خرج الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل، من سجن “إسرائيلي” إلى آخر أصغر، لينعم بحرية مرهونة بسبعة شروط.
فـ”شيخ الأقصى”، كما يلقبه الفلسطينيون، الذي يدافع عن مدينة القدس والمسجد الأقصى خصوصاً، ما زال يواجه اتهامات “إسرائيلية” بـ”التحريض على العنف”، قد ترجعه إلى السجن مرّة أخرى.
والجمعة الماضي، أفرجت السلطات “الإسرائيلية” عن الشيخ صلاح، بموجب قرار قضائي، لكنها قيّدت عملية الإفراج عنه بـ7 شروط “مشددة”.
والشروط هي: “الإقامة الجبرية في منزل بقرية كفر كنا (شمال) وليس منزله بمدينة أم الفحم، ومنع استخدام أي وسيلة اتصال بما فيها الإنترنت، وتقييد حركته بإسورة إلكترونية وتسليم جواز سفره”.
كما تشمل “منع الخطابة واقتصار زواره على الأقارب من الدرجة الأولى والثانية، ومنع التواصل مباشرة أو غير مباشرة مع وسائل الإعلام بأي موضوع كان، ودفع كفالة مالية (غير محددة)”.
وسيبقى الوضع هكذا إلى حين انتهاء الإجراءات القضائية ضد الشيخ صلاح، الذي أمضى 11 شهراً في الحبس الانفرادي منذ اعتقاله في أغسطس الماضي.
وهذا الاعتقال جرى طيلة هذه الفترة دون أن يكون المنحى الذي ستتخذه المحكمة حيال الاتهامات أو موعد إصدار الحكم ضده، واضحاً.
المحامي خالد زبارقة، عضو لجنة الدفاع عن الشيخ صلاح، اعتبر أن ما يجري معه “لا يعدو كونه ملاحقة سياسية بسبب مواقفه”.
وأضاف زبارقة لوكالة “الأناضول”، أن “الشيخ أثبت بصموده الأسطوري تمسكه بمواقفه، وهو مستمر بذلك بالثبات والتضحية للدفاع عن مشروعه وإن كان الثمن حريته”.
ومن جهته، قال الشيخ كمال خطيب، رئيس لجنة الحريات في لجنة المتابعة للجماهير العربية في “إسرائيل”، لـ”الأناضول”: إنه “دفع الكثير، لكن إيمانه بالقضايا التي يدافع عنها وكرس حياته من أجلها، أكبر”.
ولطالما ارتبط اسمه بالمسجد الأقصى، فمن أجل ذلك أبعدته “إسرائيل” عنه، ولاحقاً عن مدينة القدس، قبل اعتقاله في سجن انفرادي، قال: إنه تعرض للتعذيب فيه، بحسب تصريحات له خلال جلسة محاكمة.
وفي مقابلة أجرتها “الأناضول” مع الشيخ الفلسطيني مطلع عام 2017، قال: “دخلنا السجن ونحن أحرار وعشنا فيه أحراراً ونخرج منه كذلك، وسنبقى نؤكد أننا لن نخاف يوماً من السجون”.
وأضاف: “سأبقى ماضياً في طريقي وفي دوري الذي انتصر فيه لثوابتي بكل أبعادها الإسلامية والفلسطينية والعروبية، ولا يمكن أن تردعنا لغة التهديد (في إشارة إلى “إسرائيل”)”.
وعما إذا كان السجن سيثنيه عن الدفاع عن قضاياه، قال: “السجن تغذية، فيه تزيد معنوياتنا وثوابتنا وإصرارنا”.
من هو؟
والشيخ صلاح، من مواليد مدينة “أم الفحم” (1958)، التي تعتبر ثاني أكبر المدن الفلسطينية داخل “إسرائيل”، وحاصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل، جنوبي الضفة الغربية.
واعتقلته السلطات “الإسرائيلية” لأول مرة عام 1981، بتهمة الانتماء إلى تنظيم محظور اسمه “أسرة الجهاد”، قبل أن تفرض الإقامة الجبرية عليه.
ومنذ ذلك التاريخ واجه “شيخ الأقصى” إجراءات “إسرائيلية” بالمنع من السفر ودخول مدينة القدس وفرض إقامات جبرية عليه، فضلاً عن إصابته بالرصاص.
وكان الشيخ قد أصيب بجراح طفيفة خلال مواجهات في القدس عام 2007، وتعرض لإصابة وُصفت بالخطرة عندما كان على متن “أسطول الحرية” في مايو 2010.
نشاطه
وبرز اسمه لأول مرة، عندما نجح بأغلبية كبيرة على منافسيه في انتخابات رئاسة بلدية أم الفحم عام 1989، وذلك لـ 3 مرات متتالية إلى أن استقال عام 2001، للتفرّغ لشؤون المسجد الأقصى.
وكان الشيخ صلاح، وهو أب لـ 8 أبناء، من مؤسسي الحركة الإسلامية في “إسرائيل”، بداية سبعينيات القرن الماضي.
وقاد “الجناح الشمالي” منها عام 1996، بعد انشقاق إثر قرار رئيسها عبدالله نمر درويش، خوض انتخابات “الكنيست “الإسرائيلي” (البرلمان)، وهو ما رفضه صلاح.
وفي العام ذاته، قاد الشيخ جهد الحركة الإسلامية لترميم المصلى المرواني، داخل المسجد الأقصى، في غفلة من السلطات “الإسرائيلية” إلى أن تم افتتاح بوابات المصلى الكبيرة أمام المصلين عام 2000.
وكانت هذه بداية المواجهة مع السلطات “الإسرائيلية”، التي تردد آنذاك أنها تريد تحويل المصلى، الذي تطلق عليه اسم “إسطبلات سليمان”، إلى كنيس يهودي.
وعام 2000 (انتفاضة الأقصى) أنشأ مؤسسة “الأقصى لإعمار المقدسات”، التي تعنى بالدفاع عن المقدسات الإسلامية داخل “إسرائيل”.
وعلى مدى سنوات، وحتى الآن، نشطت المؤسسة في كشف المخططات “الإسرائيلية”، كما أطلقت “برنامج مسيرة البيارق”، الذي يجلب عشرات الآلاف من العرب من القرى والمدن العربية في “إسرائيل” إلى المسجد الأقصى لإعماره بالمصلين.
وعام 2000 أيضاً، أطلق شرطي “إسرائيلي” الرصاص على رأس الشيخ صلاح، أثناء مشاركته في مسيرة تضامنية مع المسجد الأقصى، ما أدى لإصابته بجراح وصفت آنذاك “بين طفيفة ومتوسطة”.
ولجأت السلطات “الإسرائيلية” بعد اندلاع الانتفاضة، إلى التضييق عليه، فقررت منعه من السفر عام 2002، قبل أن تعتقله مجدداً في 13 مايو 2003 بتهمة “تبييض الأموال لصالح حركة حماس”.
ومطلع عام 2007، قررت الشرطة “الإسرائيلية” منعه من دخول الأقصى والاقتراب من أسوار البلدة القديمة على مسافة 150 متراً، إضافة إلى إجراءات أخرى، على خلفية نشاطه ضد هدم “طريق باب المغاربة المؤدي إلى المسجد الأقصى”.
وفي 22 أغسطس 2007، اقتحمت الشرطة حفل عشاء خيري في القدس الشرقية، كان يحضره، وتم اعتقاله لفترة محدودة.
كما مُنع إثر ذلك من دخول القدس بأمر من السلطات، وما زال ممنوعاً من دخول المدينة منذ ذلك الحين إلا في حال وجود جلسات لمحاكمته.
أسطول الحرية
وفي 31 مايو 2010 شارك الشيخ صلاح في رحلة سفينة “مافي مرمرة” التركية، ضمن ما عُرف آنذاك باسم “أسطول الحرية”، الهادف لفك الحصار عن قطاع غزة.
وتعرض الأسطول لهجوم “إسرائيلي” في المياه الدولية، ما أدى إلى مقتل 10 متضامنين أتراك.
واعتقلت السلطات الشيخ صلاح، مدة أسبوع، أثر وصول السفينة قسرا إلى ميناء أسدود في 1 يونيو 2010.
وفي 13 يوليو 2010، حكمت المحكمة المركزية في القدس، بالسجن لمدة 5 أشهر عليه بتهمة “التحريض في الأحداث التي أعقبت هدم تلة المغاربة”.
واعتقل مجدداً في 22 فبراير 2011، ومكث في السجن حتى 2 مارس من العام ذاته، بتهمة “التواجد في القدس”.
وفي 28 يونيو 2011، اعتقلت السلطات البريطانية الشيخ الفلسطيني في لندن، بناء على شكوى منظمات مؤيدة لـ”إسرائيل”، وأفرجت عنه في 18 يوليو.
وفي العام ذاته، وجهت له النيابة العامة “الإسرائيلية” تهمة “التحريض على العنف والتحريض على الكراهية”، وأدانته محكمة الصلح بـ”التحريض على العنف”، وأسقطت عنه “التحريض على الكراهية”، وحكمت عليه بالسجن 8 أشهر.
إلا أن النيابة العامة استأنفت على القرار إلى المحكمة المركزية، وطلبت إدانته بـ”التحريض على الكراهية”، مطالبة باعتقاله ما بين 18 و40 شهراً، بزعم التحريض في خطبة ألقاها في 16 فبراير 2007 في وادي الجوز بالقدس.
وقال في هذه الخطبة:” المؤسسة الإسرائيلية تريد بناء الهيكل من أجل استخدامه كبيت صلاة لله، كم هي وقحة وكم هي كاذبة”.
وأضاف:” لا يمكن أن يتم بناء بيت صلاة لله ودماؤنا ما زالت على ملابس، وأبواب، وطعام وشراب جنرالات إرهابيين”.
وفاز صلاح، في 28 يناير 2013، بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في السعودية.