عدد العاطلين بالدول العربية وصل إلى 21.2 مليون عاطل في 2016م بما يمثل 14.9% من قوة العمل العربية
نسبة الشباب في إجمالي العاطلين عن العمل تتخطى 50% في 7 دول عربية
زيادة الخريجين ووجود فجوة كبيرة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات أنظمة التعليم من أسباب البطالة
تعد مشكلة البطالة من أهم التحديات التي تواجها الدول المتقدمة والنامية على السواء، وفي القلب منها بطالة الشباب نبض الأمة، وسر قوتها، وراسم مستقبلها.
وقد كشف التقرير الاقتصادي العربي الموحد (2017م) لصندوق النقد العربي عن وصول عدد العاطلين عن العمل في الدول العربية في عام 2016م إلى 21.2 مليون عاطل، بما يمثل 14.9 من إجمالي قوة العمل العربية، كما أن معدلات البطالة في شريحة الشباب (الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 24 سنة) هي الأعلى في العالم، حيث يقدر متوسط معدل بطالة الشباب في الدول العربية ككل عام 2016م بحوالي 26%، وبطالة الشباب بين الإناث حوالي 38%، مقارنة بحوالي 23% بالنسبة للذكور.
تتخطى نسبة الشباب في إجمالي العاطلين عن العمل عتبة 50% في سبع دول عربية، كما تفوق معدلات البطالة بين الإناث في شريحة الشباب معدلات البطالة لدى الذكور من الشباب من ضعف إلى ثلاثة أضعاف في عشر دول عربية، وتتركز بطالة الشباب بصفة خاصة في أوساط المتعلمين الذين يشكلون في بعض الدول العربية نسبة تصل إلى حوالي 40% من إجمالي العاطلين عن العمل، وفي الداخلين الجدد لسوق العمل الذين يواجهون تحديات ملموسة في الحصول على فرص وظيفية.
كما أن بطالة الشباب في الدول العربية تتسم بأنها ظاهرة طويلة الأجل، وهو ما يعكسه ارتفاع عدد العاطلين عن العمل لفترة تزيد على عام، حيث تتراوح نسبتها ما بين 40 – 70% من مجمل العاطلين عن العمل في بعض البلدان العربية، ويظهر الجدول التالي الوارد في التقرير للاقتصادي العربي الموحد (عام 2017م) لصندوق النقد العربي صورة واضحة عن معدلات البطالة في الدول العربية بصفة عامة وبطالة الشباب بصفة خاصة.
الأسباب والعوامل
وبالنظر إلى أسباب استفحال بطالة الشباب في الدول العربية، نجد أنها ترجع لعوامل متعددة، يأتي في مقدمتها انخفاض وتيرة النمو الاقتصادي لا سيما بعد انخفاض أسعار النفط، وفي الوقت نفسه عدم شمولية النمو المحقق لكافة شرائح المواطنين، وميله لشرائح خاصة، فضلاً عن التوجه الملحوظ نحو التراكم الرأسمالي على حساب الصناعات كثيفة العمل، إضافة إلى الزيادة في أعداد الخريجين لا سيما حملة المؤهلات العليا، ووجود فجوة كبيرة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات أنظمة التعليم، والاتجاه نحو الخصخصة بصورة غير رشيدة وضح فيها التضحية بالعمال لصالح المستثمرين، وهو ما ترتب عليه أيضاً انحسار دور القطاع العام وقدرته على استيعاب المزيد من العمالة، كما أن البنية التشريعية في جلها بنية شكلية كان لها دور في تقنين الفساد وانتشار المحسوبيات، فضلاً عن عدم ربط القطاع الخاص بمسؤوليته الاجتماعية، وفي بؤرتها المساهمة في حلحلة بطالة الشباب.
كل هذا يطرح آلية للخروج من أزمة البطالة لا سيما بطالة الشباب التي تعد قنبلة موقوتة، ويمكن الاستفادة من التجارب الدولية في علاج تلك المشكلة.
3 قنوات رئيسة
تناول صندوق النقد العربي -بناء على تجارب العديد من دول العالم- نوعين من السياسات لزيادة مستويات التشغيل وتوفير المزيد من فرص العمل لتخفيض معدلات البطالة خاصة بين أوساط الشباب، وهما: سياسات التشغيل النشطة، وسياسات التشغيل غير النشطة، وتشمل تدابير سياسة التشغيل النشطة عدداً من الآليات الداعمة لتشغيل العاطلين عن العمل عبر 3 قنوات رئيسة، تتمثل في:
1- البرامج الداعمة لزيادة مستويات المعروض من العمالة الماهرة كماً ونوعاً، وذلك عبر عدد من البرامج التي تستهدف تطوير أنشطة التعليم والتدريب بما يشمل التعليم التقني والتدريب المهني.
2- برامج زيادة مستويات الطلب على العمالة، وذلك بتسهيل توليد الوظائف، بما يتضمن برامج الأشغال العامة والإعانات المالية المقدمة للقطاع الخاص لدعم الأجور والتشغيل، بالإضافة إلى برامج توطين الوظائف وتأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة والحاضنات التكنولوجية.
3- التدابير الهادفة إلى التنسيق بين جانبي العرض والطلب وزيادة كفاءة سوق العمل، اعتماداً على عدة مؤسسات وآليات، مثل مكاتب التوظيف والمساعدة في البحث عن عمل، من خلال زيادة تدفق المعلومات المتعلقة بسوق العمل سواء على صعيد الطلب أو العرض، ومن ثم تقليص الفترة الزمنية اللازمة للبحث والحصول على فرص عمل مناسبة، كما تساهم تلك الآليات في مراقبة سير سوق العمل وتحسين أدائه.
ومن ناحية أخرى، فإن سياسات التشغيل غير النشطة تنصب على تدابير تقديم إعانات البطالة والتقاعد المبكر.
كما أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) وضعت خطة عمل لمعالجة قضية البطالة بين الشباب في المديين القصير والمتوسط، والمدى الطويل، وقد تمثلت هذه العناصر في المدى القصير والمتوسط فيما يلي:
– تبني السياسات الاقتصادية الكلية الكفيلة بمعالجة ضعف مستويات الطلب الكلي وتعزيز خلق الوظائف.
– تقديم الدخل الكافي لدعم الشباب العاطلين عن العمل لحين تحسن أوضاع سوق العمل وفق ضوابط والتزامات محددة.
– تبني تدابير فعالة هادفة إلى تعظيم العائد من برامج التشغيل.
– معالجة القيود الخاصة بتشغيل الشباب من أصحاب المهارات المحدودة.
– تشجيع رجال الأعمال وأصحاب المصانع على الاستمرار والتوسع في برامج التدريب الداخلي وبرامج التلمذة الصناعية.
كما تتمثل العناصر الأساسية لتعزيز فرص عمل الشباب على المدى الطويل فيما يلي:
– تعزيز نظام التعليم والعمل على إعداد وتجهيز الشباب لسوق العمل.
– تعزيز دور وفعالية التعليم والتدريب المهني للشباب.
– مساعدة ودعم الشباب للالتحاق بسوق العمل.
– إعادة تشكيل مؤسسات سوق العمل لتسهيل الحصول على فرص العمل ومعالجة الاستبعاد الاجتماعي (Social Exclusion).
السياسة الاقتصادية للفاروق
إنه مما لا شك فيه أن مؤشر التوظيف من أهم المؤشرات التي تتابعها الدول المتقدمة بكثب، وتحرص على الدفع به، والحيلولة دون أن تحتل معدلات البطالة لا سيما بين الشباب معدلات مرتفعة، وهو في الدول النامية أولى بالاهتمام، وقد كانت سياسة التوظيف من أهم السياسات التي بنى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، سياسته الاقتصادية، فقد سأل، رضي الله عنه، أحد ولاته: ماذا تفعل لو جاءك سارق؟ فقال الوالي: أقطع يده، قال عمر: وإذن فإن جاءني منهم جائع أو متعطل، فسوف أقطع يدك، إن الله سبحانه وتعالى استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإذا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها، يا هذا، إن الله خلق الأيدي لتعمل، فإن لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فأشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
إن مشكلة بطالة الشباب في الدول العربية وإن كانت قنبلة موقوتة لكنها ليست عصية على العلاج، ولكنها تحتاج إرادة مخلصة وإدارة رشيدة، لاتخاذ خطوات عملية لعلاج تلك المشكلة من جذورها، يأتي في مقدمتها تأهيل الاقتصاد الكلي لتحقيق الثقة، وجذب الاستثمارات وتعزيز النمو الداعم للتشغيل وذلك بتوفير بيئة اقتصادية محفزة للنمو الاقتصادي وخلق المزيد من فرص العمل، وذلك بتطوير البنية التشريعية، وجعل السياسة النقدية والمالية مسخرة لخدمة السياسة الهيكلية، فالسياسة النقدية ينبغي أن يكون لها قدرة على السيطرة على التضخم، وتحفيز التمويل للمشروعات، كما ينبغي للسياسة المالية أن تعمل على توفير الحوافز اللازمة لأنشطة التشغيل والتدريب، وتقديم الإعفاءات والمزايا الضريبية للمشروعات لا سيما الصغيرة والمتوسطة، مع مراعاة نوعية النشاط المستثمر فيه بصورة تزيد من القيمة المضافة، وتعمل على الإحلال محل الواردات، وتشجيع الصادرات، وتخلق هيكلاً للنشاط الاقتصادي يتسم بالمرونة والتنوع.
كما ينبغي تبني منهج متكامل (وليس ترقيعياً أو مظهرياً) لحفز مستويات تشغيل الشباب في إطار وإستراتيجيات وخطط وطنية هادفة للتشغيل ذات أهداف كمية ونوعية لخفض معدلات البطالة بشكل عام وبطالة الشباب بشكل خاص، وتوجيه برامج تشغيل الشباب نحو الأنشطة الاقتصادية الأكثر ديناميكية والمؤهلة بشكل أكبر للاستفادة من طاقات الشباب العربي، وفي مقدمتها الأنشطة التقنية، مع الاستفادة من الاستثمار الأجنبي وفقاً للمصالح المتبادلة، وبما يسهم في الاستثمار بمشروعات تجدد الجانب التقني، وتستوعب مزيداً من العمالة.
كما ينبغي للحكومات إشراك القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لتشجيع ريادة الأعمال لدى الشباب العربي، وتدعيم برامج تأهيل وتدريب العمالة، والتعاون كذلك مع المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بهذا الشأن.
كما تبدو أهمية تقديم حوافز لمنشآت القطاع غير الرسمي ليندرج تحت مظلة الاقتصاد الرسمي، مع تأسيس حاضنات فعلية لا سيما للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير لها سبل التمويل والتسويق وما يلزم لريادة الأعمال.
ومن الأهمية بمكان أيضاً ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل، لتعظيم مستويات الاستفادة من قدرات الشباب العربي وتقليل مستويات الهدر في الطاقات البشرية، وفي هذا الشأن يمكن محاكاة نظام التدريب المهني المزدوج المتميز في ألمانيا الذي يتيح لخريجي الثانوية العامة المفاضلة بين البدء في التدريب المهني ببعض المدارس المهنية لممارسة الحرف المختلفة والعمل في نفس الوقت مقابل أجر، أو مواصلة الدراسة الجامعية.