إنها هي.. مجلة «المجتمع» الكويتية، التي امتد عمرها بفضل الله وتوفيقه فوصل نصف قرن من الزمان، فاللهم بارك! وها هي تحتفل الآن بطول العمر واستمرار المسير وتنوع العطاء، لتطفئ خمسين شمعة قد مرت عليها، وكل شمعة منها قد شاركت قبل انطفائها في بث النور في القلوب، والوعي في العقول، والتزكية في النفوس؛ فهي لم تنطفئ إلا لتنير، وما أنارت إلا ليتجدد الميلاد! فجزى الله خيراً كل من كان سبباً في ميلادها منذ إيقاد شمعتها الأولى، وأثاب من أعان على استمرارها إلى يومنا هذا، وجعل ذلك في ميزان الصدقات الجاريات لهم جميعاً بالخير إلى يوم الدين.
وقد وُلدت «المجتمع» في وقت كان للقراءة فيه النصيب الأوفى من الناس، حيث لم يكن يشغلهم هاتف، ولا إنترنت، ولا «فيسبوك»، ولا «واتس أب»، ولا غير ذلك من الوسائل الحديثة التي يُساء استخدامها من بعض الناس حتى تأكل الوقت أكلاً، بل وتقتله عمداً وسهواً! فكانت القراءة وقتها بالنسبة لكثير من الناس كالطعام والشراب، يجد فيها الجاهل معرفته، والمهموم سلوته، والفارغ تسليته، لا سيما إذا كانت تخاطب كل الناس في مختلف بلدانهم وتعدد ثقافاتهم، وتطل عليهم بانتظام كل أسبوع فتأتي لهم ببعض أخبار البلدان، وما فيه تزكية الوجدان، وتحكي معهم قصص السابقين وأنباء الصالحين، وتعبُر بهم إلى القارات وتطير إلى ما وراء البحار، وذلك مع تنوع موادها وتخصص كُتّابها وحسن ترتيبها وإخراجها، ووصولها إلى معظم بلدان العالم الإسلامي إن لم يكن كله، وهذا في ظني من عوامل استمرارها ونجاحها.
«المجتمع».. والتكنولوجيا الحديثة:
وقد سارت «المجتمع» جنباً إلى جنب مع الطفرة التكنولوجية الحديثة، يظهر ذلك في حسن ثوبها وجمال إخراجها، وتألق ظهورها على موقعها الخاص بها على الإنترنت، وقد يتيح ذلك رجوع الباحثين إليها للاطلاع أو الاقتباس منها، لا سيما مع اجتماع أفراد أسرتها من جميع أعدادها التي صدرت منذ أول نشأتها إلى يومنا هذا، وذلك في أرشيفها المميز الذي لا يجد القارئ صعوبة في الوصول إليه ومعرفة طريقه للقراءة والاستفادة منه، وتيسير ذلك لمن أراد طباعة مقال منها أو إرساله لغيره عبر وسائل التواصل الأخرى، لذا فلا عجب أن تجد بعض موضوعاتها وموادها على صفحات ومواقع إلكترونية أخرى نقلت واقتبست عن «المجتمع».
وفي المقابل، فإن البعض يرغب في قراءتها خاصة بعد أن صارت شهرية، لكنه قد لا يجدها متوفرة في مكتبة بلده، أو لا يستطيع شراءها لأي سبب، وهو مع ذلك ربما لا يعرف أن بإمكانه أن يقرأها كاملة على موقعها الإلكتروني ظناً منه أنها تخرج ورقية فحسب، وهذا يتطلب من «المجتمع» مزيداً من التعريف والإعلان عن نفسها.
«المجتمع».. أهداف وآمال:
من أهم أهداف المجلة تحقيق الأخوة الإيمانية في مختلف بقاع الأرض؛ عن طريق معرفة أخبار المسلمين في العالم الإسلامي وغيره، والتعريف بقضاياهم وأحوالهم -وهذا نادراً ما تجده في أي مجلة أخرى- بل إنه قد يشغل حيزاً كبيراً من مساحة المجلة يتسع اتساع هذا العالم، وإن كل ساعة يتعرف القراء فيها على قضايا الشعوب المسلمة، ويعيشون معها بعقولهم وقلوبهم، فيفرحون لخيرهم، ويتداعون من أجلهم، ويعيشون معهم ولو على أوراق المجلة؛ لهي ساعة خير وحب وأخوّة، يتعبدون الله تعالى بها ويتقربون إليه فيها، لكني آمل أن يزداد أيضاً نشر الأخبار الإيجابية في عالم المسلمين؛ سياسياً واقتصادياً وعلمياً واجتماعياً وتربوياً، والتعريف بنوابغ العصر الحديث من أبنائه في كافة التخصصات التي تأتي بالأمل في نفوس القراء وتعود عليهم بالحب والترابط بين جسد الأمة الواحد الذي تجمعنا به مجلة «المجتمع».
وإن من الأهداف الأساسية للنشر والقراءة تزكية النفس والارتقاء بالعقل والقلب معاً، وهذا ما تحرص «المجتمع» عليه؛ حيث تخصص له بعض الصفحات التي تتسع للمناسبة كما يحصل في شهر رمضان، وحدث الهجرة النبوية، وفي موسم الحج والعيدين، مما يتيح للقارئ أن يعيش هذه الأجواء الإيمانية ويجدد إيمانه معها، وإنني مع ذلك آمل أن تكبر مساحة هذه الصفحات التربوية ليس في المناسبات فحسب، بل في كل عدد من أعداد المجلة، وذلك للحاجة الكبيرة لها في هذا الوقت الذي طغت فيه الماديات، وتعرض فيه الكثيرون لامتحان القلوب، وظهرت فيه فتن الحياة، ولأن مجلة «المجتمع» يُقتبس منها، فإن دورها في هذا سيكون عظيماً ومؤثراً ومهماً.
«المجتمع».. والميلاد الجديد:
ومع مرور الأيام وانقضاء الشهور، وصلت «المجتمع» إلى عامها الخمسين، بفضل الله عز وجل، وهي مع هذا العمر لم يُصِبْها الشَّيب! بل كل يوم تزداد تأنقاً وتألقاً، وهذا يؤكد أهمية الكلمة البناءة، والخبر الصادق، ويدل على أن لغة القراءة ما زالت -بحمد الله- تتربع على عرش العقول الواعية عند كثير من أبناء هذه الأمة الولّادة التي تؤمن بأن أولى كلمات القرآن الكريم التي أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هي كلمة «اقرأ»، وتوقن أن القراءة الصحيحة هي سبيل العلم، وهي التي تكون باسم الله، وفي سبيل إعلاء دين الله، وأن الإخلاص في القراءة وفي كتابة كلماتها هو طريق القبول، وأن الصبر إذا تعانق مع هذا الإخلاص أتى العون والمدد من الله، وكان الطريق إلى الاستمرار وتدفق الحروف الطيبة وانتظامها في طابور العمل الجاد، وكان الثبات في المسير والميلاد المتجدد.
ألا وإن كل يوم يحرص فيه القراء على اقتناء المجلة وقراءة محتواها، ونشر مادتها عبر الوسائل المتاحة؛ إنما هو سبب في تجدد ميلادها شهراً بعد شهر، وعاماً وراء عام، وإن كل يوم يمر على «المجتمع» وهي تؤدي دورها في توعية المسلمين وتزكية نفوسهم، وبث الألفة بينهم لهو ميلاد جديد لها وأيّ ميلاد!