أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أمس الثلاثاء، أن الولايات المتحدة ستنسحب من خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA) المعروفة بالاتفاق النووي، في خطوة قد تزيد العزلة الأمريكية عن الحلفاء الأوروبيين، وعن التوافق الذي حاول الرئيس الأمريكي السابق تأسيسه.
وبعد تسع ساعات من توبيخ ترمب لجون كيري وزير الخارجية الأمريكي الذي عمل لتوقيع الاتفاق النووي، في تغريدة: “دعك من المفاوضات جون، أنت تؤذي بلادك!”، غرد ترمب بتصور مباشر لخطابه من البيت الأبيض: “اليوم، لدينا دليل مباشر على أن الوعد الإيراني كان كذبة، الحقيقة أن هذا الاتفاق كان مروعًا ومن جانب واحد وكان ينبغي ألا يوقع، لم يجلب الهدوء ولا السلام”.
أكد ترمب أن الولايات المتحدة ستعيد فرض أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية التي رُفعت عن إيران بموجب الاتفاق النووي، وقالت وزارة الخزانة الأمريكية إن كل العقوبات المتعلقة بالسلاح النووي ستتم إعادتها، بعد انتهاء فترة الأشهر الست التي حددها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) في ديسمبر 2016، وتشمل العقوبات الحد من وصول إيران إلى الدولار وعرقلة وصول النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية.
يُعد الاتفاق النووي متعدد الأطراف الذي وقعت عليه الصين وروسيا والمدعوم من مجلس الأمن الدولي، أحد أهم إنجازات إدارة الرئيس السابق أوباما.
وفي لوم موجه لإيران التي يتهمها الرئيس الأمريكي بالكذب بشأن تطويرها للسلاح النووي، قال الرئيس الأمريكي: إن وزير خارجيته مايك بومبيو، سيذهب إلى بيونغ يانغ للتحضير لقمة مع كيم جونغ أون، لبحث تفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية.
ويُعد الاتفاق النووي متعدد الأطراف الذي وقعت عليه الصين وروسيا والمدعوم من مجلس الأمن الدولي، أحد أهم إنجازات إدارة الرئيس السابق أوباما، وينص على وقف البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف بعض العقوبات، وقد أعلن مراقبون دوليون التزام إيران بالاتفاق، إلا أن ترمب كان قد وعد بإنهاء الاتفاق في حملته الانتخابية عام 2016، وقال إن الاتفاق لم يتمكن من منع إيران من الحصول على سلاح نووي ولم يحد من أنشطتها المؤذية في المنطقة.
وفي أكثر من مرة، أكد مسؤولون من إدارة ترمب، بينهم وزير الخارجية الحاليّ مايك بومبيو، التزام إيران بالاتفاق، فقد قال بومبيو في جلسة الاستماع بشأن تعيينه أمام مجلس الشيوخ إنه لم يرَ أي دليل على فشل إيران في الالتزام بالاتفاق، إلا أن معارضي الاتفاق مثل “إسرائيل” ودول الخليج وسياسيين جمهوريين يقولون: إن الاتفاق يفتح المجال لإيران للتسلّح خلال سنوات قليلة.
إيران متمسكة بالاتفاق حتى الآن
لم يكن الرد فوريًا من الرئيس الإيراني حسن روحاني على إعلان ترمب الانسحاب من الاتفاق، فقد أعلن أن بلاده ستبقى ملتزمة بالاتفاق وستنتظر رد فعل الدول الكبرى على هذه الخطوة، وقال في كلمة على التلفزيون الإيراني الرسمي: “إذا حققنا أهداف الاتفاق بالتعاون مع الأعضاء الآخرين به فسيظل ساريًا”، مؤكدًا أن أمريكا -بانسحابها- تقوض رسميًا التزامها تجاه معاهدة دولية.
رفض نواب في البرلمان الإيراني عقد أي حوار مع الغرب عن النووي، وأرسلوا رسالة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، جاء فيها إنهم سيفرضون على الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي
أوعز الرئيس الإيراني إلى الخارجية الإيرانية بأن تبدأ حوارًا مكثفًا مع بقية أطراف الاتفاق؛ مما يعني بقاء طهران في الاتفاق لفترة قصيرة جدًا إلى حين إنهاء التشاور مع الشركاء الآخرين، وهدد روحاني بقدرة بلاده على استئناف التخصيب من دون قيود إذا ما اقتضت الحاجة، وهو ما ستقرره طهران بعد حوارها مع بقية أطراف الاتفاق.
وفي الأثناء، رفض نواب في البرلمان الإيراني عقد أي حوار مع الغرب عن النووي، وأرسلوا رسالة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، جاء فيها أنهم سيفرضون على الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، وأن النواب بمختلف انتماءاتهم السياسية، لا يثقون في واشنطن ولن يسمحوا لها بفرض إملاءاتها على إيران.
خيبة أمل ومأزق أوروبي
أعلن الرئيس الأمريكي إيمانويل ماكرون “أسف” كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا على القرار الأمريكي للانسحاب من الاتفاق النووي، وقال إن الاتفاق بشأن الحد من انتشار الأسلحة النووية مهدد بالخطر، وكان ماكرون قد تعهد في وقت سابق بالعمل الجماعي على إطار أوسع سيغطي النشاط النووي الإيراني وبرنامج الصواريخ بعيدة المدى والاستقرار في الشرق الأوسط خاصة سوريا واليمن والعراق.
وأعربت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني عن أسفها للقرار الأمريكي، وأكدت في الوقت نفسه تصميم الاتحاد الأوروبي على الحفاظ على الاتفاق طالما ظلت إيران ملتزمة به، وقالت إنها قلقة بشأن إعلان العقوبات الجديدة وستعقد مشاورات بشأن أثرها المحتمل.
كان من المقرر أن يجري ماكرون اتصالاً مرئيًا مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قبل نصف ساعة من إعلان ترمب، وقد اتصل ترمب بكل من ماكرون والرئيس الصين شي جين بينغ يوم الثلاثاء بشأن قراره الانسحاب من الاتفاق.
تعود خيبة أمل ماكرون إلى تجاهل ترمب الجهود الأوروبية المستمرة منذ شهور لإقناعه بالبقاء في الاتفاق، ويبدو أن زيارات ماكرون والمستشارة الألمانية ميركل ووزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى واشنطن فشلت في إقناع ترمب.
الشركاء الأوروبيون الثلاث في الاتفاق كانوا قد أصروا على إعادة التفاوض بشأن الاتفاق، واقترحوا اتفاقية إضافية له لن تغير جوهر الاتفاق النووي، ولكنها تضيف قيودًا جديدة تجيب عن تساؤلات ترمب بشأن نقائص الاتفاق.
وفي وقت سابق من يوم الثلاثاء، بحث مسؤولون من فرنسا وألمانيا وبريطانيا مع نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقچي في بروكسل -قبل الانسحاب الأمريكي- كيفية إنقاذ الاتفاق، وكانت الدول الأوروبية الثلاثة قد أعلنت في بيان مشترك لزعمائها في أكتوبر الماضي تأكيد التزامها بالاتفاق، وقالت: “إنه مهم لأمننا المشترك، إننا ندعو كل الأطراف إلى الالتزام بالتنفيذ الكامل والتحلي بروح المسؤولية”.
الشركاء الأوروبيون الثلاث في الاتفاق كانوا قد أصروا على إعادة التفاوض بشأن الاتفاق، واقترحوا اتفاقية إضافية له لن تغير جوهر الاتفاق النووي، ولكنها تضيف قيودًا جديدة تجيب عن تساؤلات ترمب بشأن نقائص الاتفاق، مثل برنامج الصواريخ بعيدة المدى وأنشطة إيران التي تزيد عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، مثل هذا الاتفاق قد لا يرضي الصين أو روسيا لكن الأوروبيين يأملون بأن إيران ستوافق للاستفادة من مزايا تخفيف العقوبات.
بعد أسابيع من الغارات العقابية على النظام السوري التي شهدت تنسيقًا أمريكيًا أوروبيًا غير مسبوق، يعود مرة أخرى التساؤل عن جدية الإدارة الأمريكية في الحفاظ على العلاقة الأقوى تاريخيًا للولايات المتحدة مع القارة العجوز، فانسحاب ترمب من الاتفاق النووي وقبله اتفاق باريس للمناخ يحطم دون شك معنويات القادة الأوروبيين الذين يحاولون استرضاءه.
ما الخطوة التالية؟
ما زال أمام الإدارة الأمريكية فترة قد تصل إلى ستة أشهر -فرضتها سابقًا حسبما ذكرت في بداية المقالة- تتيح لإيران إيقاف أنشطتها التي تعتقد أنها انتهكت الاتفاق، وربما تتيح هذه الفترة لترمب إعادة النظر في الانسحاب لاحقًا في حال تمكنه من فرض مزيد من القيود على إيران التي فشلت الدول الأوروبية سابقًا في إقناعه بها.
وفي الوقت الذي كان ترمب يعلن انسحابه من الاتفاق، كان مسؤولو الإدارة يبلغون قيادات في الكونغرس بشأن خطة الإدارة تجاه الاتفاق، وقال أحد أعضاء الكونغرس هؤلاء إن الإدارة أكدت أنّه بخروج ترمب من اتفاق التجارة الكبير مع آسيا (اتفاق الشراكة العابرة للمحيط الهادئ) ومن اتفاق باريس للمناخ، فإنه ما زال منفتحًا على التفاوض بشأن اتفاق أفضل مع إيران.
يُرجح أن يعيد ترمب فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني تستهدف صادرات النفط، بدلاً من تخفيفها يوم السبت المقبل، يوم تجديد الاتفاق، وحينها ستمنح الإدارة المؤسسات العاملة مع إيران فترة ستة أشهر للتحلل من هذه التعاملات.
إذا فشل الاتفاق، فسيكون بإمكان إيران مواصلة أنشطة تخصيب اليورانيوم، وستكون الشركات والبنوك العاملة مع إيران مضطرة للتحلل من التزاماتها التجارية أو التهرب من المسؤولين الأمريكان الذين ما زال عليهم تفسير العواقب الاقتصادية للانسحاب من الاتفاق، حسبما قال مسؤولون في الإدارة الأمريكية لصحيفة “تشيكاغو تريبيون”.
يُرجح أن يعيد ترمب فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني تستهدف صادرات النفط، بدلا من تخفيفها يوم السبت المقبل، يوم تجديد الاتفاق، وحينها ستمنح الإدارة المؤسسات العاملة مع إيران فترة ستة أشهر للتحلل من هذه التعاملات، وهناك عقوبات أخرى على شركات إيرانية محددة وقطاعات وأفراد ربما تقر إذا لم يُعلّقها ترمب في يوليو المقبل.
وبغض النظر عن قرار ترمب، فإما أن يكون انسحابًا لا يمكن العودة عنه أو فرصة نهائية لإنقاذ الاتفاق، فربما ينجح أحدهم بإقناع ترمب في البقاء في الاتفاق خلال الأشهر الست.
المصدر: “نون بوست”.