تعد قناة “الطريق” أول قناة إسلامية بتمويل حكومي في عموم روسيا الاتحادية؛ بهدف نشر الوسطية ومحاربة التشدد والحفاظ على العادات والتقاليد الشيشانية.
وهذه هي المرة الأولى في عموم روسيا الاتحادية أن يتم إنشاء قناة إسلامية بتمويل حكومي، ويبدو أن الظروف التاريخية التي مرت بها جمهورية الشيشان وانتشار كثير من الأفكار المتشددة التي حضرت من خارج البلاد هي التي فرضت على صناع القرار السياسي إطلاق قناة إسلامية دينية تعنى بنشر الإسلام الوسطي، وتحمل على عاتقها محاربة التطرف والتشدد، وفي الوقت ذاته تعنى بالحفاظ على العادات والتقاليد التاريخية والوطنية للشعب الشيشاني الذي تصل نسبة الإسلام فيه إلى 99%، بينما نسبة الـ1% المتبقة هي للروس الذين وفدوا للجمهورية للعمل بها.
“المجتمع” كان لها هذا الحوار مع الإعلامي كاسبر إسماعيلوف، نائب مدير قناة “الطريق” الإسلامية بجمهورية الشيشان، الذي أكد فيه أن دور الإعلام هو الحفاظ على الحيادية بين الأطراف، والصدق في التعامل الإعلامي، موجهاً نصيحته للإعلاميين ألا يبرزوا مواضيع تشعل الفتنة بين الشعوب.
- ·نرجو تعريف أنفسكم لجمهورنا؟
– بداية؛ أشكركم لدعوتي لهذا الحوار وإتاحة الفرصة للتواصل مع إخواني في العالم العربي والإسلامي.
اسمي كاسبر إسماعيلوف، نائب مدير قناة “الطريق” الإسلامية بجمهورية الشيشان، ورئيس جمعية التواصل الثقافي الاجتماعي.
- ·هل من نبذة تعريفية عن قناة “الطريق” الإسلامية؟
– “الطريق” شركة تلفزيونية وإذاعية تضم قناة محلية نطاق إرسالها داخل جمهورية الشيشان فقط، كما تبث راديو داخل نطاق العاصمة جروزني، وتم إنشاؤها بأمر رئاسي، قبل 8 سنوات، ومن أهم أهدافها نشر الدعوة الإسلامية بالطريقة الصحيحة وبمنهج الوسطية والاعتدال، مواجهة أفكار العنف والتطرف والتشدد الذي بدأ ينتشر في المجتمع الروسي المسلم.
- ·وهنا يأتي سؤالنا الثالث عن مساحات الاهتمام لهذه القناة.
– أذكر بأن قناة “الطريق” ليست قناة فضائية، فهي تبث فقط في داخل جمهورية الشيشان، والمشاهد المستهدف لبرامجنا هو المواطن الشيشاني أولاً.
وتركز برامجنا أولاً على تبيان أن القرآن الكريم والسُّنة الشريفة مصدر التشريع، وثانياً على إحياء العادات والتقاليد التي ورثناها عن أجدادنا الشيشانيين التي تتناسب مع القرآن والسُّنة، ثم ثالثاً على نبذ فكر التطرف الذي انتشر في المجتمع الشيشاني وشرح مفاهيم الجهاد والمواطنة والولاء والبراء في الشريعة الإسلامية.
- ·إذن برامج قناة “الطريق” تركز بشكل رئيس على البرامج الدينية؟
– هذا صحيح، وتشمل هذه المساحات الثلاث:
أولاً: برامج دينية وتحتل المساحة الأكبر في برامجنا.
ثانياً: تغطية إخبارية تتعلق بالشؤون الدينية الخاصة بجمهورية الشيشان.
ثالثًا: برامج مجتمعية تحث على التمسك بالعادات والتقاليد القومية للشعب الشيشاني.
- ·كثيرون في الدول العربية لا يعرفون عن الشيشان سوى أنها دخلت حربين مع روسيا، وحتى اليوم يتساءلون: هل ما زالت جروزني مدمرة أم لا؟
أنتم كإعلام شيشاني، ماذا تقولون للمواطن العربي والمسلم حول العالم عن الوضع الحالي في الشيشان؟ هل مازال كما كان في السباق أم تغير هذا الواقع للأفضل؟
– الأحوال في جمهورية الشيشان تغيرت في السنوات الأخيرة بشكل إيجابي، وتحسنت فوق ما كنا نتصور سابقًا.
أثناء الحربين الدمويتين التي جرت في جمهورية الشيشان جميع الشيشانيين دافعوا عن بلادهم وقدموا شهداء بمئات الآلاف في سبيل الله.
والآن بعد كل هذا الدمار الشيشانيون استطاعوا أن يبنوا مِن لا شيء جمهوريتهم أحسن مما كان سابقاً، ويعطوا اهتماماً ليس فقط للبناء وللمادة، ولكن للإنسان وللاصطلاح في حياة الإنسان، وهم في مقدمة تحسين هذه الصورة اليوم.
اليوم، نحن كمسلمي روسيا، نتمتع بكامل الحرية، في اتباع تعاليم ديننا، وعندنا حق المواطنة بهذا البلد، فنحن إن كنا لم نفهم سابقاً هذا المعنى؛ فقد فهمناه اليوم، وهو أن هذا البلد (روسيا) بلدنا، وأن روسيا اليوم تغيرت وليست هي روسيا الأمس.
أنتم تعرفون أن روسيا هي دولة عظمى، وفيها مئات من القوميات، ومسألة حساسية هي التعايش أو التفاهم بين القوميات يعني نحن كإعلاميين علينا واجب إيصال رسالة متسامحة للدين الإسلامي، وفي الوقت نفسه يجب أن نحافظ على قوانين هذا البلد.
ونحن مسلمو روسيا نعتز بالأخوة الدينية مع المسلمين في الدول المختلفة في العالم العربي والعالم الإسلامي.
- ·إذن الوضع في الشيشان تغير للأفضل، ومسلمو الشيشان هم مواطنون روس، يعتزون بالمواطنة الروسية، وفي الوقت ذاته يفتخرون بأنهم مسلمون ويعتزون بإخوانهم المسلمين في مختلف دول العالم الإسلامي.
فما رسالتكم إلى وسائل الإعلام الإسلامية في الدول العربية والإسلامية بخصوص الشيشان؟
– بداية أشكرك على هذا السؤال المهم، ومن المعروف أن الإعلاميين في العالم أينما وجدوا، فهناك قواعد أو مبادئ عامة للإعلام، وأول هذه القواعد هي نقل الصورة الحقيقية كما هي للآخرين، فدور الإعلام هو الحفاظ على الحيادية بين الأطراف، ثانياً الصدق في التعامل الإعلامي، وثالثاً على الإعلاميين ألا يبرزوا مواضيع تشعل الفتنة بين الشعوب.
فقد أصبحت وسائل الإعلام في القرن الحادي والعشرين تمارس دورًا مهماً جدًّا في تكوين الرأي العام، والإعلاميون لهم دور مهم جداً مثل الدبلوماسيين في التقارب وفي التباعد بين الشعوب.
لذلك كله أرجو من زملائي الإعلاميين في العالم العربي والإسلامي أن يبذلوا قصارى الجهود في بناء جسور تواصل وتقارب بين الشعوب العربية والمسلمة حول العالم وبين مسلمي روسيا.
طبعاً لا يوجد مكان إلا فيه جانب سلبي وآخر إيجابي، ولكن قدر الاستطاعة علينا أن نلقي الضوء على الإيجابي وعلى السلبي كما هو الواقع دون أن يكبروا الموضوع ويشعلوا منها فتناً ولذلك لتحسين المستقبل.
فنحن اليوم مسؤولون بكل ما ننشر وبكل ما نكتب أولاً أمام الله، وهناك مثال يقول: “إن من يملك الإعلام يملك العالم”، فمن يسبق المكان بالإعلام هو ينتصر، ونحن عملنا هذا نعمله لله وليس مقابل شيء أو في انتظار شكر أو تقدير من أحد.
لذلك أدعو زملائي إخواني وأخواتي في العالم العربي والعالم الإسلامي أن يتحملوا المسؤولية عن كل كلمة تصدر من أفواههم، وأن نلاحظ مصلحة الأمة الإسلامية ومصلحة الإنسانية قبل كل شيء.
(*) شكر وتقدير لتوركو داوودوف، مدير إدارة العلاقات الخارجية بدار الإفتاء في جمهورية الشيشان ونائب المفتي العام لدوره في التنسيق للحوار والترجمة أثنائه.