قبل نحو شهرين من الآن حدثت اجتماعات دورية في العاصمة الأردنية عمَّان، بين روسيا و”إسرائيل” بمشاركة الأردن، وتركزت المحادثات على إنشاء منطقة عازلة في الجنوب السوري، تحفظ أمان “إسرائيل” في المنطقة الممتدة بين الجولان والقنيطرة والسويداء، لكن بدا واضحاً أن الاحتجاجات الإيرانية آلت لتقديم هدية لإيران من قبل روسيا باستثناء السويداء.
ما حدث يوم الجمعة السابع من الشهر الجاري في لقاء القمة بين الرئيسين بوتين وترمب في هامبورج الألمانية، أنتج اتفاقاً ثلاثياً في خلق تهدئة في الجنوب السوري تمهيداً لتحقيق المنطقة العازلة، حيث حدث ذلك على هامش لقاء قمة العشرين.
اللافت أن هذا الاتفاق جاء بعيداً عن أورقة محادثات أستانة التي سببت بشكل أو بآخر إلى تسريع هذا الاتفاق بعد توقيع وفد المعارضة المتواجد في جولة “أستانة 5” على اتفاق تهدئة التصعيد في الجنوب السوري، مع العلم أن فصائل الجنوب قاطعت تلك المحادثات وأصدرت بياناً باسمها أعربت عن رفضها للوفد الحاضر في أستانة وقالت: إنه لا يمثل إلا فصيلين على الأرض.
خلافات واتهامات بالخيانة حدثت في الوقت الذي يستمر فيه اللاعبان الروسي والأمريكي في تقسيم التركة السورية، بما يتناسب مع المصالح المشتركة، ولا يغيب عن القارئ للمشهد السوري أن روسيا استطاعت أن تطوع بعض الشخصيات من المعارضة للرغبة الروسية وأجبرتها على حضور أستانة لانتزاع قرار التسليم بما تمليه عليهم الأجندات الروسية.
في خضم ذلك اتهم وفد الأستانة وعبر رئيس وفد المعارضة العميد أحمد بري، اتهم فصائل الجنوب بالخروج عن مسار الثورة، وطالبها في بيان سحب خرائط مناطق التصعيد من الدول الثلاث والعودة لوحدة الكلمة؛ لأن غير ذلك سيقود إلى شق الصف بين الشمال والجنوب، وأضاف العميد أن فصائل الجنوب من المؤكد لا تعنيها محادثات أستانة طالما أنها وقعت اتفاقاً سرياً حول المنطقة الآمنة.
حقيقة الأمر أن الاتفاق كان قبل الأستانة ولا دخل للمفاوضات بهذا الاتفاق، فهو رغبة “إسرائيلية” بالدرجة الأولى، وقد تحدثت مصادر “إسرائيلية” عن لقاء جرى بين نتنياهو، وبوتين قُبيل لقاء قمة العشرين، واتفق الطرفان على تطبيق النية “الإسرائيلية” المبيتة في انتزاع منطقة آمنة لا تكون لإيران وجود فيها، فكان لقاء بوتين – ترمب الذي وصفته معظم الصحف العربية بكيمياء إيجابية أحدث ثمرة الاتفاق الثلاثي، وجاء الإعلان على لسان وزير الخارجية الأردني محمد الممومني.
مآلات الاتفاق خطيرة جداً؛ لأنها ستسمح لإيران بالتواجد خارج حدود المنطقة العازلة، وستضع يدها على السويداء، وتزيد من تواجدها في محيط العاصمة دمشق لتأمين الخط البري البديل؛ ما يعني أن إيران سترضخ للاتفاق إذا ما حصلت على ما تريد بعيداً عن منطقة 30 كلم “الإسرائيلية”.
روسيا هي الأخرى حصلت على ما تريد من خلال منطقتي خفض التصعيد، وربما أيام قليلة ستفصلنا عن نشر قوات روسية في ريف حمص والغوطة، وإذا ما حدث ذلك تكون قد أمنت العمق الإستراتيجي لها في سورية بتعزيز خط الدفاع عن مناطق نفوذها في الساحل وطرطوس، وعليه تكون قد أمنت على حماية قواعدها العسكرية في سورية.
الاتفاق بدوره قد يسمح للنظام التقدم نحو معبر نصيب لبسط سيطرته عليه ورفع علمه، أو معبر آخر في السويداء السورية ثم التوجه نحو دير الزور لاستعادة مناطق النفط، بينما الرقة ربما تكون من نصيب قوات سورية الديمقراطية وهي اليوم تتوغل أكثر فأكثر باتجاه المدينة.
أما تركيا فستكون منطقتها بتعزيز الشمال السوري ودخول عفرين بضوء أخضر روسي تمهيداً لدخول إدلب من خلال عملية “سيف الفرات” بمشاركة 12 ألف مقاتل من فصائل الجيش الحر، وربما نرى اصطداماً مباشراً بينها وبين هيئة تحرير الشام التي تتوعد لقتل أي جندي تركي يدخل الأراضي التركية.
على الطرف المقابل، الأردن هو الآخر إذا ما حدثت المنطقة العازلة سيؤمن حدوده مع سورية، ويتخلّص من ورقة اللاجئين، ويمنع الخطر عن أمنه القومي من أي تهديد إرهابي.
النقطة الأخطر في الاتفاق وأمام التفاهمات الدولية ربما نشهد حصاراً خانقاً فيما بعد المنطقة العازلة على فصائل الجنوب لتعزيز خط المصالحات والهدن مع النظام، وبذلك نكون أمام مشهد آخر لما حدث في حلب؛ “التسليم مقابل السلام”.
من المؤسف جداً القول: إن كل هذه الاتفاقات تحدث بعيداً على متناول المعارضة والنظام، بل جاءت على حساب تضحيات أكثر من 6 سنوات لشعب ما يزال يطالب بحريته، والمؤسف أكثر أن العالم بأسره أصبح يتعامل مع الواقع السوري على أساس أزمات دولية، لاغين بذلك أي ذكر لثورة شعب انتفض لنيل كرامته تحت سقف الحرية.
المصدر: “نون بوست”.