لم تُغضب التصرفات الهوجاء للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب، وتحريضه أنصاره من التيار الإنجيلي المتطرف على القيام بانقلاب شعبوي وغزو مبنى الكونجرس (كابيتول هيل)، لعرقلة تنحيه عن الرئاسة بعد سقوطه في الانتخابات، غالبية الشعب الأمريكي فقط الذين يخشون من حرب أهلية جديدة، ولكنه أغضب العديد من مسؤولي إدارة ترمب أنفسهم الذين بدؤوا القفز من سفينته الغارقة، والتبرؤ منه، ودعوتهم لعزله من منصبه مبكراً ومحاكمته.
3 شبكات تلفزيونية أمريكية هي “سي إن إن”، و”سي بي إس”، و”إيه بي سي”، نقلت عن مسؤولين في حكومة ترمب أنهم بحثوا بالفعل إمكانية تفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي، الذي يسمح لنائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة بأن يُقيلوا الرئيس إذا ما وجدوا أنه “غير قادر على تحمل أعباء منصبه”، خاصة بعدما اصطدم ترمب بنائبه لرفضه المشاركة في انقلاب الكونجرس، وأصدر نائبه مايك بنس أمر نزول الحرس الوطني لحماية الكونجرس وتجاوز ترمب كأنه غير موجود.
أيضاً نقلت مجلة “فانتي فير” عن خبير إستراتيجي مقرب من البيت الأبيض، قوله: إن جمهوريين بارزين يضغطون على نائب الرئيس بنس أن يشرع بإجراءات عزل ترمب خصوصاً في ظل استمرار تحريض ترمب أنصاره واستمرارهم في الاحتجاج والفوضى في ولايات أخرى.
المادة (25): في حال عزل الرئيس من منصبه أو وفاته أو استقالته يصبح نائبه رئيساً
وبعدما وصف كل من حاكم نيويورك وحاكم بنسلفانيا والمدعية العامة لنيويورك عملية اقتحام مبنى الكابيتول من قبل أنصار الرئيس دونالد ترمب بأنه “محاولة انقلابية فاشلة شجعها الرئيس ترمب لمنع التداول السلمي للسلطة”، طالب العديد من المسؤولين بعزل ترمب، رغم أنه لم يبق له سوى أقل من أسبوعين في الحكم، كنوع من العقاب وإنقاذ الديمقراطية الأمريكية.
دعوات العزل
وتزايدت دعوات نواب وحكام ولايات لعزل ترمب، فقد طالب فيليب سكوت حاكم ولاية فيرمونت الجمهوري والناقد لترمب طالب باستقالة أو عزل ترمب، وقالت النائبة الديمقراطية إلهان عمر: إنه يجب عزل ترمب وإزاحته من البيت الأبيض وعقابه.
وطالبت كاثرين كلارك، مساعدة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، بإقالة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب وعزله قبل انتهاء ولايته رسمياً، متهمة ترمب “بخيانة البلاد والدستور”، داعية إلى “ضرورة عزله من منصبه ومنعه من تعريض الولايات المتحدة لمزيد من الخطر”.
أيضاً، دعا النائب الجمهوري تيد ليو نائبَ الرئيس بنس إلى استخدام صلاحياته لعزل الرئيس ترمب من خلال استخدام التعديل الخامس والعشرين، بعد اقتحام مئات من مناصريه، الأربعاء الماضي، مبنى الكونجرس.
كذلك أرسل جميع النواب الديمقراطيين الأعضاء في لجنة العدل النيابية رسالة إلى بنس يطالبونه فيها بتفعيل التعديل الـ(25) من الدستور “دفاعاً عن الديمقراطية”، واعتبر النواب في رسالتهم أنّ الرئيس المنتهية ولايته “مريض عقلياً وغير قادر على التعامل مع نتائج انتخابات 2020 وتقبّلها”.
والفكرة نفسها تكرّرت في افتتاحية صحيفة “واشنطن بوست” وقالت الصحيفة الواسعة الانتشار: إنّ المسؤولية عن هذا العمل التحريضي تقع مباشرة على عاتق الرئيس الذي أظهر أنّ بقاءه في منصبه يشكل تهديداً خطيراً للديمقراطية الأمريكية، يجب عزله.
وأضافت أن الرئيس غير أهلٍ للبقاء في منصبه للأيام الـ14 المقبلة، كلّ ثانية يحتفظ فيها بالصلاحيات الرئاسية الواسعة تشكّل تهديداً للنظام العام والأمن القومي.
“فانتي فير”: جمهوريون يضغطون على بنس لعزل ترمب
وأعلن برلمانيون آخرون من أمثال النائبة إلهان عمر أنهم بصدد تقديم طلب لمحاكمة ترمب في الكونغرس بهدف عزله، لكن هذه الآلية تستغرق وقتاً طويلاً، ومن غير المرجح أن تنتهي قبل 20 يناير حين سيتسلم جو بايدن مقاليد السلطة فعلياً.
وقال خبراء ووسائل إعلام أمريكية: إن الهجوم على معقل الديمقراطية وبيت تشريعها (الكونغرس) يعتبره الأمريكيون هجوماً على الدستور الأمريكي وعلى القيم الأمريكية وعلى إرادة الشعب ولا يستبعدون عزل ترمب، ويفسرون مسارعته بالاعتراف بالأمر الواقع، وأن بايدن فاز، وسيعمل على انتقال سلمي للسلطة على أنه رد فعل منه على عمليات بحث عزله وتدمير مستقبلة كرئيس سابق.
ويعتبر التعديل الخامس والعشرون الطريقة الأسرع لتجريد ترمب من السلطة، حيث يمكن أن يعلن نائب الرئيس مايك بنس ومجلس الوزراء أن ترمب “غير قادر” على الخدمة وتحمل أعباء المنصب، لكن هناك بعض التعقيدات في تنفيذ هذا الأمر.
ويحذر خبراء من أن عزل ترمب أو تفعيل المادة الدستورية رقم (25) لتولي نائبه الفترة الرئاسية المتبقية سيؤجج الوضع وسيشعل النار أكثر، وأن أي إجراء قاسٍ بحق ترمب الآن سيؤدي إلى مزيد من الفوضى؛ لأنه على ما يبدو ترمب ما زال متمترساً بتأييد جماهيري له، وأي إجراء ضده سيدفع باتجاه اقتتال داخلي أمريكي، فترمب رغم هزيمته حاز على أصوات قرابة 70 مليون أمريكي مقابل 78 لبايدن.
أيضاً، تحديد 21 يوماً للكونجرس ليبت في عزل ترمب يعني أنه في الوضع الحالي لن يضطر الكونغرس إلى فعل أي شيء على الإطلاق، إذ تنتهي ولاية ترمب في المنصب بعد أقل من أسبوعين؛ أي ظهر يوم 20 يناير 2021.
وبموجب تعديل المادة (25)، إذا خلص نائب الرئيس وأغلبية أمناء مجلس الوزراء إلى أن الرئيس “غير قادر على القيام بصلاحيات وواجبات منصبه”، فيمكنهم كتابة ذلك وإرساله إلى قادة الكونغرس وبمجرد حدوث ذلك، يصبح نائب الرئيس على الفور رئيساً بالنيابة، وإذا عارض الرئيس ذلك يقرر الكونغرس في الأمر، بأغلبية ثلثي أصوات مجلسي النواب والشيوخ اللازمة لإبقاء نائب الرئيس في السلطة.
إلهان عمر: يجب عزل ترمب وعقابه
كيف يمكن عزله؟
مايك بنس، نائب ترمب بالإضافة إلى 8 وزراء في الحكومة، لديهم السلطة الكاملة لتجريد ترمب من صلاحياته لبقية المدة، إذا كانوا يريدون ذلك بالفعل.
إذ يمنح التعديل الدستوري بعض كبار المسؤولين الحكوميين القدرة على إجراء تقييم بأن الرئيس “غير قادر على أداء سلطات وواجبات منصبه”، وأول شخص يجب أن يشارك في هذا الإجراء هو نائب الرئيس مايك بنس، الذي سيحتاج إلى انضمام أغلبية من “كبار المسؤولين في الإدارات التنفيذية” إليه.
لذلك، سيتعين على مايك بنس وأغلبية تلك المجموعة من الوزراء (8 من أصل 15 شخصاً على الأقل) أن يوقعوا على “إعلان مكتوب” بأن ترمب غير قادر على تحمل المهام الموكلة إليه، وإذا فعلوا ذلك، وأرسلوا هذا الإعلان إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ورئيس مجلس الشيوخ المؤقت تشاك غراسلي، يفقد ترمب سلطاته، مما يجعل بنس رئيساً بالنيابة بشكل مباشر.
وسيظل ترمب من الناحية الفنية يحمل لقب الرئيس، لكنه لن يتمتع بالسلطة القانونية لفعل أي شيء بعد الآن، وإذا جرد ترمب من صلاحياته، فإن التعديل الدستوري سيوفر له أيضاً طريقة لمحاولة استعادة صلاحياته.
إذ سيتعين على ترمب إرسال إعلانه المكتوب إلى بيلوسي، وغراسلي بأنه “لا يوجد لديه عجز عن أداء المهام الموكلة إليه”، وبعد ذلك، سيكون أمام نائب الرئيس ومجلس الوزراء أربعة أيام يمكنهم خلالها إعادة تأكيد إعلانهم أن ترمب غير قادر على الخدمة، وعند ذلك يبتّ الكونغرس في القضية في اجتماع يعقده في غضون 48 ساعة لذلك الغرض إذا لم يكن في دورة انعقاد.
ويتطلب تفعيل هذا التعديل رقم (25) في الدستور الأمريكي أن تجتمع الحكومة برئاسة نائب الرئيس مايك بنس للتصويت على قرار تنحية ترمب، وقد نقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤولين جمهوريين لم تسمّهم قولهم: إن الوزراء ناقشوا بالفعل فكرة تفعيل التعديل الـ”25″ بعدما اعتبروا أن ترمب أصبح “خارج السيطرة”، لكن شبكة “سي بي إس” أكدت أنّ الأمر لا يزال مجرد فكرة قيد البحث، وأنه لم يتم تقديم “أي شيء رسمي” إلى مايك بنس.
“واشنطن بوست”: كلّ ثانية يبقى فيها ترمب تشكّل تهديداً للنظام العام والأمن القومي
أيضاً نقلت شبكة “إيه بي سي” عن مصادر متعددة، أن مناقشات جرت بشأن هذه “الخطوة غير المسبوقة” في تاريخ الولايات المتحدة بحيث يُعزل ترمب بواسطة المادة (25) ويتولى نائبه صلاحيات الرئاسة الأيام القليلة المتبقية على تسليم السلطة لبايدن بنفسه خصوصاً أن ترمب لن يقوم بتسليم السلطة بنفسه كما قال أنصاره ولن يحضر مراسم التسليم.
محاكمة ترمب
إذا كانت محاولة عزل الرئيس للمرة الثانية مستبعدة، فهو يواجه احتمالات محاكمته والتحقيق فيما فعله، أو رفع دعاوى قضائية محتملة خلال الأيام الأخيرة من حكمه، وقد يحاكم محاكمات جنائية في ولايات مختلفة.
فقد دعا عضوان ديمقراطيان في مجلس النواب، مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) لفتح تحقيق جنائي في مكالمة الرئيس ترمب المسربة مع مسؤول الانتخابات في جورجيا بشأن الانتهاكات المحتملة لقوانين الانتخابات الفيدرالية وقوانين الولايات ودعوته له للتدخل لتزوير النتائج.
وطلب العضو الديمقراطي الوحيد في مجلس انتخابات الولاية من إدارة الانتخابات التحقيق في المكالمة، على اعتبار أنه يمكن للمجلس إحالة القضية إلى مكتب المدعي العام للولاية، كما طالبت مؤسسات مدنية مدافعة عن حقوق الملونين بالتحقيق مع الرئيس ترمب.
وعقب انقلاب واشنطن اتهم نواب ومحامون ترمب بخروج على الدستور الأمريكي وقالوا: إن تصرفات ترمب يبدو أنها تنتهك بالفعل كلاً من قوانين الولاية والقوانين الجنائية الفيدرالية، ودارت مناقشات واسعة بين المتخصصين في القانون حول محاكمته على التحريض باقتحام الكونجرس.
وأياً كانت النتائج التي سيجري اللجوء لها، فقد أدى تحريض ترمب على اقتحام الكونجرس على حظر موقعي “تويتر” و”فيسبوك” كتابات، لخسارته القدر الباقي له من الاحترام كرئيس أمريكي وانهيار شعبية الحزب الجمهوري أكثر، ما سيكون له تداعيات أقلها تقديمه للمحاكمة بعد سقوط الحصانة الرئاسية عنه.