طريقة البيانات الكبرى في استطلاعات الرأي أكثر تطوراً وأقل كلفة وأسرع إنجازاً من الأدوات التقليدية
مكان خصب للتعرف على الأفكار المتجددة المتعلقة بعمل الجهات الدعوية والفئات المعنية بها
على الجهات الدعوية التنسيق لإطلاق مشاريع مشتركة تخدم أهدافها برصد الأفكار المنتشرة حول ظاهرة معينة
يمكن متابعة ما يطرح فورياً من خلال استخدام بعض البرمجيات المتوافرة مثل «تويت فال»
انتشرت شبكات التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية حتى أصبح من الاستحالة أن تجد أحداً من عامة الناس لا يمتلك حساباً شخصياً على إحدى هذه الشبكات، وغدت هذه الشبكات أداة مميزة للتأثير واقتحام العقول في لمسة مفاتيح الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر، حتى لم يعد من المستغرب أن ينشر رئيس دولة إعلاناً مدفوع الأجر (Prompted) يتحدث فيه عن نشاطاته وإنجازاته، ومن هنا صار استخدامها من قبل المهتمين بقياس الرأي العام أكثر إلحاحاً وتحدياً.
عند مقارنة أدوات قياس الرأي التقليدية مثل استطلاعات الرأي مع أدوات البيانات الكبرى (big data)، التي منها تحليل مضمون شبكات التواصل الاجتماعي؛ سنجد أن لكل واحدة منها إيجابيات وسلبيات ومواطن ضعف وقوة، ولكن طريقة البيانات الكبرى هي الأكثر إغراء وتطوراً والأقل كلفة والأسرع إنجازاً، وأصبحت أكثر شمولاً بربط معلومات ضخمة وتحليلها واستخراج نتائجها بطريقة برمجية مذهلة.
ومع ذلك، فإن الجهات الكبرى من حكومية وخاصة وجماعات ضغط وتأثير لا تستغني عن استخدام كل هذه الأدوات؛ فترعى المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) وتهتم بنتائج استطلاعات رأي في أماكن متفرقة من العالم، وفي الوقت نفسه وبذات المواضيع تدرسها من خلال مركزها الخاص برصد الشبكات الاجتماعية للتعرف على الآراء وردود الأفعال بشكل سريع؛ كحدث مثل خطاب الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” للعالم الإسلامي من جامعة القاهرة.
وهكذا تتنوع غايات قياس الرأي العام باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين الإسهام المعرفي والعلمي، والتأثير والضغط وتحقيق المصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها؛ مما يحتم على مختلف الجهات الاهتمام بهذه الأدوات لتحقيق غاياتها، ومنها جماعات الدعوة والعمل الإسلامي لاستخدامها بطريقة احترافية لتحقيق غاياتهم النبيلة، وهو ما نقدمه بهذه الخطوات والنموذج المقترح.
القناعة بهذه الأداة:
ينبغي على الجهات الدعوية القناعة بأن شبكات التواصل أصبحت وعاء لتوجهات الناس، ومعبراً عن أفكارهم التي يقدمونها على طبق من ذهب عبر هذه المنصات بأكبر قدر من الحرية؛ مما يجعلها مكاناً خصباً للتعرف على الأفكار والآراء المتجددة المتعلقة بعمل الجهات الدعوية والفئات المعنية بها كمستفيدين ومقدمي خدمة وغيرهم.
أداة القياس:
ثمة العديد من الجهات التي قدمت برمجيات عديدة، ومتنوعة لقياس الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكل واحدة ميزات ينبغي للجهات الدعوية مراعاتها، فبضعها يولي اهتماماً أكثر ودقة في شبكة «تويتر» كأغلب الجهات، حيث تعد بشكل عام أسهلها في رصد الرأي العام من «فيسبوك» على سبيل المثال، ومن أشهر وأكبر هذه الجهات «MAXQDA” الألمانية؛ حيث تتيح برمجياتها توظيف البيانات الكبرى الكمية والكيفية واستخدام المنهجيات المتعددة Mixed Methods Research، فضلاً عن سهولة استخدام اللغة العربية، وكما تعقد “MAXQDA” مؤتمرات وجلسات تدريب وورش عمل متخصصة.
وفي العالم العربي، فقد اطلعت مؤخراً على برنامج “منجم الرأي العام”، الذي يعتبر -كما يذكر مبتكروه- أول نظام ذكي في تحليل توجهات الرأي العام في شبكات التواصل الاجتماعي، كما يمكن الاطلاع على شركات أخرى عديدة منها: “LexisNexis”، “Meltwater”، “CARMA”.
التنسيق بين الجماعات الدعوية للقياس:
نظراً لما تقتضيه استخدام هذه الأداة من متطلبات مالية وبشرية متخصصة، فيمكن للجهات الدعوية التنسيق فيما بينها لإطلاق مشاريع مشتركة فيما يخدم أهدافها جميعاً، فمثلاً يتم اختيار مواضيع ذات هدف مشترك مثل مواجهة الإلحاد؛ حيث يمكن رصد الأفكار المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والحجج التي يطرحها الملحدون، ودراستها تمهيداً لوضع خطط المواجهة بالوسائل المتاحة والخطاب المناسب حسب الفئات والدول وغيرها من المعطيات.
التنبه للأخطاء والانحيازات والتحديات:
عندما غدت هذه الشبكات مكاناً لتوجيه الرأي العام، حرصت الحكومات والسلطات وشركات القطاع الخاص، والإعلام، وجماعات الضغط وغيرها على استخدامها بطريقة مضللة للرأي العام، ففي حين أن اطلاق الوسم (الهاشتاج) في «توتير» ثم تبعه «فيسبوك» ميزة يمكن التعرف على أكثر ما يتحدث عنه الرأي العام في العالم وكل منطقة، بالإضافة إلى أنها تسهل عملية تصنيف الأفكار في مكان واحد إلى حد ما، لتصبح هذه الوسوم مادة جيدة للصحافة لنقل وجهات النظر حيال قضايا متنوعة، مقابل ذلك أصبحت تستخدم بطريقة سلبية في تأسيس الوسم، ثم توظيف بعض الأفراد المؤثرين لإطلاقه استثماراً للأعداد الكبيرة من المتابعين، كما أن بعض الجهات لا سيما الحكومية توظف أعداداً كبيرة من المغردين أو ما يطلق عليهم «الجيش الإلكتروني» لتوجيه ما يُنشر على شبكات التواصل والرد على الخصوم.
وفي المقابل، استخدمت بعض الجهات الدعوية والدعاة هذه «الهاشتاجات» بطريقة جيدة من خلال إطلاق وسوم تخدم مصلحتها مثل وسم «حصار العمل الخيري» الذي أطلقه الشيخ محمد العريفي، أو وسم حول مئوية «وعد بلفور» المشؤوم مؤخراً.
تتبعٌ فوري لمحادثات الرأي العام:
كما يمكن للجماعات الدعوية متابعة ما يطرح من مواضيع متعلقة بالمجال الدعوي أولاً بأول من خلال استخدام بعض البرمجيات المتوافرة والمجانية كما في «توتير»؛ مثل «تويت فال» (Twitterfall)، “تويت ديك” (Tweet Deck)، بحيث يمكن وضع الكلمات التي تريد أن تصلك مباشرة في حال ورودها في “توتير”، كما من السهل أن يتم وضع اسم الجهة الدعوية أو مشاريعها وغيرها من الكلمات ليتم رصدها فور نشرها على شبكات التواصل والتدخل في الوقت المناسب حسب المنشور وأهميته.
جمع البيانات:
كما انتشر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لجمع البيانات، من خلال إرسال روابط استطلاعات الرأي الإلكترونية التي تقدمها جهات عديدة وباشتراكات مجانية ومدفوعة، ومن أبرزها: Google، Survey Monkey، Fluid Survey ، Easy Poll، وأصبحت هذه الوسائل تنمو بشكل كبير، ويمكن للجهات الدعوية استخدامها بشكل فاعل في حال احتمالية تجاوز بعض التحديات والإشكاليات العلمية؛ مثل: ضبط العينة، ونوعها، وتحقيق صفة التمثيل للمجتمع، وضمان عدم تكرار التصويت وتوجيهه عبر ما يمكن أن نطلق عليه “تجييش الرأي العام” وغيرها.
هذه مقترحات متنوعة للجهات الدعوية لاستخدام أمثل لشبكات التواصل الاجتماعي لقياس الرأي العام والتأثير فيه، مع ضرورة مراعاة الاطلاع على كافة الأبعاد المنهجية والعلمية والاحترافية، ويمكن للمعنيين بهذه الأداة الاطلاع على التقرير التفصيلي حول الإعلام الاجتماعي وبحوث الرأي العام “Social Media in Public Opinion Research: Report of the AAPOR Task Force on Emerging Technologies in Public Opinion Research” الذي أصدرته جمعية بحوث الرأي العام الأمريكية (AAPOR).