بعد أربع سنوات من زيارة الرئيس أردوغان التاريخية إلى الصومال، ما زالت بصماتها مرسومة في قلوب الصوماليين، ففي أغسطس من عام 2011م، أخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان – الذي كان في حينها رئيساً للوزراء – قراراً شجاعاً، وتجرّأ لزيارة الصومال، الذي كان يئن في حينها من وطأة الحرب الأهلية، والمجاعة التي أكلت الأخضر واليابس، ولفتت هذه الزيارة انتباه العالم إلى منطقة أصبحت بؤرة من بؤر الصراعات والأزمات الإنسانية، وكانت لسنوات في طي النسيان .
وفي سبيل إعادة الأمل للصومال، بذلت الحكومة التركية جهوداً إنسانية وتنموية وعسكرية وسياسية، خلال هذه السنوات الأربعة، وفيما يلي الأدوار وأبعاد الوجود التركي في الصومال .
أولاً: الدور الإنساني
منذ الزيارة التاريخية للرئيس أردوغان عام 2011، وصلت الهيئات التركية تباعاً إلى الصومال، لتنقذ الصومال من الموت المحتمل لأبنائه، ولكي تخلصهم من أضراس المجاعة التي فتكت بمئات من أبناء هذا البلد، وتسببت في نفوق الآلاف من المواشي، ولذلك تقاطرت الهيئات التركية إلى مقديشو لتنفيذ مهماتها الإنسانية وأهدافها السامية، وبذلت الهيئات التركية كل ما أوتيت من قوة لإنقاذ الشعب الصومالي، من خلال جمع تبرعات مالية من المواطنين الأتراك، فقد وزعت منظمة الهلال الأحمر التركي وحدها وجبات عذائية لأكثر من مليون ونصف المليون شخص ما بين عامي 2011-2013م، وكذلك الهيئات التركية الأخرى قدمت مساعدات سخية للنازحين داخل مقديشو وخارجها على غرار الهلال الأحمر التركي .
ثانياً: الدور التنموي
لم تقتصر الجهود التركية في الصومال على الجانب الإنساني فقط، بل تعدّت إلى الجانب التنموي، والسعي في سبيل إعادة البنية التحتية للصومال، التي تدمرت بفعل الحروب الأهلية، ومن أهم الإنجازات التركية التنموية في البلاد، تشييد بعض الشوارع الرئيسة المدمرة في البلاد، والمليئة بالمطبات وتزويدها بأعمدة للإنارة، وبذلك أعاد الجمال لتلك الشوارع التي كانت مهجورة لسنوات. ويعد مشروع “طريق مقديشو للصداقة” الذي يربط مطار مقديشو بالقصر الرئاسي بطول 23 كم، وباتجاهين، ومزود بـ 736 عموداً للإنارة، ويعد هذا المشروع من أكبر الإنجازات التي نفذتها وكالة التنسيق والتعاون الدولي التركية (تيكا) في الصومال .
ومن إنجازات الحكومة التركية في الصومال: بناء المستشفى الصومالي التركي للبحث العلمي في مقديشو، ويعتبر هذا المستشفى من أكبر المستشفيات في شرق إفريقيا، حيث يتمتع بأجهزة طبية متطورة، ويشعر المواطنون بأن المستشفى بتجهيزاتها التي تضاهي أحدث المستشفيات العالمية، وفرت عليهم تكاليف باهظة كان أغلبهم لا يمتلكونها .
كذلك قامت شركة تركية ببناء محطة جديدة لمطار مقديشو، ويستقبل المطارُ يومياً أكثرَ من أربعين رحلة عالمية ومحلية، من بينها الخطوط الجوية التركية التي تأتي يومياً إلى مقديشو، وما زالت الشركة التركية التي تدير المطار ماضية في وضع الخطط والتدابير اللازمة لتظوير الخدمات والعمليات في المطار .
كذلك تغيّرت الحركة التجارية في ميناء مقديشو بعد أن تولت شركة تركية مسؤولية تجديد الميناء، وأصبح الميناء يعج بمعدات حديثة، كرافعات الحاويات والحفارات، وما زالت الشركةُ تعتزم إدخال المزيد من أحدث التقْنيات العالمية، وإجراء عملية توسعة كبيرة لاستيعاب الطلب المتزايد من السفن.
أما في مجال التعليم، فتركيا توفر أكثر من 2000 منحة دراسية للطلاب الصوماليين، للدراسة في الجامعات التركية، يدرسون في مختلف التخصصات العلمية، كما بلغ عدد الطلبة الصوماليين الذين يتحدثون بالتركية نحو 7000 شخص، بعد أن تعلموا التركية من خلال المدارس التركية التي فُتحت حديثاً في العاصمة مقديشو، إلى جانب عدد الطلبة الصوماليين المقيدين في تركيا الذين يخضعون لدراسة مكثفة لإتقان التركية قبل الانضمام إلى الجامعات التركية.
ثالثاً: الدور السياسي
سياسياً، برز الدور التركي في الشأن السياسي الصومالي منذ استضافتها لمؤتمر الصومال المنعقد في اسطنبول في الفترة ما بين 21 إلى 23 مايو 2010م الذي تم تنظيمه في إطار منظمة الأمم المتحدة.
ومنذ عام 2012م تتواصل الجهود التركية لتقريب وجهات النظر بين الصومال وأرض الصومال، وأثمرت الجهود التركية نجاحاً في الأمور الثانوية، وتسعى الحكومة التركية إلى وضع خارطة طريق للتوصل إلى حل القضايا الخلافية والمسائل العالقة بين الجانبين. ويتوقع أن تركز المفاوضات في المرات القادمة على القضايا الجوهرية الحساسة لحل المشكلات القائمة بين الجانبين منذ أكثر من 20 عاماً بشأن الوحدة أو الانفصال.
رابعاً: الدور العسكري
إلى جانب أدوارها السياسية والإنسانية، تلعب تركيا دوراً مهماً في المجالين الأمني والعسكري في الصومال، إذ توفر دعماً لوجستياً للحكومة الصومالية، من خلال توفير تدريبات عالية للقوات الصومالية، إذ تقوم بتدريب قوات الشرطة الصومالية في تركيا، كما أنها تحاول إعادة هيكلة القوات الجوية الصومالية، إذ تشير مصادر حكومية إلى أنها تقوم بتدريب عدد من الشباب الصوماليين في مجال الطيران الجوي لقيادة القوات الصومالية الجوية .
وتقدم الحكومة التركية شهرياً دعماً مالياً نقدياً للحكومة الصومالية مقداره 4 ملايين و500 ألف دولار، لدعم النفقات الحكومية، والأجور، وتؤكد الخارجية التركية مواصلة تقديم المساعدات، وهي مصدر رئيس لتمويل حكومة الصومال التي تكافح لإعادة بناء البلاد بعد أكثر من ربع قرن من الفوضى.
وهناك مشاريع أخرى تعهّد بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عند زيارته الثانية إلى الصومال في يناير من هذا العام، وأولها مشروع بناء 10 آلاف وحدة سكنية في مقديشو، والذي سيتستفيد منه الآلاف من المحتاجين والبسطاء في الصومال، إلى جانب ترميم ميناء مقديشو بكلفة تقديرية تبلغ 70 مليون دولار أمريكي، وهي مشاريع تجري على قدم وساق من أجل تنفيذها خلال السنوات المقبلة.
مستقبل العلاقات بين البلدين
العلاقات بين الصومال وتركيا أخذت بعداً جديداً بعد الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس التركي للصومال، وتشهد الفترة المقبلة تطوراً ملحوظاً على كافة الأصعدة، وفي جميع المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، وذلك مما يمهّد الطريق إلى أن تصبح علاقات التعاون بين البلدين عميقة الجذور، وتتمتع بقدر كاف من الاهتمام المشترك، والتعاون المتبادل بين الجانبين.
والملفت للنظر، أن هناك تحفظات من بعض الدول وخصوصاً العربية تجاه الدور التركي المتزايد في الصومال، وتحاول بعض هذه الدول التي لها نزاعات سياسية مع تركيا عرقلة الجهود التركية في الصومال، حسب ما يعتقد به كثير من الصوماليين، لكن مما لا شك فيه، أن زيارة أردوغان الأولى والثانية إلى الصومال أصبحت جسراً يربط الصومال بمحيطه الإقليمي والعالمي، وجعلت الصومال دولة يتنافس عليها العالم، بعد أن كانت منسية لسنوات طويلة .