في ظل الأزمة الراهنة التي عاصرناها جميعا، وتأثرنا بها من المركز إلى الأطراف، بل لا أعدو الصواب لو قلت إنها جنت على الأجيال القادمة، لقد كانت كاشفة عن عوار التربية وخلل التكوين المنهجي، لقد كان تجمعيا كميا لا وعيا منهجيا، فلما جاءت الأزمة تناثرت حبات العقد كل مذهب!
مابين أصولية متشددة وبين علمانية متذئبة وقع العقل العربي في محنة التجاذب لا التمابز، فلقد أشعلت حروب كان يمكن لها أن تخمد نيرانها لو كانت لدينا دافعية التعالي على جراحنا، البعض استعذب طعم السوط ودخل في بكائيات عفى عليها الزمن، وما بين مدافعة ومغالبة انطوت صفحة من ربيع عربي كاد أن يكون مزهرا، استجاب العقل العربي لعوامل التشظي فتبعها، بل استدعى مثالب تاريخنا فأقام منها براهين لحتمية التنازع وديمومة الخلاف، والناظر إلى العالم المحيط بنا يجده طرح الماضي بكل آثامه المهلكة وشرع يبني على المصالح علاقاته، أما نحن العرب فغدونا نشعل في ثيابنا النار بأيادينا، حين تتحكم الأيدولوجيا تسقط الشعوب فريسة التنازع ومن ثم التفاني في أتون حروب مهلكة، هالني واقعنا المعاصر، بل يدمي القلوب ما صرنا إليه من صراخ أهوج وقد جاء الطوفان من كل ناحية!
على العرب أن يدركوا أن التنازع بينهم سيودي بهم جميعا، عوامل البناء أقوى – لو صدقت النوايا، وخلص العمل- ثم تجد من يعيد مقولات بدايات النهضة العربية، كأننا نتحرك في دائرة لا فكاك منها، غدت المؤسسات التربوية والمراكز البحثية أشبه بمريض على أجهزة الإنعاش لا تتحرك بغير محرك؛ افتقدت الدافعية والابتكار.
هل سقطت الوحدة العربية؟
أم أن الأزمة تستدعي المسارعة بإطفاء النار، ولكن بطرق أكثر منهجية والتخلص من أورام التناحر والتنازع؟
نحتاج المصارحة ولا نريد إلقاء التبعة على غيرنا؛ فهو بلاشك منتش بآلامنا سعيد بمرضنا، علينا أن نعي واقعنا، ولنتخلص من ثارات الماضي التي تكبل خطونا!
لن يفيد البكاء، كما لن يشفي التعلل بالأسباب دون بحث أصل الداء، لقد حبرت في أسباب ما يعانيه العرب المجلدات وعقدت لجان وأثمرت أوراق بحث لكنها لم تر النور، يتطلع الناس إلى عالم جديد يجدون فيه الأمل والأمن والطعام والكساء ومن ثم الحرية التي هي رمانة الميزان، لتبتعد كل الحناجر الكاذبة والتي أشعلت نيران الفتنة من هذا الطرف أو من ذاك القبيل، لقد تشوقنا لعالم عربي متآخ متحاب، لا تجمعا إقليميا تمور فيه الصراعات القبلية والمصالح الإثنية الضيقة