بعد 14 عاماً على تركه منصبه، عاد اسم مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق (1981- 2003)، إلى الواجهة بقوة، بعد أن اختارت المعارضة ترشيحه في الانتخابات العامة المقبلة.
ومهاتير محمد (92 عاماً) هو صاحب أطول فترة حكم في آسيا بصفة رئيس حكومة، وبفضله أصبحت ماليزيا أحد أنجح الاقتصادات في جنوبي آسيا والعالم الإسلامي.
وقررت المعارضة الماليزية، أمس الأول الأحد، ترشيحه لرئاسة الوزراء، في الانتخابات العامة، المقرر الدعوة إليها بحلول أغسطس المقبل، في محاولة لتعزيز فرص انتزاع السلطة من الائتلاف الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال عام 1957.
ويتزامن ذلك مع مواجهة رئيس الوزراء الحالي، نجيب عبدالرزاق، فضائح فساد واتهاماً بتمرير مئات الملايين من الدولارات عبر حساباته المصرفية بطرق غير شرعية.
وفي حال فازت المعارضة بالانتخابات سيصبح مهاتير محمد أكبر زعماء العالم سناً.
سياسي منذ من الصغر
وُلِدَ مهاتير محمد في 10 يوليو 1925، ونشأ في ضاحية فقيرة بمدينة ألور ستار، عاصمة ولاية قِدَح شمالي ماليزيا.
كان مستواه الاجتماعي والمادي متواضعًا، لكنه كان متفوقا في دراسته، فحصل على منحة للالتحاق بمدرسة ثانوية إنجليزية، ثم درس الطب في كلية الملك إدوارد السابع الطبية بسنغافورة.
بعد التخرج من كلية الطب، حصل مهاتير محمد على أول وظيفة له في المجال الطبي، حيث عمل طبيباً لدى الحكومة الماليزية حتى عام 1956.
لكن شغفه بالسياسة جعله ينضم إلى حزب “الجبهة الوطنية المتحدة للملايو”، وترقى في المناصب من عضوٍ في البرلمان حتى رئيس للوزراء عام 1981.
كان مهاتير محمد، كما قال في حوارات عديدة، منغمسا في السياسة عندما كان طالبا بالمدرسة، لكن لم ينصت إليه أحد لصغر سنه، فرأى أنه ربما يكون مؤهلاً أكثر عندما يحصل على شهادة جامعية.
لذلك سعى إلى الحصول على منحة لدراسة الطب في الخارج، وعندما عاد إلى البلاد طبيباً كان الناس أكثر قابلية للإنصات إلى أفكاره وقناعاته السياسة.
وفي عام 1956 تزوج مهاتير من زميلته في الجامعة ستي حازمة، ولديهما سبعة أبناء، بينهم ثلاثة بالتبني.
نهضة ماليزيا
في 16 يوليو 1981 أصبح مهاتير محمد رئيساً للوزراء عندما استقال حسين أون من منصبه، لأسباب صحية، ليصبح رابع رئيس وزراء لماليزيا والأطول حكماً، إذ جرى انتخابه لخمس فترات متتالية.
تحت حكمه، الذي دام 22 عاماً، شهدت ماليزيا نمواً اقتصادياً ونهضة قوية، وتحولت من بلد يعتمد على حقول ومزارع المطاط إلى عملاق اقتصادي لا تُذكر قصص النجاح الاقتصادي في العالم دون الإشارة إليه بإعجاب كبير.
بدأ بخصخصة المؤسسات التابعة للدولة، منها: شركات الطيران والخدمات والاتصالات، مما زاد من دخل الدولة، وساهم في تحسين ظروف العمل للكثير من الموظفين، ومنح كافة مراحل التعليم اهتماما كبيرا.
وأنشأ طريقاً سريعاً يربط ماليزيا مع تايلاند في الشمال وسنغافورة في الجنوب، وهو يعد أحد أهم مشاريعه للبنية التحتية.
وقبل تقاعده كرئيس للوزراء، قال مهاتير محمد، في آخر تقرير له عن الموازنة العامة: إن حكومته أدركت أهمية اعتناق قيم إيجابية لتحقيق التقدم المنشود، ولهذا اعتنق سياسة النظر إلى الشرق.
والمقصود بذلك هو اعتناق قيم العمل السائدة في اليابان وكوريا، التي تقوم أساساً على الانضباط الشديد والإخلاص التام لجهة العمل، والحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم.
ومن الأمور اللافتة للنظر أيضاً في تجربة ماليزيا هي قدرة المجتمع الماليزي على تجنب الصراعات والخلافات بين المجموعات العرقية الثلاثة الأكبر المكونة للسكان، البالغ عددهم 29.3 مليون نسمة.
وهذه المجموعات العرقية الرئيسة هي: المالايو، ويمثلون 58% من السكان، والصينيون 24%، والهنود 7%، بينما تشكل عرقيات أخرى النسبة المتبقية.
الإسلام والغرب
تحت حكم مهاتير محمد استنسخت ماليزيا سياسات اقتصادية ناجحة لدول غربية، وكذلك شرقية مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبية وتايوان، ما ساهم في تحقيق التنمية.
لكنه شدد، في مقابلة مع قناة “الجزيرة” القطرية عام 2006، على أن “هذا لا يعني القبول بجميع الحلول القادمة من الغرب، فعادة ما تكون أسوأ الحلول، وتجعل مشاكلنا أسوأ”.
وتابع: “خلال فترة حكمي الممتدة لـ22 عاماً كانت هناك لحظات صعود وهبوط في الاقتصاد، لكن أصعب تلك المراحل حدثت حين خفضت قيمة عملتنا المحلية بسبب المضاربات المالية لتجار غربيين، ما حوّلنا إلى فقراء، فكان علينا التعامل مع المشكلة، وتثبيت قيمة العملة”.
وأوضح أنه رفض الاستدانة من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي لحل الأزمة الاقتصادية، التي عصفت باقتصاد دول جنوب شرقي آسيا؛ جراء المضاربة في العملة، لأنه شعر بأن ما يقومون به ليس تجارة، وإنما تحكم في السوق والسياسة الماليزية.
ورأى مهاتير محمد أن أبرز مشكلات العالم الإسلامي هي أن المسلمين يرفضون تطبيق تعاليم الإسلام، “فمثلاً الإسلام يقول: إن كل المسلمين إخوة، ولكننا لا نتعامل كإخوة، كما أننا نقاتل بعضنا بعضاً”.
وشدد على أنه “إذا اتبعنا الإسلام فسنشكل حكومات جديدة، وسننشر العدل والإسلام في العالم”، داعياً المسلمين إلى قبول الاختلاف، وحل المشكلات دون قتال بل عبر الحوار والإقناع.
أيقونة للدول النامية
أصبح مهاتير محمد أيقونة ومثالًا يحتذى به بين الدول النامية الراغبة في الصعود اقتصادياً، حتى إن سياساته وتجاربه الناجحة دفعت دولًا كثيرة إلى تدريسها ومحاولة تكرارها.
لكن وفق تقرير نشرته مجلة “إيكونوميست” فإنه رغم النجاح الاقتصادي، فإن تركيز كل السلطات في يد مهاتير محمد لم يسمح بتطور التجربة الديمقراطية في ماليزيا، كما لم يسمح بظهور أي زعيم قوي، وبدا الأمر وكأنه لن يتقاعد أبداً.
واليوم، وبعد 14 عاماً بعيداً عن السلطة، دفعت سياسات رئيس الوزراء، نجيب عبدالرزاق، مهاتير محمد للعودة إلى عالم السياسة.
فقد استقال من حزب “الجبهة الوطنية المتحدة للملايو”، وأسس حزباً معارضاً، وترأس تحالفاً مع الأحزاب التي عارضته عندما كان في السلطة، لتغيير الحكومة الحالية.