نشرتُ منذ فترة فيديو حذرت فيه من ضرب الأطفال كوسيلة للتربية والإرشاد، وأشرت إلى أن الحديث الشريف الذي يحتج به القائلون هو محل اختلاف بين العلماء، فمنهم من صححه ومنهم من ضعَّفه، وأنكر علىَّ عدد من أهل الفضل والعلم –وهم في نفسي خيرٌ مني- وذهبوا إلى أن الضرب على ترك الصلاة حكم ثابت بالحديث، فوجدت من الضروري أن أكتب حوله شيئا يوضح حقيقته وأبعاده ومآلات العمل به، وترجيح ضعفه.
بدايةً أعترف بأن الموضوع لا يصح أن يعالج في فيديو قصير موجز. والآن أكتب هذه الكلمات لأبين ما كنت أريد قوله، فإن أصبت في شيء فمن فضل الله ولطفه، وإن أخطأت أو نسيت فمن نفسي، والعفوَ والمغفرة من الله أرجو.
الحديث المروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ وفرِّقوا بينهُم في المضاجعِ ” رواه أبو داود.
رحم الله شيخنا محمد الغزالي الذي طالما نادى بضرورة وصْل السنة بالفقه، فقال: لا فقه بلا سنة ولا سنة بلا فقه، ودعا إلى “توثيق الروابط بين الأحاديث الشريفة ودلالات القرآن القريبة والبعيدة، فلن تقوم دراسة إسلامية مكتملة ومجدية إلا بالأمرين معا”.
وقبل الكلام عن صحة الحديث وضعفه أريد أن آخذ القراء الكرام في جولة مختصرة مع أصول كليةٍ ومعالم تربويةٍ على ضوء القرآن الكريم والهدى النبوي الشريف، لتكون لنا منارات هادية وقواعد حاكمة في تربية أبنائنا وفهم النصوص الجزئية.
الحوار أساس التربية
صاحب الفضل والإنعام، والإيجاد والإمداد، والكرم والجود هو رب العالمين، الذي تقوم السماوات والأرض بأمره، وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، وكل نعمة مردها إليه، وما يصدر منا من خير إلا بتوفيقه وهداه، ومن لطفه ورحمته بنا أن أوجد لنا عقلا به نتدبر أوامره ونواهيه، ووهبنا إرادة وفعلا، ووضع للحق علامات وأرشدنا إليها ودلنا عليها، وإذا طلبنا المزيد لنزداد يقينا وإيمانا لم يبخل علينا، وتأمل سؤال سيدنا إبراهيم عليه السلام ربه قائلا: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (البقرة: 260).
ومن هنا نتعلم أن تتَّسع صدورنا لأسئلة أولادنا وتلاميذنا، ونتيح الفرص للنقاش الحر الهادئ، الذي يعتمد الحجة والبرهان ومخاطبة العقل والقلب معا.
ويُعَلمنا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام مبدأ الحوار بين الوالد وولده عند الابتلاء العظيم حين جاءه الأمر الإلهي في رؤيا منامية، مقتضاها الأمر والتنفيذ، فانظر ماذا جرى:
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الصافات: 102).
نريد أن يلتزم أبناؤنا بالأوامر الإلهية بإرادة حرة، وقناعة كاملة، ورضا قلبي بالتكليف الرباني، لينالوا الرضوان الأعظم، والأجر الأكرم من رب العباد.
وتلك كانت تربية إبراهيم عليه السلام لابنه إسماعيل عليه السلام، ولما جاءه التكليف ببناء البيت الحرام، عرض على إسماعيل عليه السلام أمر ربه ليشركه فيه فقال له:
” يا إسماعيل، إنَّ الله أمرني بأمرٍ، قال: فاصنع ما أمرك ربُّك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإنَّ الله أمرني أن أبني ها هنا بيتًا، وأشار إلى أكمةٍ مرتفعةٍ على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد مِن البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه، وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة: 127).
فما أجمل أن نشارك أولادنا ونشاورهم في خطوات حياتنا ومشروعاتنا والقرارات المصيرية والتحديات التي تواجهنا: سفر لدولة أخرى/ انتقال لبيت جديد/ لمدينة جديدة/ بناء بيت/ تأسيس شركة. بالقدر والأسلوب المناسب.
ما طريق الوصول لليقين؟
مَنْ أبدعَ الكون وأخرجه للوجود في أبهى مظهر وصورة، وزيَّنه للناظرين هو من أنزل الشرائع في أكمل وأجمل نظام، فالتناسق والتكامل والإبهار من عناصر عالم الخلق والتكوين، وهو كذلك في عالم الوحي والتكاليف، ودورنا أن نُظهِر تعاليم الإسلام ونجلي جمالها وكمالها وإشراقها، وتأمل قوله تعالى:
{وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (الحجرات: 7).
ما أحوجنا لأساليب التحفيز للعمل الصالح وتزيينه في قلوب أولادنا، بالكلمة والجائزة والدعاء، دون لجوء لعنف مادي أو لفظي.
ومع أولادنا نتجول بهم في ملكوت السماوات لنريهم إبداع الله جل جلاله في خلقه، ونتجول بهم في رياض محاسن التشريع الإسلامي بالأسلوب والمضمون الذي يناسب أعمارهم، ونحن بهذا ننسجم مع فلسفة الشريعة في بيان غايات وأسرار التكاليف الشرعية، فالله تعالى علَّل أحكامه ليؤدي المكلفون عبادتهم بعقلٍ ذكي وقلبٍ نقي وروحٍ موصولة بالملأ الأعلى.
وقد أَرَى الله جل في علاه سيدَنا إبراهيم عليه السلام من آياته العظمى:
{وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (الأنعام: 75).
ورأى رسولنا الكريم في ليلة المعراج آيات باهرات جمة، ورد بيانها في كتب السنة ولا يتسع المقام هنا لذكرها، وتلك هي الليلة التي فُرضت فيها الصلاة، قال تعالى: {لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ} (النجم: 18).
وما يبدو لي من وراء تلك الرحلة القدسية العلوية أن الصلاة حتى تؤدي دورها التغييري المنشود في حياتنا وحياة أبنائنا فلا بد من شَدِّ العزم على بناء الإيمان بالله تعالى وأسمائه الحسنى وتجلياتها وصفاته العظمي وآياته في الكون، فهذا هو الطريق الأسمى الذي يدفع أبناءنا للمحافظة على الصلاة وإدراك حكمتها وتذوق حلاوتها.
لن نفرح إن أدى أولادنا العبادات وكأنهم آلة جامدة، إنما نريد أن يُقبلوا عليها بقناعة، أن يعرف الطفل لماذا نصلي؟ ماذا يستفيد المسلم من الصلاة في الدنيا والآخرة؟ نريد أن نغرس في نفوسهم قيمة الصلاة وروحها ومكانتها، وذلك لن يكون بغير الحديث الودود الناضج، والقدوة الماثلة أمامهم، والحكمة في أساليب الأمر والنهي.
إن الإكراه بصوره المختلفة طريق لصناعة الشخصية الضعيفة الهشة. ماذا لو تظاهر الطفل بالصلاة خوفا من العقاب؟ هل نتوقع أن يواظب عليها حينما يشتد عوده ويستقل برأيه؟
الموعظة طريق للقلوب
تتداعى صورة لقمان الحكيم أمام ناظريك حين تتلو آيات سورة لقمان فترى مشهدا رقيقا رفيقا وحوارا ودودا في أجواء تهيئ القلب للتلقي والقبول. واقترن اسم لقمان بالحكمة فلا يقال “لقمان” إلا معه وصف “الحكيم “. وإنها لوصايا بليغة حَرِيةٌ بالدرس والتطبيق.
تأمل مشهد “وهو يعظه… يا بني” تجد الأسلوب اللين، والكلام الهين، والوصايا الجامعة، والكلام الموجز، وخطاب العاطفة والعقل.
وتلكم هي العظة التي تتجنب الإطالة، وكثرة الإلحاح، والتعنيف.
إنه منهج الأنبياء عليهم السلام
فقد تمسك نوح عليه السلام بلغة العظة القريبة من القلب في أحرج الأوقات حينما أشرف القوم على الهلاك المحقق فنادى ابنه قائلا:
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ} (هود: 42).
الرفق منهج الرسول صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم رفيقا في أمره كله، ولم ولا والله تعالى يقول له:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159).
ويقول عليه الصلاة والسلام:
“إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ” (رواه مسلم).
وحسبنا هذا النص في التأكيد على أن الرفق هو السبيل، وأن العنف اللفظي أو المادي في التربية والتعليم والتوجيه شائن، والزعم بأن هناك أصنافا من الأطفال لا يصلح معهم إلا البطش والضرب زعمٌ غير صحيح. وتلك تلك سياسة العبيد لا الأحرار. ومن يفهم الرفق أنه قرين التهاون فهو مثل من يُفَسر الحزم على أنه القسوة والضرب.
ماذا ترك الضرب في نفوس الأجيال من آثار؟
اسألوا الأطفال الذين ضُربوا في الصغر؟ ماذا ترك الضرب في نفوسهم من عاهات نفسية لم تندمل.
ولعل عددا غير قليل من القراء الكرام لا ينسى ذكريات مؤلمة وهم صغار بالمدرسة أو بالكتاتيب.
يوم كان يساق بعضهم للمدرسة كأنما يساق إلى الموت رعبا من أستاذ لا يضع العصا عن عاتقه. ومنهم من هجر الدراسة وضاع مستقبله بسبب قسوة وضرب أحد المعلمين.
غفر الله لبعض الآباء حينما كان يذهب بابنه للمدرسة أو مكتب تحفيظ القرآن ويقول للمعلم أو الشيخ “أنت تكسر وأنا أجبر” وكم روى الكثير ذكريات “الفَلَكَة” التي كانت تُعلق – أحيانا – لمن يتهاون في حفظ القرآن الكريم فيضرب حتى تتورم قدماه، ناهيك عن السب والتحقير.
فهل هذه تربية أو تعليم ينتج قلباً بالإيمان عامراً، أو عقلاً بالقرآن متأملاً؟!
لا ريب أن أسلوب العنف في التربية والتعليم الذي ساد بلادا كثيرة حول العالم ردحا من الزمان كان وما زال أثرا من آثار أجواء الاستبداد السياسي السائد، لكن ما ذنب الأضعف يتحمل جريرة غيره؟ يعود الرجل من عمله مشحونا بضغوط هائلة ليفرغ بعضها على زوجته، ثم تقوم الأم بطبيعة الحال بتوزيع بعض هذه الشحنة على أولادها…ثم تخرج أجيال مشوهة.
الواقع خطأ ولا يصح تسويغه، بل يجب تغييره.
تابعت عشرات مقاطع الفيديو لدعاة ضرب الطفل على ترك الصلاة، وللأسف منهم مربون كبار يعيشون زماننا ويعرفون جيدا أن طفل اليوم غير طفل الأمس، وأن العالم أصبح غير العالم، وكنت أتعجب من تناقضهم حينما يتحدثون عن كيفية الضرب؟
كيف تضبط مسألة الضرب؟ وهل يمكن أن نتوحد على مستوى واحد للضرب؟ وهل تستوي يد رقيقة مع يد غليظة؟
وكانت الأولى بهم أن يعودوا إلى الدراسات الكثيرة التي أجريت حول الآثار النفسية والسلوكية العدوانية للعنف الذي يمارس على الأطفال.
ومرة أخرى أقول: إننا نقرأ القرآن والسيرة النبوية معا لكننا نفشل في رد الجزئيات إليهما وفهمها في إطار تعاليمهما الكلية.
لماذا لا نضرب على غير الصلاة؟
والسؤال: لماذا نضرب على الصلاة فقط؟ إن من يتخذ الضرب وسيلة في تقويم الطفل على تفريطه في الصلاة، سيلجأ إليه في بقية المأمورات والمنهيات، فيضرب على التهاون الصيام، وترك الحجاب وغيره.
قال قائل: لأن الصلاة عماد الدين، قلت: ولأنها كذلك يجب أن نرفض الضرب وسيلة للتدريب عليها، وعندنا وسائل أخرى لا تحصى، وأين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم: استعن بالله ولا تعجز.
قال: إن المقصود بالضرب أن يكون ضربا غير مبرح، قلت: ما قصدك؟ قال: أي ضربا لا يؤلم، قلت: إنك يا صديقي تقع في مغالطة واقعية، هل ضربتْ أم يوما أبناءها أو أب بقصد التأديب دون إيلام؟ وهل الإيلام يتوقف على الجسد فقط أم يشمل الألم النفسي؟
ثم إن محاولة ضبط الضرب بعدد المرات أو بأن يكون خفيفا كما ورد في اجتهادات العلماء أمر لا ينضبط بين الناس، ويفتح بابا يجب غلقه.
أطال جدالي قائلاً: إن الضرب علاج للطفل العنيد.
قلت: هل علاج الطفل العنيد يكون بالضرب؟ إن الضرب لا يزيده إلا عناداً؟ ويبلغ ببعض الأطفال أن يتظاهر بعدم الإحساس بالألم قائلاً لأمه: “لم تؤلمني”، فتشتعل أمه أو أبوه غيظاً وكمداً.
إنني أعلم يقينا الآن أن كلامي لن يروق للبعض، وتقديري إليهم، لكن الخطأ لا نعاجله بخطأ، ولا نسوغه، ولا نشرعنه بحديث غير مقطوع بثبوته ودلالته، فذلك ظلم للحق والحقيقة.
والآن: إضاءة حول الدليل الذي يحتج به القائلون بالضرب:
لم يسلم الحديث من الطعن في سنده، فهناك من العلماء من ضعَّفه والحديث في ذلك طويل لا يسعه المقام.
والحديث من حيث المتن معارَض بما يلي: عن عليِّ بن أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: “رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ” أخرجه الترمذي والنسائي
فإن كان التكليف مرفوعا عن الطفل، فالعقوبة أولى بالرفع.
– إن الضرب هو إيذاء، وإيقاع الأذى بالإنسان محرم، وقد سرني كثيرا أن وجدت الإمام الشوكاني وهو يتعرض للحديث يرد على من ذهب إلى أن المراد بالأمر في قوله: “واضروبهم” للندب، فقال في كتابه نيل الأوطار”:
“وَقَالَ فِي الْوَافِي وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: إنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ، وَحَمَلُوا الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ وَلَكِنَّهُ إنْ صَحَّ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: مُرُوهُمْ لَمْ يَصِحَّ فِي قَوْلِهِ: وَاضْرِبُوهُمْ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ إيلَامٌ لِلْغَيْرِ. وَهُوَ لَا يُبَاحُ لِلْأَمْرِ الْمَنْدُوبِ”.
مُرَجحات ضعف الحديث
نرى أن مرجحات القول بضعف الحديث وترك الاحتجاج به كثيرة، منها:
أولاً: الإساءة إلى الإسلام وفتح الباب لاتهامه بالعنف وانتهاك حقوق الطفل، ولو رأينا أن الحديث محل اختلاف بين العلماء لتعيَّن علينا أن نُرجح ضعفه حفظا لسمعة الإسلام من التهم.
يروي الشيخ محمد الغزالي عن الأستاذ معروف الدواليبي أنه حينما كان يشارك في وضع القوانين في باكستان على أساس الشريعة الإسلامية سَوى في الدية بين الرجل والمرأة إيثارا للرأي القائل بذلك واستئناسا بمسلك عثمان بن عفان رضى الله عنه الذي أكمل دية الذمي وكانت على النصف من دية المسلم… وقال (الغزالي): “رأينا أن نسد الطريق على من يتهمون الإسلام بانتقاص مكانة المرأة”.
ثانياً: حينما شاع حديث الضرب فتحنا بابا وأوجدنا مسوغا لممارسة العنف على الأطفال، فلم تتوقف العقوبة على ترك الصلاة فقط بل تجاوزتها إلى غيرها، وغدا أسلوبا في التربية والتعليم.
ثالثاً: إن الضرب ضرر بدني ونفسي، وهو مفسدة وظلم لا يجوز أن يوقعه المرء بأحد من الناس بدنه أو ماله، ومن القواعد الكلية الخمسة المشهورة أن “الضرر يُزال” وهي مؤسسة على مجموع النصوص من الكتاب والسنة.
رابعاً: أقول لمن يرون صحته مع كامل تقديري وتوقيري لهم: لو سلَّمنا بصحة الحديث وأن الأمر الوراد فيه للإرشاد، لانتهينا الآن إلى القول بمنعه على أي وجه كان؛ فمن المقرر عند العلماء أن المباح يُقيد أو يُمنع سدا للذريعة حين يترتب عليه مفسدة واقعة أو متوقعة.
يجب علينا جميعا أن ندرك جيدا أننا لا نعيش وحدنا في هذا العالم، وأن ديننا متهم، وليس من الحكمة أن نفتح على أنفسنا جبهات تضعنا في زاوية الدفاع.
والحمد لله أولاً وآخراً.
___________________________________
(*) رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا.