«ثنائي ترمب – بوتين.. العنصر الجديد في السياسة الدولية»، قد تعكس العبارة التي وضعتها صحيفة «كوميرسانت» الروسية الرصينة على صدر صفحتها الأولى قبل أيام، المزاجَ العام لدى النخب الروسية، وفق ما جاء في صحيفة “الحياة” اللندنية.
وبينما تتبادل موسكو «الغزل» مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بانتظار الدفعة القوية التي سيوفرها اللقاء الأول للرئيسين، يعكف «مهندسو» الكرملين على وضع سيناريو محتمل لـ «صفقة إستراتيجية» ترسم ملامح نظام دولي جديد.
وتتزايد التوقعات ببدء سريع لتحسين العلاقات بين موسكو وواشنطن، على رغم الصعوبات الكثيرة، وبينها رزمة الملفات الخلافية والعلاقة الشائكة مع حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
توجه جدي
ورصدت مراكز البحوث الروسية توجهاً جدياً لدى الكرملين والبيت الأبيض لتسريع وتيرة التقارب بهدف «استخدام الزخم الحاصل حالياً، وعدم انتظار عقبات يمكن أن يصنعها معارضو تحسين العلاقات، خصوصاً في الكونجرس».
ووفق توقعات روسية، فإن ترمب يسعى إلى تجنب مواجهة واسعة مع الأطراف التي ترى في طموحات روسيا خطراً، وسيبدأ العمل «خطوة خطوة» لتفكيك العقوبات المفروضة على الروس واستئناف التعاون مع موسكو.
ويشكل تشديد ترمب على هدف دحر الإرهاب والقضاء على تنظيم «داعش» مدخلاً عملياً مناسباً جداً لبوتين، للانطلاق إلى البحث في رزمة الملفات المطروحة على أجندة التقارب بين البلدين.
ووضع خبراء مقربون من الكرملين سيناريو لما وصف بـ «الصفقة الاستراتيجية»، التي أشارت مصادر إلى أن مراكز في موسكو وواشنطن تعمل حالياً لإنضاج بنودها تمهيداً للقاء الأول بين الرئيسين الذي سيضع أساساً لإطلاق العمل عليها، بحسب صحيفة “الحياة” اللندنية.
وتنطلق الأوساط الروسية من أن فريق ترمب بات يضم شخصيات مؤثرة ومقتنعة بأن «الاتفاق مع روسيا يصب في مصلحة الولايات المتحدة».
ويرتكز السيناريو بالنسبة إلى واشنطن على أولوية: القضاء على «داعش»، وردع الصين وإيران. وبالنسبة إلى روسيا، فان المطلوب الإقرار بـ «الوضع الراهن» على صعيد منظومة العلاقات الدولية، أي عدم السعي لإدخال تعديلات أساسية فيها، والإقرار بنفوذ روسيا في الفضاء السوفياتي السابق (ما عدا بلدان حوض البلطيق) وتطبيع العلاقات مع حلف الأطلسي والشروع بـ «تراجع حاسم» عن العقوبات المفروضة.
ووفق الأفكار التي تتداولها حالياً مراكز البحث الروسية القريبة من الكرملين، فإن «اتفاق البلدين على إطلاق ضربات قوية مشتركة ضد «داعش» في سورية وبلدان أخرى في المنطقة سيسفر عن تخفيف الاعتراضات داخل الكونجرس على رفع العقوبات عن روسيا». ما يعني أنه سيجعل مهمة ترمب أسهل في وضع آليات «إستراتيجية» للتعاون.
كما أن «انزعاج» روسيا من سياسة طهران في «مرحلة ما بعد رفع العقوبات»، يوفر أرضية للتوافق مع واشنطن في ملف إيران، على رغم أن موسكو ستستخدم «الورقة الإيرانية» لتعزيز مواقفها التفاوضية مع إدارة ترمب من جانب، والضغوط الأمريكية على طهران تتيح لموسكو مجالات للمناورة في الجانب الآخر، بهدف تقليص التأثير الإيراني في سورية الذي بات يتعارض أحياناً مع الخطط الروسية.
في المقابل، يبدو الموقف الروسي حذراً تجاه مساعي «ردع الصين»، فموسكو حريصة جداً على عدم توتير العلاقات مع بكين، لذلك فإن التعاون المحتمل مع واشنطن في هذا المجال «لن تكون له جوانب سياسية أو عسكرية» بل يقتصر في سياق «جيو- اقتصادي»، وفق تعبير خبير روسي، يقوم على إطلاق تعاون واسع في مناطق سيبيريا والشرق الأقصى الروسي، مع إشراك اليابان وكوريا الجنوبية في عدد من المشاريع العملاقة.
وفي الملف الأوكراني، تعول موسكو على أن ترمب سيكتفي بالحصول على ضمانات كافية بأن روسيا لن تحاول التوسع في أراضي البلد الجار، بمعنى عدم وضع أي خطط لتشجيع ضم أو انفصال أجزاء من شرق أوكرانيا. أما موضوع القرم والأزمة الكبرى بين البلدين، فهي بالنسبة إلى ترمب ستكون «شأناً ثنائياً بين بلدين جارين».