من يعرف خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، أو يتابع مواقفه لا يفاجأ بالرؤية السياسية التي قدّمها في خطابه، يوم الإثنين الماضي في العاصمة القطرية، والتي عرض فيها تصوراً سياسياً متكاملاً لإنقاذ الوضع الفلسطيني.
مناسبة الكلمة كانت الحدث السياسي الذي شغل الفلسطينيين، وزاد أزمتهم السياسية، وهي الدعوة التي وجّهها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس لعقد المجلس الوطني الفلسطيني في دورة عاجلة في رام الله، وما صحب ذلك من ردود فعل سلبية ومعارضة صدرت عمن هم في منظمة التحرير مثل الجبهة الشعبية وشخصيات وطنية أخرى، ومنهم أيضاً حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وفصائل تحالف القوى الفلسطينية.
وظهر أن انعقاد المجلس الوطني في هذا الظرف، وبجدول أعمال يقتصر على تعزيز سلطة محمود عباس، وبغياب القضايا الوطنية الأساسية مثل الوضع الفلسطيني والتهديدات “الإسرائيلية” والمصالحة ومواجهة الاعتداء على الأقصى والاستيطان والأسرى ومعاناة الفلسطينيين في لبنان وسورية، سيؤدي إلى تعميق الأزمة السياسية الفلسطينية الداخلية، وإلى اتساع الخلاف، خاصة أن أهم الشخصيات الوطنية الفلسطينية أمثال سلمان أبو ستة، ود. أنيس القاسم وغيرهما، إضافة إلى عدد من أعضاء المجلس الوطني، رفضوا دعوة عباس، وطالبوا بحوار فلسطيني يؤدي للتفاهم قبل انعقاد المجلس.
انطلق مشعل في تحرّكه من الواقع المأساوي الذي تعيشه المنطقة، ومن المصاعب التي يواجهها الفلسطينيون، واستند إلى أوراق القوة الفلسطينية المتمثلة بالصمود والمقاومة والانتصار على الاحتلال في حروبه الأخيرة، وتوقف عند تصاعد التهديدات “الإسرائيلية”.
لكن مشعل قدّم رؤية وطنية جامعة، توجّه إلى جميع الفلسطينيين، خاطب جميع القوى بدون استثناء، حذّر من استمرار الخلاف والانقسام، وضع جدول أعمال واضحاً، خاطب أبناء السلطة ومنظمة التحرير و”فتح” أكثر مما خاطب أبناء “حماس”، في دعوة للحلول، حيث أكد ضرورة التقاء القوى الفلسطينية في أي عاصمة عربية بسرعة.
عرض مشعل الرؤية التالية:
1- تأجيل عقد اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني إلى حين التوافق الوطني والتحضير الجيد لعقده بالصورة الصحيحة المنسجمة مع ما جرى الاتفاق عليه من قبل، لأن عقده بالصورة الانفرادية يُلحِق المزيد من الأضرار بالقضية وبوحدة الموقف والصف الفلسطيني.
2- المبادرة إلى دعوة الإطار القيادي المؤقت للمنظمة للانعقاد فوراً للتشاور في هذا الشأن ومختلف همومنا وملفاتنا الوطنية، ونحن مستعدون لعقده في أي عاصمة عربية.
3- دعوة المجلس التشريعي للانعقاد ومزاولة أعماله حسبما تم الاتفاق عليه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تدير شؤون الوطن، وذلك بروح من التوافق والشراكة، إلى حين إجراء انتخابات حرة ونزيهة في كل مؤسساتنا السياسية في أقرب فرصة يتم التوافق عليها.
4- التأكيد على إنجاز المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام من خلال التطبيق العاجل لكل ملفات المصالحة وفق ما جرى الاتفاق عليه سابقاً، بما فيها إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، وتعزيز الشراكة بين الجميع في إدارة القرار الوطني.
5- الدعوة إلى حوار وطني شامل يشارك فيه الجميع، من أجل التوافق على إستراتيجية نضالية مشتركة لمقاومة الاحتلال، ومواجهة الاستيطان والتهويد والعدوان على القدس والأقصى، وإحباط مخطط الاحتلال لتقسيمه، والتصدي لكسر الحصار عن غزة، وتحقيق الحرية للأسرى، والاهتمام بقضية اللاجئين وهمومهم، وتحمل المسؤولية تجاه مجمل ملفاتنا الوطنية في الداخل والخارج لصالح شعبنا وقضيتنا.
كيف سيتعامل عباس؟!
من الضروري انتظار موقف رئيس السلطة وفريقه من هذه الدعوة، وترقّب ردود فعلهم على الرؤية التي عرضها مشعل.
علينا الانتظار قليلاً حتى لا ندخل في النوايا، لكن إذا رفض عباس رؤية مشعل – وهذا المتوقع – أو إذا حاول نقل الكرة لملعب “حماس” كما يفعل دائماً، فإن المطلوب من عباس أن يقدّم رؤيته بالعناوين والمضامين التي قدّمها مشعل، وبجدول أعمال متدرّج عملي واضح شمولي كما عرضها مشعل.
ليس المطلوب اليوم المكابرة، ولا الاستمرار في سياسة الاحتكار، المطلوب الموضوعية، والعقلانية، واللقاء مع الآخر، والحدّ من الخسائر.
فهل يتغيّر عباس الذي يتخبّط في قراراته؟!