بعد ستة أعوام من الحصول على بكالوريوس “علاج طبيعي” من جامعة الأزهر بغزة، قرر الشاب محمد أبو كرش (27 عاماً) دراسة تخصص جامعي آخر هو “التربية الرياضية” في جامعة “بوليتكنك فلسطين”، هذه الخطوة التي لم تكن سهلة على محمد جاءت بعد أن عانى كثيراً من عدم وجود فرصة عمل له، وبعد باع طويل له في التدريب والتطوع والعمل المتقطع في مشاريع متخصصة.
محمد واحد من المئات من الشباب الفلسطيني الذين أقدموا مؤخراً على دراسة تخصص جديد، في محاولة لتغلب على قلة فرص العمل في قطاع غزة، يقول محمد: درست في البداية العلاج الطبيعي، وبالفعل عملت في بعض المشاريع في مؤسسات محلية، لكن مع مرور الوقت بدأت المشاريع تتقلص، وأصبحت أعاني بسبب عدم حصولي على عمل.
ويقول محمد: كنت أريد تخصصاً يمنحني فرصة عمل ولو بشكل متقطع من خلال مشاريع الصيف أو مشاريع المنظمات الدولية، ويتابع: كان هذا التخصص الأنسب لي، خاصة أنني لم أكن أرغب في العودة إلى الجامعة، لكن الظروف دفعتني لذلك.
مؤخراً التحق محمد للعمل كمدرب رياضي في نادي الصداقة الرياضي، أسعده ذلك كثيراً خاصة أن مسؤوليته كأب وزوج تتعاظم يوماً بعد يوم.
فرصة أخرى
مسافة طويلة، تقطعها سعاد النادي (27 عاماً) يومياً، من بيتها الكائن في شارع الجلاء بغزة إلى الكلية التقنية في مدينة “دير البلح” وسط قطاع غزة، فبعد عشرة أعوام من الحصول على بكالوريوس “الإدارة والعلوم المصرفية” من الجامعة الإسلامية بغزة، ولعدم وجود فرصة عمل في مجال تخصصها، قررت سعاد دراسة “تصميم الأزياء” كتخصص جديد.
تحدت الكثير من الظروف من أجل الإقدام على هذه الخطوة، التي قد يراها البعض مضيعة للوقت، أو غير مناسبة لفتاة من المفترض أن تعمل في بنك أو شركة كبيرة، تقول سعاد: فكرت كثيرًا في الخروج من بوتقة انتظار فرصة عمل مؤقتة للعمل هنا أو هناك، لم أكن أفكر يوماً بدراسة هذا التخصص، لكني وجدته مناسب جداً لي، وهناك حاجة له في السوق الفلسطينية، رفضت سعاد أن تتعلم هذه المهنة بالتعلم في إحدى ورش الخياطة فقط، وأصرت أن تصقل مهنتها بالدراسة.
سعاد التي شارفت على الانتهاء من دراسة “تصميم الأزياء” متفائلة بأنها ستجد فرصة عمل في مجال دراستها الجديد، خاصة أنها أخذت في التدرب العملي في ورشة خياطة، تقول لنا: أتمنى أن يكون لي مشروعي الخاص، لا أريد أن أنتظر وظيفة رسمية.
مواجهة البطالة
بعدما يراهن الشاب على رغبته الدراسية في مجال جامعي ما، ثم يصطدم بواقع مختلف يحرمه من العمل، فقد يضطر لتغير مساره بعد التخرج من أجل التطور وإيجاد حل لأزمته، وحسب مدرب التنمية البشرية محمد أبو القمبز، فإن جزءاً من هؤلاء الخريجين قد يعود للجامعة من أجل دراسة تخصص معين، في سبيل البحث عن بدائل، ومواجهة البطالة، ويتابع بالقول: بعض الأحيان من يصر على تخصصه مع مرور سنوات البطالة يندم لأنه لم يتعلم حرفة أو يدرس تخصصاً آخر مبكراً.
ورغم أن أبو القمبز يقر أن عامل الوقت مهم، فقضاء أربع سنوات في دراسة جديدة ليس أمراً هيناً، فإنه ينظر بإيجابية لخيار دراسة تخصص جديد، ويقول: دراسة مجال جديد تضيف قدرات ومهارات مختلفة للشخص، وتعمق مداركه العقلية، وهي طريقة مرنة نتيجة الاصطدام بواقع مختلف، والشخص الذي يبحث عن بدائل وخيارات مناسبة للواقع هو شخص إيجابي.
دراسة دبلوم
يطلع رئيس قسم دائرة الخريجين في الجامعة الإسلامية محمد الكرد بحكم وظيفته على الكثير من الحالات التي اضطر فيها الخريجون إلى العودة للجامعة لدراسة تخصص جديد، وتحديداً إقدام خريج البكالوريوس لدراسة دبلوم في تخصص ما.
ويعدد لنا الكرد الأسباب التي تدفع خريجي الجامعات الفلسطينية لذلك، فيقول: فرص التوظيف لخريج الدبلوم أكبر من خريج البكالوريوس، وذلك لأن بعض المؤسسات تستغل حملة الدبلوم لتوظيف براتب أقل من غيره، ويشدد الكرد على وجود فجوة كبيرة في تسويق الخريج للمؤسسات، فعدد الخريجين في تزايد، وعلى سبيل المثال في العام الواحد يتخرج في الجامعة الإسلامية – إحدى أكبر جامعات القطاع – ما بين 4500 – 5000 خريج، 40% منهم قد يجد فرصة عمل دائمة أو مؤقتة، بينما يظل الآخرون عاطلين عن العمل.
ويعقب الكرد على ذلك بالقول: المشكلة قائمة، والوضع مخيف واستثنائي، منذ عامين ونحن نواجه صعوبة في تسويق خريجينا؛ لذا نحن بحاجة إلى دراسة واضحة للسوق، للحد من العشوائية في افتتاح التخصصات، لكي نوجه الشباب نحو حاجة السوق، والحل الرئيس يتمثل في فك الحصار عن غزة.