ما قيمة الإنسان عند الملاحدة يا ترى؟!
نعم، هو سؤال مهم ودقيق.
ما قيمة الإنسان الذي من خلال عقله وخياله يتعدى الكرة الأرضية؟
ويخترق الفضاء والأجواء والسماوات؟
وما ثقل جسده الطيني أمام ثقل العقل والنفس؟ وما ثقل العقل ومكانته عند أدعياء العقل من الملاحدة والعلمانيين؟!
خيال وعقل الإنسان شيء جبار يفوق كل ما يخطر على البال، إلا أن الأقزام ممن حسب على البشرية، يرونه لا يختلف عن أي قط من قطط “سلال القمامة” أو أي حيوان ضال -أجلَّكم الله تعالى- أو أي طير يطير لا يفكر إلا في بطنه وحباته التي يبحث عنها، أو أي مخلوق من المخلوقات التي أصلاً وجدت من أجل هذا الإنسان مسخّرة له وبأمر من الله تعالى ولعبوديته وتسبيحه ولكن لا نفقه تسبيحهم، وإنما كل ما نعلمه أنه سبحانه تعالى سخرها لهذا الإنسان، الذي خاطبه الله تعالى بقوله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، وميزه الله تعالى بالنجدين، إلا أن الملحد ودعيّ العلمانية يصر إلا أن يقيّم الإنسان بطينيته فقط لا بعقله ونفسه وروحه، رغم ادعائهم الكذوب بتقديس وتقديم العقل والعلم، فلذلك عند الوقوف يوم الحساب، لا يرى نفسه هذا الملحد إلا حيواناً بلا عقل، فيقول: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً) (النبأ: 40)؛ لأنه حصر نفسه بطينيته، ونسي أو بالأحرى يتناسى ويتجاهل أن الله تعالى ما أمر الملائكة بالسجود له جل وعلا إلا بعد أن نفخ فيه من روحه، التي هي محور عقله الذي له الخيار، ورغم طينيته الطويلة التي شكلها الله زمناً طويلاً فإنها لم تكن جديرة بسجود الملائكة حينها إلا بعد نفخ الروح فيه، فليت أهل العلمنة السطحيين يفقهون ذلك، ويضعون العقل في مكانه الصحيح وأنه عبد مخلوق ليميز بعد البيان والعرض بين الهاوية والصراط المستقيم!
فعقول الملاحدة محدودة الإنسانية لا مطلقة الإنسانية حياةً، وما بعد الحياة بالنسبة لهذا الإنسان الذي كرمه الله تعالى جسداً وعقلاً ونفساً وروحاً.
ينظرون إلى الإنسان كما الحيوان الذي يقول الله تعالى فيه يوم الحسرة والتحسر، ويتمنى حينها أن يكون حيواناً حقيقياً كما أسلفنا، قال تعالى مبيناً موقفهم: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً).
في ذلك الموقف يعلم الملحد أن الحيوان كان أكرم منه وأفضل، فيتمنى حينها أن يكون حيواناً حياةً قبل الحساب، وتراباً يوم الحساب كما الحيوان.
ما جعلني أكتب هذه المقالة ما سمعته من بعض الملاحدة وهو يتدثر العلمانية حاوية طيوف الملاحدة والإلحاد والزندقة، بل كل الأديان والملل والأفكار المعادية للإسلام، قائلاً: لا آخرة ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور ولا حساب! ومن ثم نفي وجود الواجد جل شانه، والغريب فعلاً، تفاجأت أن من يؤيد هذا الملحد في التواصل هم من أهل التأويل الباطني، والزنادقة رغم ادعائهم أنهم لا ينكرون البعث والخلود! وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن العلمانية هي عباءة كل ملحد وزنديق وباطني منافق معادٍ للإسلام يتدثر العلمانية تمويهاً، لطبيعة تمايلها ومرونتها مع كل الأهواء الكفرية!
وحينما ندقق بأقوالهم تكون النتيجة الطبيعية حينها أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن نبياً، أو كان “كاذباً”، بأبي هو وأمي والنفس والولد، أو كما يقول سفهاء العلمانية، وكما قال فودة وأمثاله في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “إنه يعاني من وضع اجتماعي فابتكر ذلك!”، أو كما قال لعنة الله على الكذبة.
فهم لا يختلفون عن أجلاف قريش الكفرة حينما قالوا: هو شاعر أو مجنون، وإنه من الكذبة يروي الأساطير، فدته نفسي والأهل عليه الصلاة والسلام.
إلا أن أجلاف قريش وكفارها أشرف وأرجل من علمانيي وملاحدة اليوم، لأنهم لا يكذبون، وأيضاً يعتقدون شيئاً، أما الملاحدة فلا يعتقدون بشيء، وكما يقول بعض الفلاسفة: إن من يعتقد بشيء وإن كان باطلاً خير من الملحد الذي لا يعتقد بشيء؛ لأن المعتقد بالباطل لا بد له من قوانين وشرعة تحدد حركاته وسكناته أيضاً، أما الملاحدة فهم لعبادة الشيطان أولى وأقرب، فحركاتهم وسكناتهم أن تستمتع في هذه الدنيا بلا قيد ولا قانون، كما الحيوان يتمتع فيها قبل انقضائها، إلا أن الحيوان يمارس فطرته، وهم يتفلتون من فطرة الإنسان ميلاً إلى الفطرة الحيوانية بأمر الشيطان الرجيم.
للملاحدة والزنادقة مداخل غريبة على الإنسان الساذج، ويسعون لتعميمها باسم الفطنة والذكاء والحصافة، وفيها الكثير من التذاكي الذي يخفي غباء عميقاً.
أذكر بالمناسبة هذا الموقف مبيناً أحد أساليبهم وتهويلاتهم التي لا تدل إلا على الغباء حقيقة، هي مقولة قالها أحد الفنانين الكويتيين، والدكاترة الاشتراكيين المثقفين من الناصريين كان في “إذاعة الكويت”، قالها لأستاذي محمد العفيفي، رحمه الله تعالى، ساخراً، وكان هذا الفنان كثير المناكفة والمشاكسة لأستاذي وشيخي، قال له: يا شيخ محمد، “اشدعوة!”، “خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه”، إنها لكثيرة على الإنسان، أما تراها من المبالغات يا شيخ محمد؟!
فرد عليه بسرعة بديهة حالاً، وبعلمية وحزم وحسم قائلاً: أكمل الآية تعلم عظمة الإثم: “إنه لا يؤمن بالله العظيم”، فمتى ما علمت عظمة الله تعالى علمت عظمة الإثم الذي يمارسه ذلك المخلوق ذو العقل الناقص المخلوق، الذي أُرسلت له الرسل، والذي أُهدي الخيار إلا أنه أبى إلا أن يكون بلا عقل أو خيار، خاضعاً لخيار الشيطان فقط!
نعود إلى الملاحدة وتصغيرهم لأنفسهم والإنسان، واعتبار الإنسان كأي حيوان، كالقط أو الحيوان الضال الذي يعيش لحظته حتى يأتيه الموت، وهذه قمة الاحتقار والتصغير للإنسانية وعقلها حقيقة، خصوصاً إذا قارنا ضآلة هذه المقولة “لا حياة إلا الحياة الدنيا”، فكم هي حقيرة وضئيلة مضموناً وزمناً! وعدم قدرتها مواكبة لإنتاج عقل الإنسان المبتكر باطراد، الذي لا يتوقف عن التفكير والابتكار والتعليم والتعلم، فليس من عدالة الله تعالى أن يتعامل مع هذا العقل كبير المساحات بكل جوانبها، يتعامل معه بمساحة الحياة الدنيا القصيرة جداً التي تخص الجسد، لا شك أن الفترة الزمنية لعمر الإنسان وحياته مقابل عقله غير متكافئة كتوازن في هذا المخلوق وعقليته المطردة حركة وخيالاً وابتكاراً وتجديداً في كل الجوانب الحياتية، وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على نقص المخلوق -العقل- وبحثه سعياً وبلا توقف عن الأكمل والأفضل.
حينما نحترم عقل الإنسان ونضعه في مكانه المناسب؛ تجده أعلى وأرقى من الحياة الدنيا الجسدية، وزمن حياتها القصير جداً، قياساً لعمل العقل وإبداعاته، سواء طال العمر أم قصر، فلا نجد لهذا العقل مكافأة مقابلة له توازنه وتقابله إيجاباً في النعيم، وسلباً في حال الجحود، إلا فيما نراه ونعتقده نقلاً ونصاً في وعن الآخرة والخلود.. إن الله تعالى يحاسب الإنسان من أجل عقله لا من أجل جسده، ولنا بقوله تعالى عميق تأمل: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر: 3)، فيها لفتة باختزال الزمن الطويل يتحكم العقل بكسبه السريع وإدراكه الدقيق والعميق ما بعد حياة الجسد.
نعم عقله، عقله الذي بنى ناطحات السحاب العظام، هذا هو وزن العقاب والثواب بوزن هذه الناطحات، عقله الذي اخترق الأجواء وصولاً إلى القمر والمريخ، عقله الذي اخترق الجبال وأنشأ الأنفاق، واخترق السماء واكتشف المجرات، فبثقل هذا العقل يحاسب ويثاب الإنسان، فهذا العقل لا يقارن بسنوات الحياة التي يعيشها صاحب العقل، مهما طالت هذه الحياة، فهذا العقل وضخامة إنجازه، هو جدير بحياة تناسبه برحمة الله تعالى، إن كان شريفاً خاضعاً لخالقه معترفاً بفضله مع النقص في ذاته الذي جعله دؤوب الحركة من أجل الاكتمال، أو حياة تظهر جحوده، وعظمة إثمه لجحوده لخالقه الذي أهداه النجدين وأهداه هذه القدرة، التي ستكون هي الأصل في ميزان الحساب.
فلذلك، يقول الله تعالى للحيوان يوم الحساب: “كونوا تراباً”، ويقول الملحد والزنديق والعلماني حينها متمنياً أنه كان في الدنيا من الحيوانات، وتراباً في الآخرة فيقول: (يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً).
العلماني وعقله الأجوف رغم أنه قدم العقل على النقل كما يزعم ويدعي، فإنه بهذا تنازل عن العقل الذي جعله الله ميزة للإنسان ليدرك من خلاله عظمة الخالق، إلا أن العلماني جعله حكماً على الخالق فكان الأضل!
_________________________________
إعلامي كويتي.