إن الصبر عند المصائب والمحن من سمات المؤمن الحقيقي، فهو يعلم أن كل شيء يصيبه من تقدير المولى سبحانه وتعالى، والمؤمن الصابر المحتسب يعلم يقيناً ما أعده الله سبحانه وتعالى من جزاء حسن وبشرى طيبة لعباده الصابرين، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156}﴾ (البقرة)، وتوضح الآيات الكريمة أن البلاء اختبار من الخالق سبحانه وتعالى للعبد المؤمن في النفس أو المال أو الأهل، والبشرى للصابرين المسترجعين المحتسبين والراضين بقضاء الله، منتظرين ما أعده الله سبحانه وتعالى لهم.
وقد ضرب أهل الكويت وتجارها الفضلاء القدوة الحسنة والنماذج الطيبة في الصبر والاحتساب عند المصائب، وتوضح هذه القصة الواقعية الواردة في سلسلة “محسنون من بلدي” (مستشار التحرير د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي) ج 1 ص 17 – 20، مثالاً ونموذجاً لبطلها التاجر إبراهيم مضف المضف، وكان أحد التجار المعروفين بالشهامة والرجولة في عصره، كما عرف عنه الجود والكرم والصبر عند المصائب والشدائد.
أسند حكام الكويت إلى التاجر إبراهيم مضف المضف مهمة الفصل في الخلافات التي قد تنشأ بين العاملين في البحر من الغواصين والملاحين والربابنة، وكان ذلك شرفاً عظيماً يؤكد رجاحة عقله ومكانته في المجتمع، واستطاع أن يصرف أمور هذه المهمة بمفرده، فينصرف الخصمان وكل منهما راضٍ بما حكم ثقة فيه واعتقاداً بنزاهته حتى قال حاكم الكويت آنذاك الشيخ جابر المبارك رحمه الله: “إننا نعجب أن الخصمين ينصرفان معاً وأحدهما راض والآخر ساخط، إلا أنك يا إبراهيم ينصرف الخصمان منك وهما راضيان بما حكمت..!” (من كتاب خالد سعود الزيد، “سير وتراجم خليجية في المجلات الكويتية”، الطبعة الأولى، ص 81).
وهذه الشهادة العالية كافية بأن تعرف مقام هذا المصلح لدى أمراء البلاد ومواطنيه في وقته.
واشتهر مجلس إبراهيم المضف باستقبال عابري السبيل المارين بالكويت أو القادمين إليها حيث يجدون كرم الضيافة، وحسن المقام، ويجدون حاجتهم دون اللجوء إلى مذلة السؤال، فكان ينفق على الفقراء والمحتاجين في السر والعلانية، وكان مجلسه يضم أهل الصلاح والتقوى من شعب الكويت.
كما عرف إبراهيم المضف بالصبر والجلد عند الشدائد بدافع إيمانه بالله تعالى، فعندما جاء نبأ غرق ولده عبداللطيف وحفيدين له؛ تحلى بالإيمان ولم يجزع من قضاء الله، وأيضاً عندما استشهد أولاده مضف وعثمان في معركة الصريف مارس 1901م ثم استشهد أخوهما مهلهل.
لقد كان إبراهيم المضف في كل مصيبة من هذه المصائب العظمى الثلاث يستقبل المعزين بوجه لا أثر للحزن فيه، وبابتسامة تعبر عن ثقة المؤمن الموقن بأن المصائب لا حول لأحد في دفعها، فخير للمرء أن يصبر ويحتسب فيؤجر من الله سبحانه وتعالى الذي بشر الصابرين المحتسبين بالجزاء والأجر العظيم.
وقد كشفت قصة التاجر إبراهيم مضف المضف أوجه الكرم والجود المتأصلة عند أهل الكويت الطيبين وعند تجارها الكرماء، كما كشفت الجانب الإيماني والوازع الديني والذي يتجلى في صبرهم عند المصائب واحتسابهم الأجر والثواب من رب العالمين.
WWW.ajkharafi.com