لا شك أن هناك الكثير والكثير من الآيات القرآنية والنصوص النبوية التي تحض المسلم على التواضع والحلم والتعقل، وتقديم الهدوء والعقل في كل حركة وسكنة من حياتنا كمسلمين؛ يقول تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً {63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً {64} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً {65} إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً) (لفرقان).
السكينة والوقار والتواضع لله تعالى ولعباده؛ قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً) من جميل صفات عباد الرحمن تواضعهم لله جل جلاله ولعباده؛ فيمشون بسكينة وطمأنينة ووقار (في مشيهم بذاتهم أو قيادتهم مركباتهم)، وهذا التواضع هو ثمرة من ثمار الإيمان وأثرٌ من آثاره.
يقول بعض المفسرين: يقول تعالى: هؤلاء الذين وصفت صفتهم من عبادي وذلك بقوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) يثابون على أفعالهم هذه التي فعلوها في الدنيا ويثابون في الجنة وهي “الغرفة” بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً)؛ أي بالطاعة والعفاف والتواضع، ومن مظاهر تواضعهم أنهم إن واجهوا في طريقهم بعض أهل السفه فإنهم يخاطبونهم بسديد الكلام البعيد عن السفه، وهذا معنى قوله تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً)، فبهذا جمعوا لأنفسهم سلامة العثرتين؛ عثرة الرجل وعثرة اللسان، نعم لا يقابلون الجاهلين والسفهاء بمثل جهلهم، وإنما يعرضون عنهم سواء بالقول أو “بالسير رجلاً أو مركبة”، إنما يعرضون عنهم لسلامة النفس والعقل والطريق، فيدفعون الإساءة بالإحسان كما قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت).
من صفات عباد الرحمن التواضع والحلم، وبيَّن الله تعالى في كتابه العظيم صفتهم؛ يقول جل جلاله: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، تقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: “إنكم لتغفلون أفضل العبادة.. التواضع”.
ومن علامات التواضع، يقول سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: “إن من رأس التواضع أن تبدأ من لقيت بالسلام، وأن ترضى بالدون من شرف المجلس، وتكره المدحة والسمعة والرياء بالبر”.
لو دققنا باللفظة بذاتها نجدها مكرمة لهؤلاء العباد، حيث إضافتهم إلى الرحمن، نعم فما كانوا له عباداً إلا برحمته وفضله ومنته الرحمن الرحيم، هو سبحانه سخر لهم السبب للطاعة ويسّر لهم كل السبل أو سبل الخير ليثبتهم على الإيمان ومن ثم يكونوا “عباد الرحمن” بفضله ومنته، ولا شك هذا له ميزة في الدنيا، وأفضل منها في الآخرة جنة الخلد دار السلام.
صفات عباد الرحمن الحسنة كثيرة، ولكن أظهرها التواضع والحلم، جاء رجل لأحد الصالحين وقال له: “إن قلت كلمة ستسمع عشراً”؛ يعني سيرد عليه بقسوة الكلام وكثرة اللفظ السيئ، فقال له الرجل الصالح الحليم: “وأنت إن قلت عشراً لن تسمع بفضل الله كلمة واحدة”، نعم هذا هو التواضع المدموج في الحلم ورقي العقل الذي يحبه الله تعالى ورسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
العبودية إما أن تكون إلى حق؛ وهي التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، وإما إلى باطل وهي تمثل عبادة الشهوات والهوى، وشتان بينهما، أما إن أخلص العبد الكيس الفطن بالتوجه إلى عبادة الحق الرحمن الرحيم وفقه تعالى واكتنفه تحت عنوان “عباد الرحمن” بفضله ومنته وكرمه جل جلاله.
نختم بهذه القصة مع الزاهد عبدالله بن المبارك إذا لم تخني الذاكرة وحلمه وروعة فنه في الدعوة وتوصيل المعلومة بفن وتواضع، عطس رجل عنده ولم يقل: “الحمد لله”؛ فقال له العابد الزاهد: أخي في الله ماذا يقول المسلم إن عطس؟ فقال، يقول: “الحمد لله”، قال الزاهد الحليم بكل تواضع: “إذاً.. يرحمك الله”.
_______________________
إعلامي كويتي.