتهامات بعد لقاءات مكوكية بين الملا عمر، والمولوي جلال الدين حقاني، وأقنعهما بمبايعة الملا عمر وطاعته.
ولم يبق دور الجنرال منحصراً في طالبان أفغانستان، بل أدى دوراً مهماً في إبعاد مقاتلي طالبان باكستان عن تنفيذ أجندة أجنبية، وممارسة دور في حمل كل من الملا نذير زعيم طالبان في جنوب وزيرستان، وحافظ كل بهادر، زعيم شورى المجاهدين، بالابتعاد عن المتشددين في طالبان، وأبرزهم حكيم الله محسود، وقبله بيت الله محسود، وكان يستعين في ذلك بسراج الدين حقاني، الابن البكر للمولوي جلال الدين حقاني.
آخر أعمال الجنرال الراحل
ومنذ انتشار خبر وفاة الملا عمر والحديث عن صراعات داخل حركة طالبان أفغانستان، وخلافات حول منصب الأمير الجديد، لم يبقَ الجنرال جول متفرجاً عليها، بل قرر التحرك رغم كبر سنه وانشغالاته بمرض زوجته واجتمع مع أمير طالبان الجديد الملا أختر منصور، وقدم له تعازي بلاده في وفاة الملا عمر وهنأه بالمنصب الجديد.
ولم يكتفِ بذلك، بل راح يطالب الرجل القوي في الحركة المولوي سراج الدين حقاني بمبايعة الأمير الجديد والتعاون معه فوراً لقطع الطريق على المغرضين، ولم يتأخر سراج الدين في إعطاء البيعة للملا منصور منذ الساعات الأولى من إعلان تعيينه أميراً جديداً، ووافق على منصب نائب له في الحركة من أجل تأكيد وحدة الحركة وتضامنها.
وبعد أنباء عن التحاق زعيم الحزب الإسلامي المهندس قلب الدين حكمتيار بتنظيم الدولة “داعش” في شرق أفغانستان، قرر الجنرال جول التحرك من جديد لمنع هذا الأمر، واجتمع مع ابنه سيد صلاح الدين وطالبه بنصيحة والده حتى يمتنع عن الإساءة إلى تاريخه الجهادي وإلى مكانته بين الأفغان.
وظل في أيامه الأخيرة يتصل بقادة من الحزب الإسلامي يطالبهم بإقناع زعيمهم بعدم الانجرار وراء تنظيم دموي في أفغانستان؛ لأنه قد يقضي على ما تبقى لحكمتيار من مكانة في بلاده والعالم الإسلامي.
ويمكن القول: إن الجنرال حميد جول، وإن بشكل أقل منه الجنرال أسلم بيك، رئيس أركان الجيش الأسبق، جسدا نظرية مهمة داخل الجيش والمخابرات، هي: أن باكستان دولة دينية قبل أن تكون مشروعاً وطنياً؛ لأنها تأسست منذ اليوم الأول باسم الإسلام، وظل الرجلان يحافظان على هذه الحقيقة ويجسدانها داخل الجيش والمخابرات، واعتبراها صمام الأمان ومصدر بقاء باكستان موحدة وقوية.
مواقف مهمة في تاريخ جول
يقول الجنرال جول في أحد مقابلاته مع مجلة “المجتمع”: إنه اجتمع مع زعيم المجاهدين العرب في عام 1987م الشيخ عبدالله عزام، وطالبه باتخاذ احتياطات أمنية لأنه مهدد بالاغتيال، ويقول: إنه أبلغه مراراً بلقاءات شخصية أو عبر وسطاء أن حياته مهددة بعد أن علمت المخابرات الباكستانية بمخطط لقتله، وأوضح الجنرال الراحل أن كلاً من “الموساد”، ووكالة المخابرات الأمريكية “سي آي إي”، و”كي جي بي” السوفييتية، و”راو” الهندية، و”خاد” الأفغانية جميعهم شاركوا في اغتياله في مدينة بيشاور وجميعهم اشتركوا في وضع الخطة.
ويستطرد الجنرال جول أن “خطيئة” الشيخ عبدالله عزام في نظر “إسرائيل” وأمريكا والقوى الغربية كانت في فتحه مكتباً في بيشاور ومعسكراً للتدريب على الجهاد في فلسطين والتخطيط لنقل تجربة أفغانستان إليها.