مع بدء موسم الحج، تتزايد احتجاجات الصوماليين الذين تهفو قلوبهم للديار المقدسة على الأسعار الفلكية التي تحول دون أداء الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة.
وتواصل بورصة أسعار الحج ارتفاعها عاماً تلو الآخر في ظل غياب التسعيرة الحكومية، واحتكار شركتين فقط تقديم الخدمات وإصدار تأشيرات الحج.
لعقدين من الزمن استمر اكتواء الحجاج الصوماليين بنار الأسعار؛ لكن الحال تغير هذا العام عندما تدخلت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية لتحديد أسعار الحج؛ تلبية لاحتجاجات المواطنين الراغبين في أداء هذه الفريضة؛ ما أثار حفيظة شركات الطيران التي كانت تحتكر هذا المجال لسنوات.
غير أن تدخل الوزارة لم ينجح في تحديد سقف موحد لأسعار الحج هذا الموسم، بل أحدث تباينًا كبيرًا في الأسعار.
وتراوحت الأسعار بين ثلاثة آلاف وثلاثمائة دولار لثلاث شركات لتقديم خدمات الحج انضمت إلى السوق حديثًا، وثلاثة آلاف وثمانمائة وخمسين دولارًا لشركتي “دالو”، و”جوبا”، اللتين كانا تحتكران إصدار تأشيرات الحج، وهو ما حال دون إقدام بعض الراغبين في أداء الفريضة على مباشرة الإجراءات.
في السياق، قال مبشر عمر عبدالرحمن، مدير شركة “بلو سكاي” حديثة العهد في سوق الحج: إنه لأول مرة تسعى شركته، لنقل الحجاج الصوماليين إلى الديار المقدسة، وفقًا للسعر المحدد من الحكومة، ويقدر بثلاثة آلاف وثلاثمائة دولار.
وأضاف عمر، في حديث لوكالة “الأناضول”، أن الحجاج الصوماليين سيشهدون هذا الموسم خدمات جيدة تشمل الإقامة في فنادق بالقرب من الحرم إلى جانب ضمان عودتهم من دون عراقيل عكس السنوات الماضية.
واتهم عمر بعض الشركات (لم يسمها) بـ”رفع أسعار الحج حسب هواها”، دون تقييم الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد رغم أن الخدمات والتذاكر نفسها.
وفي يوليو الماضي، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الأسعار التي يدفعها الحجاج الصوماليون هذا العام، وتقدر بثلاثة آلاف وثلاثمائة دولار، وهذه هي المرة الأولى التي تتدخل فيها السلطات لضبط تكاليف الحج في البلاد منذ انهيار الحكومة المركزية عام 1991.
في المقابل، تحتج شركتا “دالو” و”جوبا” للطيران، اللتان كانتا تعملان في هذا المجال خلال العقدين الماضيين على سعي شخصيات رسمية، لتقويض جهودهما لخدمة الحجاج الصوماليين من خلال “توسعة خدمة الطيران، وتقديم أسعار منخفضة لا تعكس حقيقة تكلفة الحج”.
وأصدرت الشركتان مؤخرًا بيانًا توضحان فيه تكلفة الحج في هذا الموسم بنحو ثلاثة آلاف وثمانمائة وخمسين دولارًا أمريكي، بزيادة قدرها خمسمائة وخمسين دولارًا عن القيمة المعلنة من الحكومة الصومالية.
وعزت الشركتان تمسكهما بهذه القيمة إلى ارتفاع قيمة التأمين على طيرانهما أضعافاً؛ لأن شركات التأمين الدولية تعتبر الصومال منطقة صراعات، إلى جانب اعتبار الحج رحلات خاصة إلى جانب ارتفاع تكاليف خدمات الحج في كل موسم.
وأدى الجدل بين الحكومة الصومالية، ومسؤولي الشركتين حول ضبط قيمة الحج إلى إعفاء وزير الأوقاف والشؤون الدينية، حسن معلم حسين، بتهمة “الانحياز” لهاتين الشركتين.
وتعتمد الصومال كليًا على طائرات مستأجرة من قبل القطاع الخاص، وذلك بعد توقف الخطوط الجوية الصومالية؛ إثر اندلاع الحروب الأهلية في البلاد.
وبحسب وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، فإن تحديد تسعيرة الحج في البلاد يهدف إلى العمل على مطابقة أسعار الحج بغض النظر عن الأوضاع التي تعمل فيها الشركات.
وقالت الوزارة: إن الحكومة تقدر خدمات شركات الطيران التي تُسيّر الرحلات اليومية والموسمية طيلة السنوات الماضية، لكن علينا وقف تحويل الركن الخامس في الإسلام إلى موسم للأرباح.
وبين تلك الأسعار المتضاربة، يبقى الحج في هذا العام معضلة بالنسبة للكثير من الحجاج بين التكلفة الباهظة، والخوف من سوء الخدمات أثناء تأدية فريضة الحج.
في السياق، يقول عبدالولي أحمد، وهو أحد الصوماليين: إن التوجه إلى الديار المقدسة بات حلمًا بعيد المنال نتيجة الأسعار الفلكية التي غالبًا ما تعرضها شركات الطيران رغم قلة البعد الجغرافي الذي يفصلنا عن السعودية.
وأضاف: “أردت زيارة بيت الله الحرام في هذا العام، لكن تضارب الأسعار والاختلاف بين شركات النقل يقلقني كثيرًا، ولا أستطيع تحمل سوء الخدمات”.
واتهم الصومالي، الذي يدخل في عقده السابع، شركات نقل الحجاج الصوماليين بـ”سوء الخدمات، من خلال حجز فنادق غير مناسبة تبعد عن الحرم، أكثر من نصف ساعة واستخدام حافلات قديمة لنقلهم من وإلى الديار المقدسة”.
من جهته، قال عبدي حسن: إن الأسعار الجنونية، واختلاف الشركات لا ينبئ بخدمات جيدة في هذا الموسم، متوقًعا أن يكون أسوأ من الأعوام الماضية فيما يتعلق بنقص الخدمات المقدمة للحجاج الصوماليين.
وأضاف: “كنت أتوق إلى زيارة الأراضي المقدسة، لكن أصحاب الشركات يتاجرون ويربحون على حساب الحجاج، سننتظر العام المقبل مع انخفاض الأسعار و”توفير” خدمات ترضي الحجاج”.
ويطالب الحجاج الصوماليون وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بفرض رقابة صارمة على الشركات التي تنقل الحجاج لعدم التلاعب بالأسعار حسب رغباتها على حساب المواطنين.
ووفقًا للوزارة، بلغ عدد الحجاج المخصص للصومال تسعة آلاف حاج خلال العامين الماضيين، مقارنة بسبعة آلاف وأربعمائة في عام 2016، وذلك بعد توسعة مرافق الحج.
وتعمل نحو 5 شركات طيران في مجال النقل للحجاج إلى الأرضي المقدسة، اثنان منهما لديهما تصاريح السفر للسعودية، بينما تعتمد ثلاث أخرى على رحلات الترانزيت (التوقف المؤقت في مطار عبور) في نيروبي وجيبوتي، ليتم نقل الحجاج عبر الخطوط السعودية والإماراتية.