تسعى المؤسسات التربوية والتعليمية ومنظماتها المتضامنة في دول العالم إلى مواكبة التطور السريع في شتى مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية.
وقد تم تسخير الموارد البشرية والمادية سعياً للقمة أو لحاقاً بركب ثورة المعرفة والتكنولوجيا، ولا يتأتى ذلك إلا بدعم وتعزيز أسس وعناصر النظام التعليمي وبيئته الحاضنة لتقديم تعليم فعال ذي معنى يلبي احتياجات الأفراد، ويمكنهم من المشاركة الفاعلة في تحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي والتنافس في الإبداع والابتكار في مجالات العلوم النظرية التطبيقية والتكنولوجيا.
في زمن تتضاعف فيه المعرفة بمتوالية هندسية -وقد قدر لها بعدد من السنوات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة- بدأت الحدود والفواصل تتلاشى لتعود لطبيعتها الأصلية ككيان مترابط ومتكامل قبل ظهورها مجزأة بصورة محتوى علمي بالمناهج الدراسية في الأنظمة التعليمية، وفي الفصول الدراسية والمختبرات بين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
مع مطلع القرن الحادي والعشرين، شهدت التربية العلمية حول العالم تطوراً بارزاً في التوجهات العالمية، لتؤكد أهمية التكامل بين العلوم والرياضيات من حيث المحتوى العلمي والإستراتيجيات التدريسية وأدوات التقييم والقياس وأساليب التقويم؛ بغرض تقديم تعليم ذي جودة ومعنى.
دمج تدريس العلوم
وعليه، تبدو الحاجة ملحة من الناحية العملية والممارسات التدريسية والبحثية من خلال اقتراح الإستراتيجيات التدريسية المناسبة التي يمكن أن يقوم عليها دمج تدريس العلوم وتدريس الرياضيات في إستراتيجية قائمة على التطبيقات الحياتية الوظيفية، وتكون ذات معنى بالنسبة للمتعلم لدمج تدريس:
– العلوم (Science): وتعني معرفة الحقائق والمفاهيم والمبادئ والقوانين والنظريات الأساسية في مجال العلوم، والقدرة على الربط والاقتران بين الأفكار، والممارسات والمهارات والعمليات والأساليب الخاصة بالتفكير العلمي والإبداع، واتخاذ القرارات التي تنمي المعرفة وتحل المشكلات الحياتية الواقعية.
– التكنولوجيا (Technology): وتعني القدرة على إدارة وفهم وتقييم التكنولوجيا وكيفية تطويرها وبناء النماذج والتصاميم، وامتلاك المهارات اللازمة لتحليل كيفية تأثيرها واستخدامها في تطوير وتحسين الحياة، وتقديمها بطريقة فاعلة وشيقة ومثمرة.
– الهندسة (Engineering): وتعني القدرة على حل المشكلات وإنجاز الأهداف عن طريق تطبيق عملية التصميم الهندسي بوصف وتحليل البيانات وبناء النماذج ضمن تطبيقاتها عن طريق تضمين المبادئ التحليلية والمهارات التنبؤية، كمدخل وأسلوب منظم لتصميم الأشياء والعمليات والنظم بهدف تلبية الحاجات والرغبات والمتطلبات الحياتية الملموسة.
– الرياضيات (Mathematics): وتعني قدرة المتعلم على تحديد وفهم الأدوار التي تؤديها الرياضيات في ممارساتنا اليومية، وإعطاء معنى من خلال توظيفها في العمليات الحسابية والتقييم والقياس لتطوير وتحسين الحياة.
وكان ذلك مقدمات لظهور توجه «STEM»، الذي نعرفه بأنه «تصميم تعليمي شامل ومترابط ومتجانس ومتكامل لتمكين المتعلمين من المفاهيم والقوانين والنظريات العلمية التي تجمع بين محتوى المواد الأربع (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات) بصورة وظيفية، من خلال أنشطة تعليمية قائمة على الاستقصاء والتجريب وتنفيذ مشروعات لإيجاد حلول وبدائل لمشكلات مرتبطة بواقع حياة المتعلمين وبيئتهم ومجتمعهم».
منهج متكامل
يسعى توجه أو منحنى «STEM» لتضمين الخبرات التعليمية والتدريسية من خلال منهج متكامل متعدد التخصصات لتحقيق تعليم ذي معنى، بتطبيقات عملية وممارسات مكثفة لأنشطة متمركزة حول المتعلم، ويكمن جوهر التحدي الذي يواجه دمج تدريس العلوم والرياضيات بصور فاعلة في استحضار المعلم للمحتوى العلمي لمنهجي العلوم والرياضيات، والإجراءات التدريسية المناسبة عند إعداد مشاريع أو تحضير دروس لتنفيذ الأنشطة التدريسية ليقوم بها المتعلم بصورة متكاملة، لتُسهم في تحقيق أهداف تعليم وتعلم العلوم والرياضيات، إلا أن تطبيق منحنى «STEM» أيضاً يواجه بعض التحديات في المدارس، منها الآتي:
– تطوير أداء المعلمين وتنمية مهاراتهم وإكسابهم الكفايات المهنية، وتدريبهم على هذا المنحنى لتصميم وتنفيذ أنشطة متمركزة الاستقصاء لإيجاد حلول وبدائل لمشكلات حقيقية مرتبطة بالمتعلم ومجتمعه وبيئته.
– البيئة التعليمية الحاضنة لمنحى «STEM» تتطلب تجهيزات معملية تكنولوجية ومواد وأدوات لتعزيز مزاولة المتعلم لهذه الأنشطة البحثية العملية بفاعلية، وإتاحة الفرصة للبحث والتجريب كعلماء ومهندسين بطريقة علمية مبتكرة تشجعهم على الانغماس والانخراط في ورش عمل تكامل بين تلك العلوم، وتمكنهم من تنمية معارفهم ومهاراتهم بطريقة ميسرة بأسلوب ممتع ومشوق وفيه درجة عالية من التحدي والإبداع والابتكار، لذا من المهم توجيه اهتمام القائمين على العملية التعليمية من معلمين ومشرفين وأصحاب القرار إلى تهيئة البيئة الصفية واللاصفية بتجهيزات متنوعة وتكنولوجيا تناسب وطرق التدريس الحديثة.
– محتوى المنهج لا بد أن يقدَّم في صورة وظيفية وذات معنى للمتعلم والمجتمع تدمج الرياضيات والعلوم، وتقدم للمتعلم بصورة مترابطة ضمن مشروعات تطبيقية تقدم حلولاً هندسية مبتكرة بالاستعانة بالتكنولوجيا وبصورة إبداعية.
– تطوير أدوات قياس وأساليب تقييم وتقويم أصيلة وحقيقية قائمة على الأداء بعيداً عن حفظ واسترجاع المعرفة؛ كالمشاريع والعروض العملية والملف الإنجازي والمسابقات المحلية والعالمية.
وخلاصة القول:
نعتقد أن تبني منحى «STEM» في تطوير العملية التعليمية يقدم إجابات لتساؤلات المتعلمين: لماذا ندرس الرياضيات والعلوم ولم نلمس أي فائدة منهما في حياتنا، إلا أنه فقط متطلب ملزم لاستكمال الدراسة والنجاح والحصول على وظيفة؟
وكذلك يبين لنا أسباب عزوف المتعلمين عن دراسة التخصصات العلمية وخاصة الرياضيات والفيزياء.