ذهب تقرير التمويل الاجتماعي الإسلامي للمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بجدة إلى أن التمويل الاجتماعي الإسلامي يضم الزكاة والأوقاف ومؤسسات التمويل الأصغر لخلق فرص عمل للفقراء، وذلك من خلال ثلاثة أنماط من المؤسسات التي تقدم التمويل الإسلامي الأصغر، وهي:
الأولى: مؤسسات تمويل أصغر تستخدم عقوداً تمويلية ربحية، وتسعى إلى تحقيق أرباح متواضعة لضمان استدامة التمويل.
الثانية: مؤسسات إسلامية غير ربحية وتعاونيات قائمة على الأعضاء تقدم خدمات التمويل الأصغر، وتستند كذلك إلى عقود تمويلية ربحية.
الثالثة: مؤسسات إسلامية غير ربحية وتعاونيات قائمة على الأعضاء تقدم خدمات التمويل الأصغر، وتستند إلى عقود تمويلية غير ربحية، مثل القرض والوكالة والكفالة.
خصائصه:
يتسم التمويل الاجتماعي الإسلامي بخصائص متعددة، من أهمها:
1- أنه تمويل ذات أبعاد اجتماعية، فهو جزء لا ينفصم من طبيعة التمويل ذاته، سواء أكان ربحياً أم غير ربحي.
2- أنه تمويل يتفق وأحكام مقاصد الشريعة الإسلامية، فلا يعرف للربا والنشاط المحرم سبيلاً، ولا للحيل المذمومة في المعاملات المالية طريقاً.
3- أنه تمويل يهدف إلى التمكين الاقتصادي وتنمية المجتمع وعمارة الكون، فهو منهج عملي لمفهوم الاستخلاف في المال، وما يتطلبه من مسؤولية استخلافية.
4- أنه تمويل متنوع ومتعدد الأساليب التمويلية، حيث ينقسم إلى:
أ- التمويل الاجتماعي الخيري (غير الربحي): وهو قائم على التبرعات والبر والإحسان؛ كالقرض الحسن والصدقات التطوعية والزكاة والوقف.
ب- التمويل الاجتماعي الربحي: وهو قائم على الربحية المتواضعة التي تراعي الجوانب الاجتماعية، وتسعى في الوقت نفسه لضمان استدامة التمويل، وينقسم بدوره إلى:
– التمويل الاجتماعي بالمعاوضة: وهو قائم على المعاوضات كالبيع الآجل وبيع السلم وبيع الاستصناع والتأجير سواء أكان منتهياً بالتمليك أم خدمات، فضلاً عن الوكالة بالاستثمار.
– التمويل الاجتماعي بالمشاركة: وهو قائم على المشاركات كالمشاركة المؤقتة، والمشاركة المتناقصة، والمضاربة، والمزارعة، والمساقاة، والمغارسة.
5- أنه تمويل يقوم على أساس دراسات الجدوى من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا يعني أن المشروعات عند دراستها تخضع للأولويات الإسلامية من ضروريات وحاجيات وتحسينات؛ مما يحقق تخصيصاً أمثل للموارد، وتنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة.
6- أنه تمويل يعمل على بناء الإنسان من خلال قدرته على التمكين الاقتصادي، ومن ثم بناء رجال وسيدات أعمال في المجتمع، والانتقال بالمحتاجين من كونهم اليد السفلى لتكون يدهم عليا، تعطي ولا تأخذ.
أهميته:
تبدو أهمية التمويل الاجتماعي الإسلامي من خلال كونه عبادة يتقرب بها الممول إلى الله عز وجل إذا أخلص له النية فيها بتلبية الحاجات المشروعة للخلق وإعمار الكون، كما أنه قد يكون فرض عين من خلال التمويل التمليكي بالزكاة، أو فرض كفاية من النوعية الأخرى من التمويلات، توفيراً للاحتياجات التمويلية للعباد، لإعانتهم على طاعة الله، وتمكينهم اقتصادياً، ومن ثم تقوية بنيان الدولة الاقتصادي، وإعانتها على تحقيق دورها في سياسة الدنيا وحراسة الدين.
والتمويل الاجتماعي الإسلامي وسيلة من وسائل تحقيق مقاصد الشريعة، باعتبار حفظ المال من المقاصد الشرعية الخمس (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال) التي ترجع إليها تصرفات العباد، فضلاً عن كون التمويل الاجتماعي الإسلامي يمتد لحفظ الدين والنفس والعقل والنسل كذلك، بقدرته على التمكين الاقتصادي، ومن ثم التمكين الاجتماعي، كما أن التمويل الاجتماعي الربحي إحدى الوسائل المشروعة للكسب، فرغم أن ربحيته متواضعة لاستدامة التمويل، فإن فيه دوراناً للمال وتقليبه، وتسخيراً للموارد الاقتصادية البشرية والمادية، ومن ثم إشاعة الخير والنماء في المجتمع.
يشير تقرير التنمية العربية إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية ما زالت تشكو من صعوبة التمويل المناسب، بالرغم من تعدد الجهات التي تقدم التمويل لهذه المشروعات سواء أكانت داخلية؛ مثل المؤسسات المصرفية، وجمعيات القروض الصغرى، وشركات التأجير التمويلي، وشركات الاستثمار، بالإضافة إلى آليات التمويل من خلال الأسواق التي تستهدف تلك المشروعات في بعض الدول العربية، أم كانت جهات خارجية؛ مثل الحساب الخاص الذي يديره الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وتمويل البنك الإسلامي للتنمية، وتمويل المنظمات الدولية.
ومما يؤسف له أن هذا التخبط التمويلي في الدول العربية لم يحقق الحماية لأبنائها من الفقر والبطالة؛ حيث يشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد إلى أن نسب الفقر في الدول العربية وفق خطوط الفقر الوطنية تتراوح بين 4.8% في المغرب، و48.6% في اليمن، كما يشير البنك الدولي إلى أن نسبة البطالة في الدول العربية بلغت نحو 10%، وهو ما يمثل نحو ضعفي معدل البطالة في العالم.
إنه رغم ما تعانيه المجتمعات العربية من فقر وبطالة، فإن التمويل في الجانب الاجتماعي في تلك المجتمعات ما زال متواضعاً، وهذا الأمر يطرح إشكالية تتعلق بالتمويل الاجتماعي الإسلامي ومدى قدرته على المساهمة في التمكين الاقتصادي من خلال تمويل المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة، وقد تعددت تعريفات تلك النوعية من المشروعات وفق رؤية المؤسسات الدولية والإقليمية والوطنية المعنية بها، «حيث عرفت منظمتا العمل الدولية والعربية المشروعات الصغرى أو متناهية الصغر بأنها المشروعات التي يعمل بها من 1 – 4 عمال، والمشروع الصغير الذي يعمل به من 5 – 19 عاملاً».
ولعل التوجه نحو الشمول المالي الذي تتبناه المؤسسات الدولية والمحلية يفتح المجال بصورة فعالة للاهتمام بالتمكين الاقتصادي؛ حيث إن الشمول المالي يعني: «إمكانية وصول الأفراد، بمن فيهم أصحاب الدخل المنخفض، والشركات، إلى مجموعة واسعة من الخدمات المالية الرسمية ذات جودة عالية (مدفوعات، تحويلات، ادخار، اقتراض، تأمين.. إلخ)، يتم توفيرها بطريقة مسؤولة ومستدامة من قبل مجموعة متنوعة من مقدمي الخدمات المالية في بيئة قانونية وتنظيمية مناسبة وبكلفة معقولة».
وفي ظل الحاجة الماسة إلى اتباع أساليب مبتكرة لتحفيز النمو الاقتصادي، يمكن للشمول المالي القيام بدور بالغ الأهمية في خلق فرص عمل والحد من الفقر وتحقيق التنمية بالمفهوم الشامل والمستدام؛ فالأفراد والمشروعات الصغيرة والمتوسطة الذين تتوافر لديهم فرص الوصول إلى مصادر التمويل الرسمية والحصول على التمويل، يكونون قادرين على إنشاء أنشطة مدرة للدخل ومشروعات جديدة والتوسع في المشروعات القائمة.
وتشير نتائج قاعدة بيانات الشمول المالي، على مستوى الدول العربية، إلى أن متوسط نسبة الذين يمتلكون حساباً في مؤسسة مالية قد ارتفع من 22% عام 2011 إلى 37% عام 2017م، وذلك مقارنة بارتفاع المتوسط العالمي الذي ارتفع من 51% عام 2011 إلى 69% عام 2017م؛ وهذا يعني انخفاض مستوى الشمول المالي في الدول العربية مقارنة بالمتوسط العالمي.
ومن هنا، جاء الشمول المالي على رأس أولويات صناع القرار على مستوى العالم كأولوية اقتصادية وإنمائية؛ نظراً لدوره الكبير في دعم النمو الاقتصادي، وتقليل التفاوت في توزيع الدخل، وتوفير فرص العمل، وزيادة مستويات الرفاه الاقتصادي.
إضافة لما سبق، يساعد الشمول المالي على تحقيق تسعة من الأهداف السبعة عشر التي أقرتها الأمم المتحدة لتحقيق التنمية المستدامة بحلول عام 2030م، التي على رأسها خفض الفقر، ومكافحة الجوع، وخلق المزيد من فرص العمل.
إن التكامل بين التمويل الاجتماعي الإسلامي والشمول المالي لتحقيق التنمية المستدامة من أبرز ما يميز الاقتصاد الإسلامي الذي يحقق التوازن التنموي الأفقي للجيل القائم، والتوازن التنموي الرأسي بين الجيل الحالي والأجيال اللاحقة قبل أن تعرف الأمم المتحدة مصطلح التنمية المستدامة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحشر: 10).
والتمويل الاجتماعي الإسلامي من أهم الوسائل الفعالة للمساهمة في تحقيق التمكين الاقتصادي والتنمية المستدامة، بما يملكه من تنوع في أساليبه، سواء أكان تمويلاً خيرياً أم ذات ربحية، وقد آن الأوان للدول الإسلامية (ومؤسسات العمل الخيري) التركيز على التمويل الاجتماعي الإسلامي بعيداً عن سعر الفائدة المقيت؛ للانتقال بالمحتاجين من الفقر والبطالة إلى الكفاية، ومن أخذ الزكاة إلى إخراجها، ومن الاعتماد على الغير في احتياجاتنا إلى الاعتماد على أنفسنا بتمويل اجتماعي يراعي حاجات المجتمع وأولوياته، ويوفر سلعاً وخدمات تحل محل الواردات، وتعزز الصادرات، وتحقق الاكتفاء الذاتي للبلاد والعباد.