حفظ الله بحسن النية..
التاجر عبدالعزيز محمد الحمود الشايع حفظ الله بضاعته بسبب نيته الحسنة:
تحدثنا في المقال السابق حول النية الحسنة، وكيف أنها تحفظ أصحابها وتقيهم من المهلكات والكربات – بإذن الله – وكيف أن أهل الكويت فازوا برعاية الله لهم في أشد الأوقات وأصعبها محنة وأشدها بلاءً، وهذا ما سوف نستكمله في ذكر هذه القصة الواقعية والتي وردت في كتاب “أصداء الذاكرة” عبدالعزيز محمد حمود الشايع ط1- الكويت: ذات السلاسل لطباعة والنشر والتوزيع، 2012م – ص 94-96.
يقول العم عبدالعزيز الشايع: دارت أحداث هذه القصة في بومباي وهي تحمل من عناصر الغرابة ما يجعلني لا أنساها خصوصاً وأنها انتهت نهاية سعيدة ومفرحة، وتتلخص الحادثة في احتراق باخرة مشحونة بالأسلحة والقنابل والذخائر الثقيلة تابعة للجيش البريطاني كانت متوقفة في بومباي أثناء الحرب العالمية الثانية.
وفي وقت تلك الحادثة كنا قد استوردنا كمية من السكر وقمنا بتخزينها في أحد مخازن ميناء بومباي بانتظار إعادة تصديرها إلى الخليج، لكن باخرة الأسلحة احترقت في ذلك الوقت، ولا نعلم بالضبط إن كان الأمر مدبراً من جهة ما أم أنه مجرد حادث، فكل ما نعرفه أن ذلك الحريق كان من القوة والضخامة أن تسبب في احتراق الميناء الكبير بأكمله، ومع استمرار اندلاع النيران تواصلت الانفجارات، حتى أتت الحرائق على الميناء وما فيه، وكانت قطع الحديد تتطاير من بعض السفن على الأهالي من شدة وقوة تلك الانفجارات الهائلة، أما نيران القنابل والشظايا فكانت تحلق لمسافات شاسعة مخربة كل بقعة تصيبها حتى مسافة 5 كيلومترات داخل بومباي، وقد أخليت بعض المناطق من سكانها، واضطررنا للانتقال إلى مكان بعيد خشية استمرار الانفجارات، وقد سقطت قطعة كبيرة من الحديد على مكتب حسين بن عيسى القناعي، كما سقطت قطعة كبيرة أخرى على الشارع المجاور لمكتبنا؛ الأمر الذي حتم على الجميع أن يرحلوا عن المنطقة سريعاً.
وبعد مرور أقل من شهر على تلك الحادثة، وبعد ما انتهت السلطات المختصة من إزالة آثار تلك الانفجارات والحرائق حدث ما لم يكن في حسباننا أبداً، فقد زارنا تاجر هندي وطلب من الأخ صالح شراء السكر الموجود في أحد مخازن الميناء، استغرب صالح الأمر وقال له: إن السكر احترق مع الميناء كما احترق كل شيء هناك، لكن التاجر الهندي فجر واحدة من أروع المفاجآت السارة التي واجهتها في حياتي العملية في الهند عندما أخبرنا بأن المخزن الوحيد الذي نجا من الحريق الكبير هو الذي كان فيه السكر التابع لنا.
لم نصدق ما سمعناه، فذهبت مباشرة إلى الميناء مع الأخ صالح ورأينا بأعيننا أن كل المخازن الموجودة هناك، بل إن الميناء بطوله وعرضه قد تساوى مع الأرض بعد الحريق، إلا ذلك المخزن الذي حفظنا فيه السكر، والغريب أن مياه الإطفاء لم تصل إليه أيضاً وإلا تسببت في تلف السكر الذي تم تخزينه فيه.
وعندما فتحت المخزن لم أصدق عيني وأنا أرى السكر في أحسن حال وكما تركته آخر مرة، وكان لتلك المفاجأة السارة من المعاني والدلالات الكثير، وظللنا نحمد الله كثيراً عليها.
وهكذا أوضحت لنا قصتا التاجران العوضي، والشايع كيف حفظ الله لهما بضاعتهما من الاحتراق والتلف بسبب نواياهما الحسنة، ورأينا كيف كان توفيق الله وعنايته وحفظه وبركته لأموالهما بسبب تلك النية الصالحة، ولا تعتبر هاتان القصتان نهاية المطاف في هذا المضمار، ولكن تاريخ الكويت مليء ولله الحمد بالقصص المشابهة التي تبرهن على حفظ الله ورعايته لأصحاب النوايا الحسنة من أهل هذا البلد الكريم.