– أثناء الغزو لم يكن يوجد أي كيان معترف به لنتجمع فيه إلا الهلال الأحمر الكويتي
– الهلال الأحمر حرص على توثيق من قُتل في المستشفيات وتصويرهم وأخذ بصماتهم ومعلوماتهم
– تم القبض على ستة من المجلس المؤسس وهم السميط والشاهين والعجيل والبهبهاني والجعفر والمحيلان
– كنا نستهدف كل الشرائح ولم يكن هناك تمييز وكان من بيننا غير كويتيين يعملون معنا وتعرضوا للخطر
– المحتلون لم يتركوا هامشاً للحركة وكان جميع أعضاء الهلال الأحمر يجازفون بحياتهم
– رسالتي للشعب الكويتي أن نرجع إلى الله الذي أعاد لنا وطننا خلال 7 أشهر
يأتي شهر أغسطس كل عام ليحمل لكل كويتي مشاعر من الأسى والألم؛ نتيجة ما تعرض له الوطن من غزو غاشم لم يكن أحد يتوقعه من بلد شقيق وجار لنا، لكن هذه المحنة رغم قساوتها تحمل بعض الإشراقات التي يفخر بها كل كويتي من خلال جهود المقاومة والنضال التي ضربها الشعب لتحرير وطنه واسترداد كل ذرة رمل فيه.
من المؤسسات التي كان لها دور مهم في هذه الفترة جمعية الهلال الأحمر الكويتي، التي قامت بجهد مهم في معالجة الجرحى والمصابين.
في هذا الحوار، نلتقي بأحد أعمدة هذه المؤسسة في ذلك الوقت، وهو د. عبدالرحمن المحيلان، أمين عام الهلال الأحمر الكويتي أثناء الغزو.
في البداية، لو أعطيتنا نبذة عن ظروف انضمامكم للهلال الأحمر ودوره أثناء الغزو.
– كما يعلم الجميع، بأنه إذا صارت أي مصيبة خارج الكويت تتجمع الجمعيات الخيرية وتصب في بوتقة واحدة نطلق عليها «الإغاثة»، وقد حدثت مجاعات كثيرة في السودان والصومال، وعملنا كفريق واحد، وهذا من نعم الله علينا أن جعلنا تأتلف قلوبنا على حب عمل الخير، وهذه في دماء أهل الكويت ولله الحمد.
وحينما صار الغزو العراقي الغاشم على الكويت، لم يكن يوجد أي كيان معترف به لنتجمع فيه إلا جمعية الهلال الأحمر الكويتي، فهي تحمل اسم الكويت، وهي جمعية معترف بها دولياً، ونحن لم نكن بالجمعية كأعضاء مجلس إدارة، لكن جاءنا إخوان من مجلس إدارة الهلال الأحمر آنذاك، أتذكر منهم د. إبراهيم بهبهاني، والأخ عبدالكريم جعفر، وتشاورنا، وتجمعنا أن نعمل مجلس إدارة واحداً، هو مجلس إدارة الهلال الأحمر الكويتي أثناء الغزو الكويتي، وأتذكر من العون المباشر: د. عبدالرحمن السميط، يرحمه الله، ود. إبراهيم الشاهين، وعبدالرحمن المحيلان.
وأتذكر كذلك أن الأخ علي الزميع جاء، وهو كان في ذلك الوقت وكيلاً لوزارة الأوقاف، والأخ أحمد الفلاح، حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية، وكان عضواً معنا، وعبدالقادر العجيل، وكان معنا دلال الزبن، زوجة أحمد العدواني، يرحمه الله، وتوفي قبل الغزو أو في أثنائه.
كيف كانت آلية العمل خلال الغزو؟ وما أبرز الأدوار التي قام بها؟
– كان عمل الهلال الأحمر الكويتي خلال الغزو مقسماً إلى 4 أجزاء، من بينه الاهتمام بالمصابين الكويتيين، وهذه مهمة جداً، ونحاول الوصول إليهم بالأدوية، وإذا احتاجوا إلى عمليات نقوم بها في غرف خاصة، بواسطة الجراحين الكويتيين، وكانت تتم في أماكن سرية، ولذلك كان من عملنا مع د. عبدالرحمن السميط يرحمه الله، والشيخ إبراهيم الشاهين، أن ننقل أجهزة جراحية أو تساعد على الجراحة مثل التخدير وخلافه من المستشفيات المسيطر عليها من جانب الاحتلال العراقي، وليس لهم فيها حاجة ومن ثم نوصلها إلى الأماكن السرية الخاصة بإجراء العمليات، وبالفعل أنشأنا غرفاً سرية لذلك الغرض.
وعملُ الهلال الأحمر كان توثيق من قُتل وخاصة من الكويتيين في المستشفيات، وبالأخص في مستشفى مبارك، وتصويرهم، وأخذ بصماتهم، ومعلومات عنهم، وعملنا تقريباً أستوديو، وأحضرنا كاميرا في مكتبة الهلال الأحمر، لكن في النهاية تمت مصادرة هذه الكاميرا من العراقيين حين القبض علينا، وكان عملنا توصيل الأدوية والغذاء إلى المستشفيات قاطبة، فضلاً عن توزيعها إلى المواطنين والمقيمين الذين كانوا في الكويت، بالطبع تحركاتنا كانت موزعة على كل الكويت، وقد اجتمعنا كمجلس إدارة أكثر من مرة، لهذا شعر الاحتلال بالذي يجري، وحاولوا أن يجتمعوا معنا أكثر من مرة، واجتمعنا مع مدير الصحة، وبالطبع هو يزعجه أن يكون هناك مؤسسة كويتية تعمل.
في الأخير تم تلفيق تهمة، فقيل لنا: إن مدير الصحة يريد أن يقابلنا ويقابل مجلس الإدارة، بحيث يأتي إلينا في جمعية الأطباء الكويتيين بالجابرية، وكان ذلك في 15 سبتمبر الساعة الثامنة، وتجمعنا نحن الـ6 وهناك إخوة كانوا خارج المقر، ولديهم مشاغل، وبالتالي أخذونا لكي نقابل المدير وكانت خدعة، حيث قبضوا علينا وسجنونا في قصر نايف، وكانت التهم والتلفيقات جاهزة؛ أننا نتسبب في قتل الجنود العراقيين من خلال عدم توصيل الدواء لهم في مستشفى الجهراء.
ما ظروف القبض عليكم، وما واجهتموه خلال هذه الفترة، والتهمة التي وجهت إليكم؟ وكيف خرجتم منها؟
– تم القبض على ستة من المجلس، وتم سجنهم ما يقارب شهراً في قصر نايف، وبالتحديد د. عبدالرحمن السميط، ود. إبراهيم الشاهين، والأخ عبدالقادر العجيل، ود. إبراهيم البهبهاني، والأخ عبد الجعفر، وعبدالرحمن المحيلان، وكانت التهمة هي التآمر على عدم توصيل الدواء إلى الجنود العراقيين في مستشفى الجهراء، وسيتم ترحيلنا إلى بغداد.
والحقيقة أننا مكثنا 8 أيام لا أحد يعلم أين نحن، كنا نرى الكثير من الذين قُبض عليهم، وهناك من استشهد منهم، وكنا نسمع طلقات النار، وكنا نسمع الصراخ ليلاً حينما يقومون بتعذيب من يقبضون عليهم، وكانوا يخرجون بالليل الساعة الثانية فجراً ويرجعون الساعة الخامسة صباحاً وفي صحبتهم ما بين 30 و40 شاباً كويتياً في لباس النوم، وعلى عيونهم غطاء، وكانت أياماً سوداء، نسأل الله ألا يعيدها علينا.
وشاء الله عز وجل أن يتعرف إليَّ أحد الإخوة حينما شاهدني في الحمام، ونحن في السجن، وقد خرج بعد يومين أو ثلاثة، وأعتقد أنه بلغ عن مكاننا، ولما عرف الناس أوصلوا الخبر إلى الكبار، الذين اتصلوا بـ”صدام”، وعرفت أن عبدالعزيز الصقر -الذي كان رئيس الهلال الأحمر آنذاك- كان اتصاله مع الهلال الأحمر الدولي، وكان اتصالهم مع الرئيس عمر البشير؛ لأنه صديق للدكتور عبدالرحمن السميط، وكان الاتصال عن طريق أبو عمار، رئيس منظمة فتح الفلسطينية، وهكذا تمت الضغوط على القيادة العراقية ومن ثمّ خرجنا من السجن، وكانت أياماً سوداء ولا تُنسى.
هل كان لكم اتصال مباشر مع الحكومة في الطائف؟
– نعم كان لنا اتصال مع الحكومة في الطائف، وكان جزء من هذه الاتصالات عن طريق الشهيد يوسف المشاري، وعندما كان رئيس مجلس الإدارة د. علي الزميع كان له اتصال آخر، ولم نحرص على أن نعرف في ذاك الوقت ما هو، ولكن بعد ذلك عرفنا أنه كانت هناك اتصالات لا سلكية وخلافه، وكنا نتحاشى بالفعل أن نعرف كيف تأتي المعلومات خوفاً من أن يتم اعتقال أحدنا وتحت التعذيب يدلي بما لديه من معلومات، وكان هدفنا الوصول إلى أكبر عدد ممكن، لذا كان الاتصال عن طريق الأخ علي.
وأذكر أنه كانت توجد مقابلات مع خالد بودي، حينما كان في الحرس الأميري.
والشيء بالشيء يُذكر، عندما أخذنا العراقيون ونحن داخل جمعية الأطباء الكويتيين، والجمعية الطبية، كان الأخ علي مع الأخ خالد بودي في السيارة يريدان توصيل معلومة مهمة لنا، وكان الأخ خالد يتناقش مع الأخ علي، وحينما رأيا العراقيين دخلوا علينا، لاذا بالفرار، وهذا أمر طيب؛ لأنه لا ينبغي القبض عليهما خصوصاً أن لديهما معلومات غاية في الأهمية، وفي حالة القبض عليهما سيعرض الكويت لأمر خطير، وتعلمون أن هناك أناساً كثيرين يعملون لخدمة الكويت، في مجال توصيل المعلومات.
ما أبرز الشرائح التي كنتم تستهدفونها في الهلال الأحمر؟ وهل كان هناك تمييز بين الكويتي وغير الكويتي؟
– كنا نستهدف كل الشرائح، وبالتأكيد لم يكن هناك تمييز بين الكويتي وغير الكويتي، وأفخر أنه كان من بيننا غير كويتيين يعملون معنا، وتعرضوا للخطر، ومنهم من استشهد، ومنهم من سُجن وعُذب، وكل من كان في الكويت خرج كشعب واحد لا نستطيع التمييز بينهم.
وحينما قُبض علينا وأغلقوا الهلال الأحمر، كان هناك أناس آخرون أكملوا المسيرة في أماكن سرية، من الكويتيين وغير الكويتيين.
ما أبرز العقبات التي واجهتكم في تلك الفترة؟ وكيف تغلبتم عليها؟
– العقبات كانت كثيرة، ونحن بالطبع كنا نسيّر أعمالاً أخرى في أماكن غير الهلال الأحمر، ولكن كانت توجد هويات الهلال الأحمر أو غيره، فكانت الكويت قاطبة فيها مجموعات ويوجد أشخاص يعملون معهم، ويقومون بتوصيل الأدوية، وكانت هناك عمليات تجرى للمصابين، حيث كنا لا نستطيع أن ندخلهم إلى المستشفيات؛ لأن المستشفيات مسيطر عليها، ويعرفون الداخل والخارج، حتى المستشفيات الخاصة.
وكانت لنا اتصالات قوية مع المقاومة، وكان من مهامي أنا الشخصية أن أقوم بالاتصال مع المرحوم يوسف المشاري، وكنا ننسق كيفية التحرك، وكيف تتم العمليات، وكيفية الوصول إلى أكبر قدر أكبر لمن يحتاجون إلى المساعدة.
كذلك من الصعاب التي كانت تواجهنا حينما يكون عندنا شهداء ومتوفون، ونريد أن نصل إلى المقبرة، كنا نواجه صعوبات في ذلك، مع العلم أنه لم يكن من اختصاصي هذه المسألة، ولكن كانت جماعتنا هي التي تقوم بهذا الأمر، وكانوا يقابَلون بالعنف والشدة من العراقيين، ومنهم من تعرض للاعتقال والسجن بسبب هذا الأمر.
فالمحتلون لم يتركوا هامشاً للحركة، وفي الحقيقة حينما نفكر في هذه العقبات الآن نجد أنفسنا أننا كنا نجازف، وكذلك إخواننا وأخواتنا من المنتسبين إلى الهلال الأحمر، وهم جنود مجهلون يفتخر بهم، وأذكر منهم أخي العزيز عدنان فهد الجسار الذي كان ينقل من مخازن الشويخ إلى الهلال الأحمر ويقوم بالتوزيع على الناس في ظل مخاطرة كبيرة جداً.
وأعتقد أن كل الناس كانوا على مستوى المسؤولية، وكانوا يعرضون أنفسهم للمساءلة، وكنا نتحرك بهويات غيرنا فيها الهوية والاسم، وكذلك السيارات التي كنا نتحرك بها في نقل الأجهزة، فكنا نستخدم سيارات د. عبدالرحمن السميط ونمر على نقاط تفتيش متعددة، ولكن توجد أماكن أوقفونا فيها، وعلى سبيل المثال؛ أذكر حينما أردنا الوصول إلى المرحوم الشهيد أحمد دشتي، عندما أحضروه عند بيته وعذبوه، وحاولنا الوصول إليه لتقديم الإسعافات، ولكن حيل بيننا وبين ذلك بقوة السلاح، ولم نستطع تقديم المساعدة له حتى استشهد، ولذلك حينما شعروا بأننا نعمل داخل الكويت قرروا اعتقالنا بتهمة دعم المقاومة.
ما أبرز الدروس المستفادة من هذه التجربة؟
– أهم هذه الدروس أن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى، فهو بفضله أعاد لنا الكويت، وهذا هو أهم شيء، أن ترجع إلى ربك، لأنك فديت وطنك وعملت له في كل المجالات، فأنت لا تكذب ولا تخون، هذا هو أهم شيء.
فالوطن ذهب بين ليلة وضحاها، وفي لحظة ضاع، ثم أعاده الله إلينا؛ لذا علينا أن نحمد الله ونشكره وأن نستقيم لأجل أهلنا ووطننا، ولأجل البشرية جمعاء، وهذا البلد معطاء، وينبغي للشخص أن يراجع نفسه.
فعلينا الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، فهو الذي نجانا وأرجع لنا وطننا؛ لأنه لا يوجد وطن عاد بهذه السرعة في التاريخ كله، فالوطن عاد إلينا خلال 7 أشهر فقط، بعد أن تم تهجير أهله، وهذه هي رسالتي للشعب الكويتي، ونحمد الله ونحن نعتز بدولتنا ونعتز بحكامنا، ونسأل الله أن يهدي حكومتنا ومجلس الأمة والشعب، وما نراه الآن يدمي القلب، لكننا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ هذا الوطن.