يعتبر غور الأردن، الذي يمتد على طول حوالي 120 كم، منطقة ذات أهمية إستراتيجية كبيرة، وتبلغ مساحته 1.6 مليون دونم (2400 كيلومتر مربع)، تشكّل ما يقارب 30% من مساحة الضفة الغربية.
وحسب اتفاق أوسلو لعام 1993م، ينقسم الغور إلى ثلاث مناطق: منطقة “أ” الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، وتبلغ مساحتها 85 كم تشكل ما نسبته 7.4% من المساحة الإجمالية للغور، ومنطقة “ب” وهي تخضع لإدارة مشتركة بين السلطة الفلسطينية والكيان “الإسرائيلي”، ومساحتها 50 كم بنسبة 4.3% من الغور؛ ومنطقة “ج” خاضعة للسيطرة “الإسرائيلية” الكاملة، ومساحتها 1155 كلم، وتشكل القسم الأكبر من الغور بنسبة 88.3%.
وإلى جانب أن الضم يعني قتل أي احتمالية لحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، فإن غور الأردن يعتبر سلة غذاء فلسطين، حيث يمتاز بخصوبة التربة ووفرة الإنتاج، وتبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في منطقة الأغوار 280 ألف دونم؛ أي ما نسبته 38.8% من المساحة الكلية للأغوار.
وفيما يلي سنتناول الرأي العام لكل من الفلسطينيين و”الإسرائيليين” والأردنيين، حسبما أظهرته نتائج جهات استطلاعية خلال شهر يونيو 2020م.
أ- الرأي العام الفلسطيني:
أظهر استطلاع رأي المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، الذي نفذ ما بين 17 – 20 يونيو، على عينة من 1200 شخص بالغ من الضفة الغربية وقطاع غزة، أن 66% يعتقدون أن حكومة الاحتلال الجديدة ستقوم بضم الأغوار ومناطق الاستيطان في الضفة الغربية، فيما يعتقد 28% أنها لن تفعل ذلك.
عند السؤال عما ينبغي للسلطة الفلسطينية القيام به رداً على الضم، يقول 71%: إنهم يؤيدون وقف العمل باتفاق أوسلو وقطع كافة العلاقات بين السلطة و”إسرائيل”، في مقابل 21% لا يؤيدون، ويؤيد 61% اللجوء لمقاومة شعبية سلمية واسعة النطاق، مقابل 35% لا يؤيدون، 52% يؤيدون العودة للعمل المسلح، مقابل 42% لا يؤيدون، و37% يؤيدون التخلي عن حل الدولتين وتبني حل الدولة الواحدة، مقابل 57% لا يؤيدون، و36% يؤيدون العودة للمفاوضات مع “إسرائيل” وأمريكا بناء على خطة فلسطينية تفصيلية للسلام بديلة عن خطة “ترمب”، مقابل 53% لا يؤيدون.
عند سؤال الجمهور عن توقعاته لردود الفعل غير الفلسطينية على الضم، أبدى تشاؤماً حيال ذلك؛ حيث تقول نسبة 63%: إنهم لا يتوقعون أن يقوم الأردن بإلغاء معاهدة السلام، و70% لا يتوقعون قيام الأردن أو مصر بسحب السفراء من “إسرائيل”، و78% لا يتوقعون أن تقوم دول أوروبية بفرض عقوبات على “إسرائيل”، و78% لا يتوقعون أن تقوم دول الخليج أو بعضها بوقف التطبيع مع “إسرائيل”.
وقالت أغلبية من 59%: إنها مؤيدة لقرار القيادة الفلسطينية بالتحلل من الاتفاقات مع “إسرائيل” وقطع العلاقات معها، بما في ذلك وقف التنسيق الأمني، في مقابل 31% من المعارضين.
وفي المقابل، تشير النتائج إلى وجود قلق واسع لدى الجمهور الفلسطيني من تبعات وقف العلاقات مع “إسرائيل”، فمثلاً تقول نسبة 81%: إنها قلقة أن يؤدي ذلك لعدم تحويل الكيان “الإسرائيلي” لأموال الجمارك؛ مما يؤدي لوقف دفع رواتب موظفي السلطة، وتقول نسبة 73%: إنها قلقة أن يؤدي ذلك لعدم القدرة على التنقل للعلاج من غزة للضفة أو الكيان “الإسرائيلي”، وتقول نسبة 70%: إنها قلقة من حصول نقص أو انقطاع في المياه أو الكهرباء، وتقول نسبة 65%: إنها قلقة من حصول مواجهات مسلحة مع الكيان الإسرائيلي، وتقول نسبة 65% أيضاً: إنها قلقة من انهيار السلطة أو عدم قدرتها على تقديم الخدمات، وتقول نسبة 63%: إنها قلقة من عودة الفوضى والفلتان الأمني، وتقول نسبة 62%: إنها قلقة من عدم القدرة على السفر عبر الأردن.
ب- الرأي العام الصهيوني:
أظهر مؤشر الصوت “الإسرائيلي” لشهر مايو، الذي نفذه “معهد الديمقراطية الإسرائيلي”، ما بين 27 – 31 مايو 2020م، أن نصف “الإسرائيليين” يؤيدون ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، رغم أنهم منقسمون بشأن اتخاذ الخطوة دون دعم أمريكي، فمن بين المستطلعين قال 25%: إنهم يريدون أن تطبق حكومتهم السيادة على المستوطنات اليهودية وغور الأردن حتى دون دعم أقرب حليف لـ”إسرائيل”، على حين فضل الربع الضم فقط بدعم من واشنطن، في حين عارض 30% آخرون هذه الخطوة بالكامل، أما الـ20% المتبقية فكانت مترددة، كما تعتقد أغلبية 58% أن خطوة تطبيق السيادة ستؤدي إلى قيام الفلسطينيين بانتفاضة ثالثة.
وأظهر “مؤشر الصوت الإسرائيلي” لشهر يونيو 2020م، الذي نفذه “معهد الديمقراطية الإسرائيلي”، ما بين 28 و30 يونيو، أن 24.5% من “الإسرائيليين” يؤيدون تطبيق السيادة على جميع الضفة الغربية، و14% يؤيدون تطبيق السيادة على الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، و8% يؤيدون تطبيق السيادة على وادي الأردن فقط، و25% يعارضون ضم أي جزء من الضفة الغربية، ورد حوالي 28.5% بأنهم لا يعرفون، وعند السؤال عما إذا كان ينبغي لـ”إسرائيل” الاستمرار في الضم إذا كان مشروطاً بإقامة دولة فلسطينية، قال 49% ممن أجابوا على الاستطلاع: إن لها ذلك، وقال 38%: إنه لا ينبغي لها ذلك، ويرى حوالي 55% من المستطلعين أن هناك فرصة ضعيفة أو متدنية للغاية بأن تمضي “إسرائيل” في خططها لضم أجزاء من الضفة الغربية هذا العام.
جـ- الرأي العام الأردني:
نفذت شركة “نماء”، في نهاية يونيو الماضي، استطلاعاً حول “الضم” على عينة ممثلة للمجتمع الأردني، وكانت نتائج الاستطلاع على النحو التالي: 49.2% من المستجيبين يرون أن العلاقات الأردنية “الإسرائيلية” سيئة جداً أو سيئة، مقارنة بـ35.3% قالوا: إنها جيدة.
وعند السؤال عن سبب قرار “الضم”، أشار 61.1% بأنه بسبب “صفقة القرن”، و70% بأنه بسبب عدم احترام “إسرائيل” لسيادة الأردن على حدوده، و70% بأنه بسبب عدم وجود قوى دولية قادرة على فرض الرقابة على تصرفات “إسرائيل”، و57% بأنه بسبب افتقار الأردن لحلفاء قادرين على منع “إسرائيل” من مثل هذا الفعل، و65.4% بأنه بسبب انشغال العالم بجائحة فيروس “كورونا” والمظاهرات في أمريكا.
وبالنظر إلى احتمالية تعرض الأردن إلى خطر في حال قامت “إسرائيل” بضم الأراضي في الضفة الغربية وغور الأردن، تبين أن 59.4% من المستجيبين يعتقدون أن الأردن سيتعرض إلى خطر بدرجة كبيرة، و13.5% بدرجة متوسطة، و2.8% بدرجة قليلة، وأعرب 17.3% بأنه لن يكون هناك أي نوع من الخطر على الإطلاق.
وعند الحديث عن بعض ردود الفعل إذا نفذ “الضم”، أشار 39.5% إلى أنهم سيقومون بالتظاهر، و48% سيقومون بتوقيع عريضة، و35.2% سيقومون بالضغط على مجلس النواب، و24.4% سيقومون بالدعوة للاجتماعات.
ويمكن استخلاص هذه النظرة المقارنة العامة للآراء كما يلي:
الاهتمام بمواقف الحلفاء: تظهر النتائج أن أغلبية كبيرة من الفلسطينيين لا تعول على مواقف الدول العربية والأوروبية، ولا تتوقع منها القيام بأي ردود فعل ذات وزن تجاه قرار “الضم”، كما أن أغلبية تتجاوز النصف من الأردنيين ترى أن افتقار الأردن لحلفاء قادرين على منع “إسرائيل” هو ما شجعها (إسرائيل) على قرار “الضم”، على حين أن نصف مَنْ يؤيدونه من “الإسرائيليين” يقيمون وزناً للحليف الإستراتيجي، ويفضلون “الضم” فقط بدعم من الولايات المتحدة.
جدية “إسرائيل” في تنفيذ “الضم”: من اللافت أن نسبة الفلسطينيين، الذين يعتقدون أن “إسرائيل” ستنفذ بالفعل قرار “الضم”، فاقت نظيرتها لدى “الإسرائيليين”! (ثلثا الفلسطينيين يعتقدون كذلك في مقابل نصف “الإسرائيليين” تقريباً).
التخوف من آثار قرار “الضم”: يبدو أن الجميع، وبنسب مرتفعة، يتخوفون من الآثار المتوقعة لقرار “الضم”، فالفلسطينيون قلقون من أن يؤدي ذلك إلى جملة من العواقب السلبية عليهم، مثل: عدم تحويل “إسرائيل” لأموال الجمارك؛ مما يؤدي لوقف دفع رواتب موظفي السلطة، عدم القدرة على التنقل للعلاج من غزة للضفة أو “إسرائيل”، حصول نقص أو انقطاع في المياه أو الكهرباء، حصول مواجهات مسلحة مع “إسرائيل”، انهيار السلطة أو عدم قدرتها على تقديم الخدمات، عودة الفوضى والفلتان الأمني، وعدم القدرة على السفر عبر الأردن.
بينما يتخوف “الإسرائيليون”، بما يتجاوز النصف، من أن يؤدي قرار “الضم” إلى اندلاع انتفاضة ثالثة، على حين ترى أغلبية كبيرة من الأردنيين تزيد على الثلثين أن القرار سيعرض الأردن للخطر بدرجات كبيرة أو متوسطة.
ردود الفعل على قرار “الضم”: تتسم ردود الفعل المقترحة عند الفلسطينيين بكونها أكثر حدة من تلك التي اقترحها الأردنيون؛ حيث تراوحت ردود الفعل الفلسطينية بين وقف العمل باتفاق “أوسلو” وقطع كافة العلاقات بين السلطة و”إسرائيل”، والكفاح المسلح، والمقاومة السلمية، واستئناف المفاوضات استناداً إلى قرار فلسطيني مضاد، في مقابل ردود الفعل الأردنية التي تراوحت بين القيام بالتظاهر، وتوقيع العرائض، والضغط على مجلس النواب، والدعوة إلى اجتماعات.