جاء قرار المجلس الوزاري الأمني “الإسرائيلي” المصغر 8 يونيو 2021م، بالموافقة على الإبقاء على ما يسمى “مسيرة الأعلام” بالقدس الشرقية التي يجري فيها الإساءة للإسلام ونبيه، ولكن تأجيلها من 10 يونيو إلى 15، بعد رحيل نتنياهو يوم 13 يونيو ليطرح تساؤلات حول هدف نتنياهو من هذا القرار.
إعلان الحكومة في وقت سابق إلغاء المسيرة من الخروج الخميس 10 يونيو خشية صواريخ حماس التي هددت باستئناف القتال، أغضب الصهاينة، وأثار خلافات بينهم حول الرضوخ للمقاومة؛ لذا يسعى نتنياهو لاستغلال ذلك في تصدير الأزمة لحكومة الائتلاف اليساري اليميني المتطرف التي يدعمها حزب “الحركة الإسلامية” (فرع الجنوب) الذي يرفض المسيرة.
يعول نتنياهو على رفض فريق داخل الحكومة الجديدة، خصوصاً حزب الحركة الإسلامية المسيرة، ومن ثم تصاعد الخلافات بينها، وانهيارها، فيعود نتنياهو لتشكيل حكومة جديدة!
كما يسعى نتنياهو لتحقيق هدف آخر هو إحراج حركة حماس، فلو نفذت تهديدها بضرب “إسرائيل” لو تمت المسيرة فسيرد جيش الاحتلال بمحاولة اغتيال قادتها وحصر الصراع داخل غزة، دون وصول معادلة (غزة القدس) لتحقيق هدفها.
وللدلالة على هشاشة حكومة الاحتلال في مواجهة المقاومة في غزة، تساءل عضو الكنيست “الإسرائيلي” التابع لتيار “الصهيونية النازية” إيتمار بن غفير، عن جدوى ومنطقية عقد اجتماع لمجلس الوزراء من أجل النظر في مسيرة للمستوطنين!
يعول نتنياهو على رفض فريق داخل الحكومة الجديدة، خصوصاً حزب الحركة الإسلامية المسيرة، ومن ثم تصاعد الخلافات بينها وانهيارها ليعود هو مرة اخرى
ووفقاً لإذاعة الجيش قال بن غفير: “هل يعقل عقد اجتماع كابينت للبت في مسيرة الأعلام في القدس؟“، معتبرا ذلك “إشارة إلى فقد إسرائيل الحكم والسيادة على أراضيها، وتراجعاً واضحا”!
وأضاف: “لقد فقدنا القدرة على الحكم وفقدنا السيادة، إن مفتش الشرطة الفاشل يستمع إلى تحذيرات حمـاس، إنهم يهددون، ونحن نتراجع”.
يشتمون المسلمون والنبي
يعمد الصهاينة المتطرفون خلال احتفالهم بيوم “توحيد القدس” الذي يعدّونه “عيدا وطنيا” وإحياء ذكرى استكمال سيطرة “إسرائيل” على مدينة القدس، باحتلال الجزء الشرقي منها، خلال حرب 5 يونيو 1967م، لشتم المسلمين ونبيهم والإساءة للإسلام وهتاف “محمد مات”.
مشكلة هذه المسيرة أنها تنطلق عبر الشارع رقم (1)، وتمر من بابين من أبواب القدس القديمة هما باب الخليل والجديد، ثم تصل إلى باب العامود حيث يتمترس المسلمون دفاعا عن الأقصى رغم كل الحواجز التي تنصبها الشرطة في محيط الباب.
مشكلتها أيضا أنه حين يواصل المستوطنون مسيرتهم من باب العامود نحو ساحة البراق مارّين بالحي الإسلامي، يحرصون على مهاجمة وتدمير المحال التجارية وممتلكات المسلمين، والاعتداء على من يجدونه في طريقهم، وهم يرددون النشيد الوطني “هاتيكفاه” وشعارات معادية للعرب والمسلمين.
ولو تم السماح لهم بالمرور من باب العمود فسوف تقع نفس المصادمات مع الفلسطينيين التي أدت إلى حرب غزة، وإطلاق المقاومة الصواريخ على القدس وتل أبيب؛ لهذا يتحدث الصهاينة عن احتمال مرورها من أبواب أخرى أو منعها لإثارة مشكلة كبيرة، ودخول حرب جديدة مع المقاومة وفلسطينيي الداخل؛ إذ يسعى المتطرفون الصهاينة لفرض أمر واقع عبر اقتحامهم للمسجد الأقصى، وكانوا يرتبون لهذا يوم 28 رمضان الماضي، إلا أن الفلسطينيين تصدوا لهم وللشرطة، ومنعوهم، وتحول الأمر لانتفاضة في فلسطين المحتلة عام 1948م، وكذا الضفة الغربية.
بالمقابل سعت المقاومة لفرض معادلة رد جديدة تقوم على ضرب “إسرائيل” بالصواريخ لو تم الاعتداء على الأقصى، أو تمكين المستوطنين من اقتحامه، أو إخراج أهالي القدس من منازلهم؛ وهو ما يحاول نتنياهو والمستوطنون التملص منه.
هذا الأمر دفع وزيري الدفاع والداخلية الصهيونيين للتحفظ على المسيرة في البداية ورفضها، ثم وافقا على مسيرة بديلة تعويضية للمتطرفين الصهاينة يوم 15 يونيو، وسط حديث عن تجنب مرورها بباب العمود خشية عودة انتفاضة الداخل وحرب الخارج مع مقاومة غزة.
وهدد زعيم حركة “حماس” في غزة يحيى السنوار “إسرائيل” من “الاعتداء مجددا على المسجد الأقصى”، مضيفا أن “المقاومة ستحرق الأرض فوق رأس الاحتلال لو عاد لذلك“.
سعت المقاومة لفرض معادلة رد جديدة تقوم على ضرب “إسرائيل” بالصواريخ لو تم الاعتداء على الأقصى، أو تمكين المستوطنين من اقتحامه
وقد ثار 35 ألف مقدسي يعيشون داخل أسوار القدس القديمة، حين حاول الصهاينة استفزازهم بمسيرات اقتحام الأقصى “رقصة الأعلام”، واعتدوا عليهم؛ ما أثار مخاوف صهيونية مما سمي بـ”حرب أهلية داخل إسرائيل”؛ حيث اندلعت مواجهات بين المسلمين واليهود.
وكان معارضون لنتنياهو ألمحوا إلى أنه يسعى إلى تنظيم المسيرة الخميس، على أمل أن تؤدي إضرابات محتملة قد تخلفها إلى نسف حكومة “لابيد – بينيت” المنتظرة.
بموازاة ذلك أعلنت الإذاعة العبرية العامة، أمس الثلاثاء، أن شرطة الاحتلال قررت الإبقاء على سبع فرق من قواتها في الخدمة الاحتياطية، تحسباً لتصعيد الأوضاع في حال إقرار المسيرة، ووقعت مواجهات مع الفلسطينيين في القدس، مع تحسب لاندلاع تظاهرات أيضاً في المدن الفلسطينية في الداخل.
ويقول الباحث صالح النعامي، إن قرار “إسرائيل” تنظيم مسيرة الأعلام في القدس يوم 15 يونيو الجاري يستهدف توريط حماس، فإذا قدرت تل أبيب بأن حماس سترد على المسيرة فقد توجه ضربة استباقية باغتيال قيادات الحركة لتقديم “صورة نصر” بشكل مبكر كاستخلاص للعبر من العدوان الأخير، الذي فشلت في تقديم أي صورة نصر فيه بخلاف حماس.
وقال: على المقاومة عدم منح نتنياهو، الذي يريد ترك أرض محروقة خلفه، مثل هذه الفرصة، مشيرا إلى أن “ردع الصهاينة عن جرائمهم في القدس يتطلب إشعال ساحة الضفة الغربية عبر المقاومة الشعبية ذات الأسنان”.
ويضيف: المعادلة التي يجب تكريسها حاليا “القدس الضفة”، ويجب عدم منح محمود عباس وسلطته الفرصة لإحباطها، ويجب عدم تبني أي مسار يمكن الصهاينة من الاستفراد بغزة وإنهاك مقاومتها.
وإذا كان نتنياهو يريد أرضا محروقا فلتكن في الساحة التي تؤذي “إسرائيل” وخاصرتها وهي الضفة؛ فمعادلة “الضفة القدس” تحرم كل الأطراف المعادية للمقاومة من الاستفادة من نتائج المواجهة مع الصهاينة.
ويقول يوسي بيلين، عضو الكنيست السابق في مقال بصحيفة “يإسرائيل هَيوم”، 7/6/2021م بعنوان “لا تكرروا الأخطاء التي ارتكبناها في حرم المسجد الأقصى” بأن الهدف من مسيرة الأعلام ليس الاحتفال، بل الرغبة في الاستفزاز، كما أراد شارون أن يثبت أن الحرم خاضع للسيادة “الإسرائيلية” حين اقتحم الأقصى؛ ما تسبب في إشعال الانتفاضة الثانية.
ويشدد على أن “الأجواء التي خلفتها المواجهة الأخيرة مع حماس لا تزال مضغوطة، وإشعال عود كبريت (مسيرة الأعلام) يمكن أن يؤدي إلى تجدد الحرب؛ لذا يجب على حكومة إسرائيل منع ذلك وألّا تختبئ وراء الشرطة؛ فالمطلوب قرار سياسي”.