تُصادف اليوم 9 أبريل، الذكرى الـ 71 لمجزرة دير ياسين التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في مدينة القدس عام 1948، وأدت لاستشهاد أكثر من 350 فلسطينيًا.
وقد بدأت المجزرة عقب هجوم إرهابي من قبل منظمتين عسكريتين صهيونيتين هما “الأرجون” و”شتيرن ليحي”، على قرية دير ياسين غربي مدينة القدس المحتلة، منتصف ليل التاسع أبريل عام 1948.
ووفق روايات توثيقية للمجزرة، فقد استغلت العصابات الصهيونية غياب رجال القرية الذين خرجوا للمشاركة في “معركة القسطل”، وآخرين ذهبوا للقدس للمشاركة في تشييع القائد عبد القادر الحسيني.
وحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (رسمي)، فإن الصهاينة تفاجأوا بنيران الأهالي التي لم تكن في الحسبان، وسقط من اليهود 4 قتلى، وما لا يقل عن 32 جريحًا.
وقد استمرت المجزرة الوحشية الصهيونية حتى ساعات الظهر، وقبل الانسحاب من القرية جمع الإرهابيون اليهود كل من بقي حيًا من المواطنين العرب داخل القرية وأطلقت عليهم النيران لإعدامهم أمام الجدران.
ومنعت الجماعات اليهودية، في ذلك الوقت، المؤسسات الدولية، بما فيها الصليب الأحمر، من الوصول إلى موقع الجريمة للوقوف على ما حدث على أرض الواقع.
وخلفت المجزرة 360 شهيدًا كما ورد بشهادة مندوب الصليب الأحمر د. جاك دو رينيه، في حينه.
وفي صيف عام 1949، استوطنت مئات العائلات من المهاجرين اليهود قرب قرية دير ياسين، وأطلق على المستعمرة الجديدة اسم “جفعات شاؤول بت” تيمنًا بمستوطنة “جفعات شاؤول” القديمة التي أنشئت عام 1906.
ولا تزال قرية دير ياسين قائمة في معظمها، وضُمت إلى مستشفى الأمراض العقلية الذي أنشئ في موقع القرية، وتستعمل بعض المنازل التي تقع خارج حدود أراضي المستشفى، لأغراض سكنية أو تجارية.
أما مقبرة القرية القديمة -الواقعة شرقي الموقع- فقد اكتسحتها أنقاض الطريق الدائرية التي شُقّت حول دير ياسين.
تفاصيل مروعة وانتهاكات جسيمة
وروى بعض من نجوا أن العصابات الصهيونية قامت بالتمثيل بالجثث، وبقر بطون النساء الحوامل والمراهنة على نوع الأجنة، وقتل الأولاد والتمثيل بهم أمام أعين أمهاتهم، وقتل الأحياء حرقًا، وترك الجثث بالعراء، إضافة إلى ممارسات شائنة ارتكبت بحق الفتيات الفلسطينيات الصغيرات، قبل ذبحهن.
وأُلقي 53 من الأطفال الأحياء وراء سور المدينة القديمة، واقتيد 25 من الرجال الأحياء في حافلات ليطوفوا بهم داخل القدس طواف النصر على غرار الجيوش الرومانية القديمة، ثم تم إعدامهم رميًا بالرصاص.
وألقيت الجثث في بئر القرية وأُغلق بابه بإحكام لإخفاء معالم الجريمة. بينما قام أفراد الهاجاناه الذين احتلوا القرية بجمع جثث أخرى وفجروها لتضليل مندوبي الهيئات الدولية وللإيحاء بأن الضحايا لقوا حتفهم خلال صدامات مسلحة.
المشاركون في المجزرة
ارتكبت المجزرة منظمتان عسكريتان صهيونيتان هما؛ “الأرجون” (التي كان يتزعمها مناحيم بيجين، رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما بعد) و”شتيرن ليحي” (التي كان يترأسها إسحق شامير الذي خلف بيجين في رئاسة الوزارة)، باتفاق مسبق مع عصابات “الهاجاناه” الصهيونية.
وقد استعان الإرهابيون بدعم من قوات “البال ماخ” في أحد المعسكرات بالقرب من القدس، حيث قامت من جانبها بقصف دير ياسين بمدافع الهاون لتسهيل مهمة العصابات المهاجمة.
وقعت المذبحة على مرأى ومسمع من قوات الانتداب البريطاني، فمدير مكتب الشرطة البريطانية في المدينة لم يكن يبعد سوى كيلومترات عن البلدة، وحين طلب منه السكان التحرك قال إن هذا ليس من شأنه، وفق إفادة مؤلف أطلس فلسطين، سليمان أبو ستة.
وأكد الشرطي السابق زمن الانتداب جيرالد جرين أن البريطانيين خذلوا السكان العرب بدل حمايتهم، وذلك بعد أوامر عليا بعدم التدخل في ما يجري على الإطلاق.
وذكر رئيس مركز الشرق الأوسط ببريطانيا أن “البريطانيين كانوا مسرورين لهذه النهاية ويتفرجون على ما يجري دون أن يحركوا ساكنًا”.
تفاخر مناحيم بيجين
وكانت هذه المذبحة، وغيرها من أعمال الإرهاب والتنكيل، إحدى الوسائل التي انتهجتها المنظمات الصهيونية المسلحة لتفريغ فلسطين من سكانها عن طريق الإبادة والطرد.
وقد عبَّرت الدولة العبرية عن فخرها بمذبحة دير ياسين، بعد 32 عامًا من وقوعها، حيث قررت إطلاق أسماء المنظمات الصهيونية: الأرجون، وإتسل، والبال ماخ، والهاجاناه على شوارع المستوطنة التي أُقيمت على أطلال القرية الفلسطينية.
كانت مذبحة دير ياسين ركنًا أساسيًا في تنفيذ خطة التطهير العرقي في فلسطين، ولولاها وغيرها من المذابح لما تسنّى إقامة الكيان الإسرائيلي.
وشكلت المجزرة عاملًا مؤثرًا في الهجرة الفلسطينية إلى مناطق أُخرى من فلسطين أو البلدان العربية المجاورة، لما سببته من حالة رعب عند المدنيين، ولعلّها الشَّعرة التي قصمت ظهر البعير في إشعال الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948.
وتأكيدًا لذلك أرسل مناحيم بيجين (رئيس وزراء الاحتلال الأسبق) برقية تهنئة إلى رعنان قائد “الأرجون” المحلي قال فيها: “تهنئتي لكم لهذا الانتصار العظيم، وقل لجنودك إنهم صنعوا التاريخ في إسرائيل”.
وفي كتابه المعنون “الثورة” كتب بيجين يقول: إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي. وأضاف قائلاً: “لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل”.