تخاف بعض الزوجات من تقاعد الأزواج، وتتوقع خلافات ومشكلات كثيرة، بينما تترقب أخريات تقاعد أزواجهن ويعددن قوائم طويلة لأحداث سعيدة، ولا تهتم زوجات أخريات بذلك ويتفاجأن بعد التقاعد بما لم يُعددن له.
ولذلك كانت هذه الأسطر لنأخذ بيد الزوجات لتنعم -بمشيئة الله تعالى- بحياة أفضل وأكثر سعادة قبل وبعد تقاعد الأزواج.
أحياناً ننسى التفرقة بين التوقعات والأمنيات؛ فالأولى تسبقها مقدمات (واقعية) تبررها، والثانية أحلام قد تتحقق أو لا تتحقق، وكثيراً تخاصم الواقع؛ كتوقع الزوجة أن زوجها سيسارع بتعويضها عن ابتعاده عنها لانشغاله بالعمل وسيتفرغ للاهتمام بها، ويدللها وأولادها، وسيهتم بأسرتها وبتفاصيل حياتها، وهذا غير واقعي؛ فالزوج لا يحس بالذنب لاستغراقه بعمله، ويراه دليلاً على حرصه على النجاح بعمله ليعود بالخير المادي والمعنوي على أسرته، أما عن الشعور بالتقصير تجاه زوجته وأولاده، فتختلف فيه وجهات النظر بين الزوجين.
لا تعرف الزوجات أن الأزواج يمرون بعد التقاعد بارتباك نفسي، وأحياناً بأزمة نفسية، يجتازها بعضهم سريعاً، ويعاني منها آخرون طويلاً، والذي يجتاز أزمة لا يتمتع ببراح نفسي كافٍ ليتعمد التعامل الأفضل مع شركاء الحياة، وقد يحتد عليهم، أو ينعزل طلباً للسلامة لهم ولنفسه، ولمنع الاصطدامات.
ويتعرض جميع المتقاعدين -حتى من لم يحبوا أعمالهم- لبعض الاكتئاب؛ نظراً للتغيير الإجباري لنظام الحياة، وانخفاض الدخل المادي بعد التقاعد، حتى لو كانت لديه مدخرات كثيرة؛ فيندفع البعض بالقيام بنشاط تجاري، قد يضع فيه كل مدخراته وأحياناً مكافأة التقاعد؛ ليستمر بالشعور بالأمان المادي، وبأنه لن يضطر يوماً للعيش بأقل مما اعتاده هو وأسرته، ويلجأ آخرون للتقتير على أسرهم للسبب نفسه، وينكر غيرهم الخوف فيسرفون وكأنهم يُطمئِنون أنفسهم؛ وكل ذلك ضار بالمتقاعد وأسرته، وعلى الزوجة في كل الحالات مخاصمة الحدة والنصائح المباشرة، ولا تخبر أسرتها ولا تسمح لأحد بالحديث مع زوجها بهذه الأمور الخاصة، ولتستمع لزوجها بصبر وهدوء تامين.
وعلى الزوجة ألا تقاطع زوجها، ولتمنع أي احتجاج ولو بملامح وجهها، وإذا لم يعجبها كلامه ووجدته منافياً للمنطق؛ فلا تقل له ذلك؛ فسيغضب وقد يختار العناد، خاصة إذا قالت له كلاماً يؤكد عدم ثقتها به أو يقلل من تقديرها له، ولتقل: حسناً، فلتأخذ وقتاً كافياً لتفكر بالأمر، واسترح جيداً واجمع المعلومات، وأثق أنك ستفعل الأفضل.. فمثل هذه الكلمات ستجعله يعيد التفكير، ويمكن مساعدته بجمع المعلومات اللازمة وإعطائه إياها بلا أي نصائح.
أما الزوج الذي يختار الإسراف فلتتركه قليلاً، ثم تخبره بلطف أنه كريم جداً، وعليه الادخار ليستمتع جيداً بثمار عمله.
ليس ضيفاً
تضيق معظم الزوجات بما يسمينه تدخل الأزواج بشؤون البيت –خاصة بعد التقاعد- وكأنه ضيف وليس رجل البيت والمسؤول عن الأسرة، وأكاد أسمع: وأين كان قبل ذلك؟
وأرد بكل الود والاحترام: كان يعمل ليؤمِّن احتياجات الأسرة المادية، ولا يصح القول له: انتهى عملك، ولا نريد أن تغير أي شيء بحياتنا، واصمت ما تبقى لك من العمر، والتفت لشؤونك فقط ولا تزعجنا بتدخلاتك، ونثق أن هذا ما لا تعنيه أي زوجة؛ ولكن هذه هي الرسالة التي قد تصل للزوج المتقاعد من نظرات وكلمات الاعتراض على ملاحظاته.
ومؤكد أن بعض ملاحظاته جيدة؛ فليس منطقياً أنها كلها سيئة، فلماذا لا تشكره الزوجة بلطف وبلا مبالغة على التنبيه وتنفذها، ولا تتعامل بحساسية معها؛ فهي ليست دليلاً على فشل إدارتها للمنزل؛ فلا أحد منا كامل، وكلنا نحتاج لمن ينبهنا لنكون أفضل.
أما باقي الملاحظات؛ فإن كانت غير مهمة فلتتجاهلها، وإن كانت حيوية فلا تتعجل الرد ولتأخذ وقتاً كافياً للتفكير والرد بأقل الكلمات وبلطف وبلا جمل استفزازية، مثل: أنت تريد إلغائي، وأزواج صديقاتي لا يفعلون مثلك، وما شابه ذلك.. ومع عدم توقع أن يتراجع الزوج عن كل ما يرغب به؛ وهناك دائماً مساحات ذكية من المرونة والحلول الوسط، ولسان حال الزوجة يقول: ليست تنازلات بأي حال من الأحوال؛ فالتنازلات تورث المرارة والتحسر على النفس؛ بل هي مرونة ذكية لتجميل حياتي.
تلجأ الزوجة –بحسن نية- لتحسين العلاقة بين الأولاد والزوج المتقاعد؛ فهم لم يعتادوا تبرمه من أمور تخصهم أو بالبيت فتقول لهم: تحملوا والدكم؛ فهذه الجملة وحدها تجعلهم يشعرون بأنهم ضحايا، ولا أحد يحب هذا الشعور؛ ولذا ينفجرون بالغضب ويسيؤون التصرف مع الأب، والأفضل القول: افرحوا باهتمامه بكم، واستفيدوا من خبراته، حتى وإن كان يقولها بحدة، فهو يغضب لكم وليس عليكم، ويريد لكم الأفضل، ولا تسمح بأي كلمات مسيئة عن الأب حتى لو أخطأ؛ فليس مسموحاً للأولاد محاسبة الآباء، وعلى الزوجة أن تخبرهم بذلك، حتى لو كانت على خلاف مع الزوج؛ فتشجيعها للأولاد على العقوق ولو بنظرة للأب سيجعلهم يخسرون دينياً ودنيوياً.
قد تحاول الزوجة -حباً للزوج- دفعه لإيجاد عمل مناسب ولو كان تطوعياً، لحمايته من توابع التقاعد النفسية، ونحترم ذلك، ونؤكد أن كل المطلوب من الزوجة هو الإشارة بأقل كلمات وبلا حماس زائد ولا كلمات، مثل: لتجعل لحياتك قيمة، أو لتستفد من وقتك؛ فهذه الجمل قد تأتي بنتائج عكسية إذا لم يرغب الزوج بالعمل، والأفضل الاكتفاء بالقول: ما رأيك بكذا وكذا.. فكّر واختر ما يناسبك، وسأدعمك فيما تختاره.
لا تبالغي
أما الزوجة التي تعمل وتقاعد زوجها قبلها فليست مجبرة على التقاعد المبكر، إلا إذا رغبت بذلك، فقد تزوجها وهو يعرف أنها تعمل؛ فلتواصل عملها ولا تغير معاملتها له، ولا تترك عملها وتشعر بالتضحية وتتوقع مقابلها، ولا تبالغ بمحاولات إرضائه وكأنها تعتذر بسبب مواصلة العمل، ولتهتم بشؤونه، ولا تتوقف عن إخباره بما يحدث بعملها، إن كانت تفعل ذلك سابقاً.
تظن بعض الزوجات أن الزوج بعد التقاعد يحتاج لمن يملأ له وقته، فتلتصق به ولا تترك له الفرصة لينفرد بنفسه، وترى أنها تحميه من الشعور بالوحدة، وهذا خطأ شائع، والأفضل منحه مساحته الخاصة، والانشغال عنه بأمورها المعتادة مع حسن التعامل معه وعدم توجيه انتقادات له، فهو ليس طفلك، بل زوجك، وإذا أردت شيئاً فقولي له بلطف: ما رأيك لو فعلت كذا؟ وتجنبي الإلحاح فنتائجه سيئة، ولا تتعاملي بلطف زائد وكأنه فقد عمله أو أصبح عجوزاً، وشجعيه دون مبالغة على مواصلة الرياضة والعودة لهواياته التي تركها لانشغاله بالعمل، ولا تتوقعي استجابة سريعة لما تريدين، ولا تقولي سيفيده؛ فكلنا نعلم ما يفيدنا ولا يسارع معظمنا لفعله، وهذه ليست دعوة للسلبية، ولكن لعدم المبالغة بالتشجيع حتى لا يشعر بالإجبار، وكلنا نكره ذلك.
إذا كان أمامك سنوات أو أشهر أو أسابيع ليتقاعد زوجك؛ فـسارعي بحسن استثمارها؛ بتحسين علاقتك معه عاطفياً وبكل تفاصيل الحياة، وحسِّني صداقتك معه، أو ابدئي بتكوينها، فالوقت أمامك دائماً لتكوني صديقة زوجك، وتعاملي معه بود واحترام، وتوقفي عن كل الأمور التي تضايقه حتى لو رأيتِ أن بعضها غير منطقي؛ فالأهم والأذكى أن تعيشي بسعادة، وأشعريه بأهميته في حياتك بتدرج وبلا مبالغة، وتجاهلي تعليقات مثل: هل تريدين شيئاً؟ وماذا أصابك؟ واستمري؛ فهو فقط غير معتاد على توددك إليه.
ولا تقولي له: أدامك الله لأولادك، وقولي: أدامك الله لي ولأولادنا، ولا تختزلي أبداً علاقتك به كأب لأولادك وممول للبيت، واستعدي لما بعد التقاعد وزواج الأولاد؛ فستعيشان سوياً فقط، فاصنعي رصيداً جيداً، وسارعي بفعله بتدرج وبلا تعجل للنتائج.
واهتمي بغذائه ومظهره بالبيت وخارجه، ولا تهمليه أو تحاصريه، ولا تقولي له أو لنفسك أبداً: لقد كبرت، ولا تجبريه على اهتماماتك، وزيدي دوماً من نجاحك وسعادتك كزوجة.