تتدحرج الدولة المصرية اقتصادياً نحو جرف هار بسرعة الصاروخ، الأمر الذي دعا الحكومة للجوء للحل الوحيد الذي تجيده السلطة القائمة ألا وهو الاقتراض بشروط مجحفة تورث الأجيال الأثقال التي تنوء بحملها الجبال .
البرلمان المصري يناقش خلال أيام القرار الجمهوري الموقع من رأس السلطة “عبد الفتاح السيسي” بشأن قرض المليار الدولار من البنك الدولي، ويكشف القرار عن احتفاظ البنك بالحق في وقف أو إلغاء القرض ما لم تصدر مصر قانوناً جديداً لفرض ضريبة القيمة المضافة.
كما يشترط اتفاق القرض المرفق بالقرار الجمهوري أن يعلن البنك مسبقاً قبوله لمدى التقدم الذي أحرزته الحكومة المصرية في إجراء تعديلات متفق عليها من قبل لسياساتها الاقتصادية.
ويحمل القرار الجمهوري رقم 505 لسنة 2015 تاريخ 28 ديسمبر الماضي، ولم يعرض القرار أو اتفاقية القرض حتى الآن على مجلس النواب، وبالتالي لم ينشر في الجريدة الرسمية.
ويحتوي القرار على تفاصيل لم يتم الإعلان عنها من قبل الحكومة المصرية أو البنك الدولي حتى الآن، فيما تكشف تسريبات عن أنه مربتط بشروط مجحفة ستنعكس سلباً على معيشة المواطنين من حيث رفع الدعم وزيادة الجمارك مما يرفع الأسعار بزيادة ضخمة.
من جانبه أكد البنك الدولي في تقرير له صدر مؤخراً أن مصر ستعاني من فجوة التمويل الدولارية بمتوسط 12 مليار دولار في العام ، بدءًا من العام المالي الحالي وحتى عام 2019 ، كما ستواجه ضغوطا شديدة في مصادر النقد الأجنبي على الأجل المتوسط.
وأوضح البنك الدولي أن الفجوة التمويلية للعام الجاري المقدرة بنحو 7.5 مليار دولار سيتم سدها عبر 1.5 مليار دولار من مؤسسات التمويل العالمية متعددة الأطراف.
ومن المعروف أن العجز الدولاري مرتبط بانخفاض الأنشطة ومن ثم الصادرات ، وهو ما سجله مؤشر مدراء المشتريات الرئيسي (PMI) لبنك الإمارات دبي الوطني من تراجع للشهر الرابع على التوالي في نمو القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر، خلال شهر يناير الماضي، مسجلا أطول فترة تراجع له منذ عامين.
والمؤشر، الذي يصدره بنك الإمارات دبي الوطني شهريا في مصر، مصمم ليعطي مقياسا لظروف التشغيل لدى شركات القطاع الخاص غير المنتج للبترول، ويتم تعديله موسميا.
ويسجل المؤشر إن الأعمال الجديدة تراجعت بوتيرة أسرع في يناير، “وسجل أكثر من واحد من كل أربعة من المشاركين هبوطا في حجم الأعمال الجديدة”.
وارتفع إجمالي أسعار مستلزمات الإنتاج بحدة في يناير الماضي، بسبب تدهور قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وفقد الجنيه نحو 60 قرشا من قيمته أمام الدولار في السوق الرسمية خلال العام الماضي، ليصل إلى 7.83 جنيه للدولار في البنوك، لكنه يظل أقل بكثير من سعره في السوق الموازية والذي بلغ 8.74 جنيهاً للدولار.
مخاطر فادحة
ويوضح المحلل الاقتصادي والكاتب ممدوح الولي خطورة القرض بالقول” للتوضيح والتبسيط فإنه ـ مثلاُ ـ لو أن شركة مصرية ليس لديها موارد دولارية اقترضت مليون دولار لمدة عام، فإن المليون دولار كان يعادل 7.140 مليون جنيه مصري، بينما توجب على الشركة بنهاية العام الماضي تدبير 7.830 مليون جنيه لشراء المليون دولار لسداد قيمة ذلك القرض بسعر الصرف الرسمي بنسبة نمو للقيمة المطلوبة للسداد 9.7 %، بخلاف قيمة الفوائد المقررة”.
وأكد الولي أنه “إذا رفضت البنوك المصرية مد الشركة بالدولار الذي ستدفعه كقيمة للقرض، فإن عليها الاتجاه للسوق السوداء لشراء الدولار للسداد به بسعر 8.5 جنيه على الأقل، أي أنها ستتكلف 8.5 مليون جنيه لتدبير المليون دولار المطلوبة لسداد القرض، بنمو 19% عن قيمة القرض في بداية العام الماضي، وذلك بخلاف الفوائد، وهو ما يشير إلى اقتراضها بالجنيه المصري بفائدة 14 % كان سيكون أرخص لها”.
وهكذا فإنه بتطبيق هذا المثل على قرض البنك الدولي فإن “تكلفة تدبير قيمة القرض عند حلول موعد السداد يمكن أن تزيد قيمته بصورة واضحة، بغض النظر عن معدل الفائدة على القرض بالدولار أو باليورو أو بأي عملة أجنبية” وفق الولي.
وقال إن “قيمة المليار دولار التي يتم اقتراضها من البنك الدولي، بالجنيه المصري بعد 35 عامًا، والعبء الذي ستتحمله البلاد وقتها، بسبب نقص العملة، تفوق الخيال في ضوء عجز مزمن بالميزان التجاري المصري عمره أكثر من خمسين عامًا، يلتهم الفائض الخدمي وفوائض التحويلات بنوعيها الرسمية والخاصة، ووجود عجز مزمن بالموازنة العامة وديون متراكمة داخلية وخارجية”.
وحول الشروط المصاحبة للقرض أوضح الولي أنها “تتمثل في زيادة معدلات تحصيل الإيرادات” والمقصود بها سرعة تطبيق ضريبة القيمة المضافة وزيادة حصيلة الجمارك، و”الحد من فاتورة الأجور” والمقصود به أجور العاملين بالحكومة، و”ترشيد دعم الطاقة ” أي الإسراع بإكمال مسار خفض الدعم عن الوقود والكهرباء، و”تقليل الحواجز أمام دخول السوق والتشجيع على تحسين سياسات المنافسة”، مؤكداً أنها “أمور تتعارض مع ما تقوم به الحكومة المصرية من إسناد مشروعات بالأمر المباشر لشركات عامة مثل شركة المقاولين العرب، وتوسع النشاط الاقتصادي للجيش، بل ودخول وزارة الداخلية نشاط بيع السلع للجمهور من خلال منافذ بالمحافظات، ودخولها مجال المقاولات”.
سلوك حكومي غريب
ومن جانبه أعرب وزير التخطيط في تصريحات له عن خشيته من عدم موافقة البرلمان على قانون الخدمة المدنية، و أن ذلك “سيمنع ورود باقي قسطي قرض البنك الدولي، نظراً لوجود شروط، وتعهدات مصرية للحصول على القرض”.
وكان خبراء صندوق النقد الدولي، قد دعوا في ختام زيارتهم لمصر في سبتمبر الماضي الحكومة المصرية إلى خفض الدعم على الوقود والكهرباء، واقترانه بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وإلى التحرك نحو سياسة أكثر مرونة لسعر الصرف، والمقصود بها الاستمرار في خفض قيمة الجنيه أمام الدولار.
وفي تصريح له على تدهور الأوضاع الاقتصادية جراء السياسة الحكومية الطائشة قال اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك للمصريين خلال مداخلة هاتفية له ببرنامج “على مسئوليتي”، الذي يذاع على قناة “صدى البلد” : ” الحمد لله إن انتوا عايشين، انتوا مش شايفين حاولينا بيحصل أية، خراب ودمار طول الوقت”.
وعلى النقيض ،يبرز بشكل مدهش حجم الإسراف الحكومي في ظل هذا التدهور الذي ألجأ الحكومة للاتقارض ، فهشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات كشف أن بدلات وزيادات بعض الجهات تكلف ميزانية الدولة 3 مليار جنية سنويا لزيادة مرتبات اعضائها دون وجة حق وأن جهاز المن الوطني يستقطع لنفسة 2 ونصف مليار دون رقابة”.
كما كشف الاتحاد العربى لمكافحة الجرائم الاقتصادية وغسل الأموال فى تقرير له أن قيمة الأراضى التى تم الاستيلاء عليها سواء من خلال وضع اليد أو قوانين تم تشريعها فى الأنظمة السابقة تصل إلى 900 مليار جنيه.