المغرب يواجه منافسة قوية من ثلاث دول كبرى.. أمريكا وكندا والمكسيك
موقع المغرب إستراتيجي على بعد 14 كم من أوروبا وله خطوط جوية متنوعة ومناخه معتدل
مغاربة يرون أنه ليس هناك أي دراسة تؤكد وجود استفادة اقتصادية من تنظيم كأس العالم
حقوقي: الملف سياسي ولا داعي لتصوير الأمر كأنه كسب لمعركة ملف الصحراء
البعض يرى أن الترشح يدخل في إطار الإستراتيجية الماكرة والسياسة التي نهجها المغرب منذ الاستقلال
خبير اقتصادي: التنظيم سيساهم في تحريك الأموال وتمتع السوق المالية الوطنية بسيولة أفضل
قدمت المملكة المغربية ترشيحها لاستضافة كأس العالم لعام 2026م للمرة الخامسة في تاريخها، بغية نيل شرف تنظيم أكبر تجمع رياضي في العالم يقام كل أربعة أعوام، وخسرت في المرات الماضية بالتصويت النهائي أمام دول عظمى، لكن هذه المرة تراهن بقوة على هذه المبادرة الجديدة من أجل تحقيق أهداف رياضية في المقام الأول وأخرى اقتصادية وسياسية واجتماعية.
السؤال الذي طرحه الكثيرون: هل هذا الرهان حقيق وواقعي؟ وبمعنى آخر؛ ماذا سيستفيد المغرب من تنظيم كأس العالم، بناء على تجارب سابقة لدول نظمت هذا الحدث، وبناء على الواقع الذي يعيشه المغاربة اليوم والحالمون بمستقبل أكثر إشراقاً، والطامعون في بناء ديمقراطي ونمو اقتصادي وتحسين جودة حياتهم؟
إذ بالرغم من أن هذه الاستضافة تغري لأول وهلة كل هواة الكرة المستديرة ومتتبعيها والمهتمين بها، فإن جميع المغاربة ليسوا كلهم على قلب رجل واحد كما يقال في هذه المسألة، فقد ظهرت هنا وهناك بعض آراء معارضة، وإن كانت قليلة، لكن يمكن أن تعبر عن وجهة تقول: إن الاستثمارات المعلنة التي تعادل 15.8 مليار دولار يمكن أن توجه إلى قطاعات أكثر حيوية مثل الصحة والتعليم والشغل.
موقع إستراتيجي
يواجه المغرب منافسة قوية من قبل ترشح ثلاث دول أكثر قوة؛ وهي أمريكا وكندا والمكسيك، وبالرغم من ذلك فقد بنى ترشيحه بعيداً عن مراعاة مؤهلات المنافسين، كما يقول المحلل الرياضي حسن مومن في تصريح لـ»المجتمع»، كما اعتمد على مرتكزات واقعية، منها الاستقرار السياسي والأمني، وعشق الجمهور المغربي للكرة المستديرة، ووجود المنتخب المغربي ضمن قائمة المنتخبات الأكثر تأهلاً إلى كأس العالم.
ويضيف حسب فوزي لقجع، رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، أن المغرب أيضاً يوجد في موقع إستراتيجي بالقارة الأفريقية على بعد 14 كلم من أوروبا، وله خطوط جوية متنوعة انطلاقاً من عدة مطارات مدن مختلفة، علاوة على ذلك فإن التوقيت العالمي “جرينتش” والمناخ المعتدل في يونيو يجعله من بين أكثر البلدان التي تحب المنتخبات اللعب على أرضه، كما أن استضافته لأحداث رياضية عالمية مثل كأس العالم للأندية مرتين، وكأس أفريقيا، يظهر قوته التنظيمية وتوفيره للأمن والراحة للمحبين والجمهور الواسع.
علاوة على ذلك، فإن للمغرب خاصية مفيدة وهو أنه بلد صغير ويمكن التنقل فيه بسهولة نظراً لشبكة المواصلات المتقدمة، فيما تترامى الملاعب وتتوزع في المكسيك وأمريكا وكندا.
تساؤلات مشروعة
يبرز للمتتبع أن عدداً من المغاربة وخاصة بعض النخب من الشباب والمثقفين غير راضين عن ترشيح المغرب لاستضافة كأس العام، فهم يعتبرون أن هذا التنظيم ليس أولوية بالنسبة للمغرب، وإنما يجب أن يعود إلى بنائه الديمقراطي الذي ربما فقده مع ما آلت إليه نتائج الانتخابات التشريعية وما تبعها، وما نتج عنها من تكوين حكومة لا تعبر عن الإرادة الحقيقية للمواطنين أو على الأقل للناخبين.
ويتساءل البعض الآخر عن الجدوى الاقتصادية من تنظيم كأس العالم، فليس هناك أي دراسة مقارنة تؤكد وجود استفادة اقتصادية من تنظيم كأس العالم، وفي هذا الصدد، قال الصحفي يونس مسكين: إن الترشح لتنظيم كأس العالم لم يرد في قرآن ولا أدرجه دستور ضمن الثوابت، ولا هو موضوع استفتاء أو استشارة شعبية، وبالتالي من تعجبه الفكرة ينهض لكي يروّج لها، لكن لا حق له في الحجر على من لا تعجبه أو من يحتاج لأن يفكر ويناقش قبل اتخاذ الموقف.
وأضاف هل تنظيم هذه التظاهرة مفيد بالفعل للمغرب والمغاربة؟ ما دليل ذلك؟ ما الذي سيتبقى لنا بعد انفضاض الجمع؟ كيف سنوفّر الأموال اللازمة لإقامة المباني الرياضية والسياحية؟ هل من دراسة لمقارنة العائد الاقتصادي مع كلفة الديون التي سيتحملها المغرب لإقامة هذه البنية، وأضاف مستنكراً: هل هذه البنية أولويات لنا نحن المغاربة؟ وهل من دراسة مقارنة حول ما جنته دول مثل البرازيل وجنوب أفريقيا بعد تنظيمها كأس العالم؟
وتضمن ملف ترشيح المغرب إحصائيات حول العائدات الاقتصادية من تنظيم كأس العالم، حيث يرى 93% من المستجوبين أن هذا التنظيم في المغرب سيكون له أثر إيجابي على التشغيل وعلى الاقتصاد، لكن المعارضين يقولون: إن هذا مجرد استفتاء مبني على العاطفة وليس على معطيات دقيقة.
في السياق ذاته، يقول الناشط الحقوقي نجيب شكري: إن قرار الترشيح لتنظيم “المونديال” سياسي، ومن ينتقد القرار يعبر أيضاً عن موقف سياسي، ولهذا فمن مع التنظيم ومن ضده متساويان في وطنيتهما، مضيفاً أنه لا داعي للشمولية ومحاولة تصوير الأمر كأنه كسب لمعركة ملف الصحراء، وأن على الجميع أن يناقش ويعبر عن موقفه.
وأضاف: في نهاية المطاف، تنظيم كأس العالم لن يحل مشكلاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية.
فوائد سياسية واقتصادية
في المقابل، يرى آخرون أن تنظيم كأس العالم في المغرب بل ومجرد الترشيح لاستضافته هو رسالة قوية لخصوم وأعداء الوحدة الترابية للمملكة، وهو يدخل في إطار الإستراتيجية الماكرة، والسياسة التي نهجها المغرب منذ الاستقلال وميزته عن كثير من الدول المجاورة، إنها رسالة انفتاح على العالم، حسب تعبيرهم.
وأشار حسن مومن إلى أن وجود اسم المغرب ضمن قائمة المرشحين لاستضافة كأس العالم عام 2026م، يقدم خدمة كبيرة للبلد وسمعته ويشهره من بين دول العالم، مبرزاً أن منذ ترشيح المغرب أول مرة عام 2003م، زادت عائداته السياحية، وبنيت عدد من الملاعب بمواصفات دولية، وتضاعف عدد الطرق، وتم تحديث عدد من المطارات.
وبخصوص من يقول: إن الصحة والتعليم لهما الأولوية على تنظيم كأس العالم، رد مومن بأن المستشفيات بالمواصفات العالمية ضمن أولويات البنية التحتية الخاصة بالتنظيم، علاوة على بناء مراكز أخرى للمؤتمرات العالمية، والفنادق، وكل ذلك يصب في مصلحة الشغل والتشغيل.
وقال المهدي فقير، الخبير الاقتصادي: إن تنظيم كأس العام في المغرب سيساهم في تحريك الأموال وتمتع السوق المالية الوطنية بسيولة أفضل، وإدماج عدد مهم من الشركات الوطنية في هذه المشاريع، كذلك الشركات الدولية التي ستعرف مزايا الاستثمار في المغرب وما يتمتع به من قدرات تجعله من أقوى الاقتصاديات الأفريقية، وأضاف فقير أن تمويل مثل هذه المشاريع بالقدرات الذاتية يأخذ وقتاً طويلاً، ونحن بلد صاعد ما زالت أمامه الكثير من التحديات، وهكذا، فإن دعم المؤسسات المالية الدولية قد تخفف من كل هذه الأعباء، على حد قوله.
وأوضح المحلل الاقتصادي أن تنظيم كأس العالم سيعزز الثقة في البلد المنظم، وسيشجع رؤوس الأموال الأجنبية على الاستثمار وإنشاء مشاريع جديدة من شأنها خلق المئات من فرص الشغل وإنعاش احتياطي العملة الأجنبية وكذا إضافة السيولة المالية للسوق الوطنية.
يشير ملف الترشيح إلى أن المغرب في طريق تحول اقتصادي كبير ومستدام، فقد قام بإصلاحات هيكلية تهدف إلى تحرير وتحديث القطاعات الإستراتيجية التي تسمح للاقتصاد أن يتضاعف، فقد حقق المغرب أكثر من 50 اتفاقية خاصة بالتجارة الدولية، مع استثمارات كبيرة في البنية التحتية.
ويضيف أن المغرب يطمح ليصبح بوابة العالم إلى أفريقيا في مجال الأعمال التجارية، وهو يحتل المرتبة الثانية في ترتيب الدول التي تتلقى المزيد من الاستثمار الأجنبي على صعيد القارة، لأنه يوفر بيئة ملائمة للعمل والاستثمار.
وبالرغم مما يظهر من اختلاف في الآراء، فإن المنظمين يعتقدون أن هناك إجماعاً على ملف تنظيم كأس العالم، فلم تعبر أي جهة سياسية أو نقابية أو تجمع مدني عن معارضته لهذا المشروع، فالذين يقودونه يعتقدون أن لهم القدرة على قوة تجميع أمة بأكملها، حول الهدف المشترك، ذلك أن هذه الوحدة تعبر عن نفسها من خلال التزام غير مشروط من الحكومة، والمدن المضيفة، والأحزاب المنظمات السياسية، والنقابات العمالية، والمنظمات غير الحكومية، والشركات الكبيرة والساكنة.