في مثل هذا اليوم 9/ 3/ 1996م، توفي فضيلة الشيخ محمد الغزالي، يرحمه الله تعالى، وقبيل رحيله بأسبوع، أجرت “المجتمع” مع فضيلته حواراً ماتعاً، نعيد نشره في ذكرى وفاته، أجرى الحوار الزميل محمود خليل.
الراحل الكريم الشيخ محمد الغزالي.. أمة في رجل.. عاش حياته كلها عبدًا للحق وحده.. وحسبه عند الله درجة -ولا نزكيه على الله- أن اختاره إلى جواره وهو ينافح وسط ميدان الدعوة، حتى النفس الأخير.. كما اختار له صحبة أهل البقيع وجوار مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وشاءت إرادة الله تعالى أن نظفر بلقائه قبيل أسبوع من رحيله.. وأن يترك لنا بصوته النافذ، هذه الكلمات التي نشهد له بها عند ربه صدقًا وعدلاً.
أستاذنا الشيخ الغزالي رجل شاهد على عصره.. من باب هذه الشهادة، ما رأيكم في بعض المشكلات المعاصرة كعملية السلام القائمة الآن، وفعاليات الجهاد على أرض فلسطين، والموقف بالنسبة للسودان واليمن والجزائر والبوسنة وكشمير وغيرها من الجراحات المفتَّحة علينا بآلامها ودمائها؟
– عملية السلام.. نحن لسنا ضدها من باب أننا ضد السلام.. لكننا وكما أعلنت عقب مؤتمر مدريد أن العرب دخلوها من باب الإذلال، وهم في أسوأ مرحلة من تاريخهم ووجودهم.. ودخلوها وغيرهم يحتفل بمرور 500 عام على طردهم من مدريد.. وبالتالي.. فليس هناك سلام.. إنما هناك «إسرائيل الكبرى» وأوهام الهيكل ومملكة الرب عام 1997م، وأسأل في أسىً ومرارة.. لماذا يختصر كثير من القادة أعمار أممهم في أعمارهم القصيرة.. وأقول بصدق.. إن زاد المناورة والمثابرة لم ولن ينفد أبدًا.. ولكن.. من يسمع؟!
والجهاد على أرض فلسطين هو الأمل الباقي.. وهو الأداء الصحيح لجند الله على أرض القدس التي بارك الله فيها وحولها.. ولن تجلس الصهيونية يومًا إلى مائدة، أو تصغي إلى كلمة إلا بمثل هذا الجهاد المبارك.. أما السودان.. فرغم بعض الهفوات المأخوذة على أهل الحكم هناك.. إلا أننا لا نملك إلا الدعاء لهم.. فإن الساحة متسعة، والتداعيات كثيرة على رؤوسهم.. والجيوش الكنسية مدججة في الجنوب، وأصابع «إسرائيل» وأمريكا تعملان هناك بكل وضوح.. إلا أن الخيار الإسلامي قد أصبح هو خيار الشعب والحمد لله.. أما اليمن.. فإنها يراد لها أن تكون درسًا ثانيًا من جنوب السودان، لكي تملك «إسرائيل» البحر الأحمر من بابه إلى نهايته.. ولكي ترهب الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها.. ولكي تضع البترول جميعًا تحت رحمتها.. وعلى أهل اليمن أن يعقلوا ذلك جيدًا.. وأنا أعتبر أن استقبال الصهيوني «أسياس أفورقي» على أرض مصر، ترخّص لا يليق، أما الجزائر.. فإن حزني عليها أكبر من أن أتحدث عنه.. لكن صوت العقل بدأ يعلو هناك، والمستقبل سوف يكون بإذن الله تعالى، والبوسنة هي درس البقاء الخالد في هذا الزمان، وليتنا نملك عشرة من الرجال من أمثال «بيجوفيتش» الذكي المؤمن المجاهد، وكشمير وغيرها مما أشرتم إليه هي من بقايا البؤر التي تركتها جيوش الاستبداد والاستعمار.. وأجادت معها خلق بؤر للصراع والنزاع في كل البلدان الإسلامية تقريبًا.. لكن قدرنا أن ندفع ثمن تقصيرنا في حق ديننا على مدى ثلاثة قرون أو تزيد..
يتخوَّف البعض الآن من أن تتبدَّد أحلام الصحوة الإسلامية، من كثرة وشدة ما واجهها من عراقيل.. فبعد أن كان الحديث حول «تحسين البدائل» الإسلامية.. أصبح الآن حول «المحافظة» على الصحوة نفسها.. فما هو التشخيص السليم لواقع الصحوة الإسلامية الآن.. ومسيرتنا من خلالها إلى أين؟!
– الذي أراه أن الصحوة الإسلامية حقيقة واقعة، وأن الكلام عن انتهائها وانطوائها، كلام فيه تشاؤم لا مساغ له، وأنا الآن قد ترجم لي مقال في «نيويورك تايمز» يتحدث عن أن الإسلام يمتد في العالم، ويحكي أن عشرين ألفًا من أصحاب التعليم العالي والمتوسط، قد دخلوا الإسلام في الأيام الأخيرة في الجزائر البريطانية، وأن هؤلاء كما تقول الأنباء، قد آثروا نوعًا من الروحية المعتدلة، تحميهم من أوضار المدنية المادية الحديثة، وأنهم محتفظون بأحكام الله كما بينها القرآن الكريم.. وأنهم لا يخونون وطنهم، ولا يعيشون جواسيس ضده، بل يعيشون عيشة شريفة، ولا يؤثر عنهم إلا الخير.
فإذا كان هو أثر الصحوة الإسلامية الحديثة، في إنجلترا فكيف بغيرها من البلاد الأخرى.. مثل فرنسا التي أعلم أن عددًا كبيرًا من أصحاب الدم الفرنسي الخالص قد دخلوا الإسلام فعلاً، وأن الإسلام يمتد، حيث تنكمش دعوات أخرى.. ورسائل ولَّى عنها الدهر.. إننا أمام صحوة حقيقية، داخليًا وخارجيًا.. لكن من الخير أن ندرك أن الصحوة يجب أن تنقد نفسها، وأن تنظر إلى ما يعتريها، وهي تمضي مع الزمن ومع أحوال الناس.. وألا تتأثر بطباع بعض الأشخاص، الذين يحملون في ثنايا إخلاصهم تسرعًا أو تهورًا، أو يكرهون الأخذ والرد، والحوار المعتدل المعقول، أو يقنطون من ابتلاءاتها على الطريق.
إذا كانت الصحوة تحاسب نفسها، فإن هذا الحساب الذاتي يجعلها تتوقف حينًا، لا لتلتقط أنفاسها بعد مشوار طويل، بل لتتعرف كيف تضع أقدامها في مستقبل مليء بالآمال والمخاوف معًا.. فإن أعداء الإسلام كثيرون، والعراك معهم، ليس عراكًا ماديًا، بقدر ما هو عراك عقلي وعاطفي، ولذلك أؤكد لك أن الصحوة الإسلامية، هي حقيقة الحقائق في واقعنا المعاصر، وأنها كل يوم تنتج وتكتسب أرضًا جديدة.. وإن بدا لإعدائها غير ذلك.. ولكنها أيضًا.. يجب أن تدرس واقعًا أكثر وأكثر، وأن تبحث لنفسها دائمًا عن أماكنها للتنفس الجيد.. وإذا كان بعض الأفراد قد أساء إليها، بما لوحظ عليه من عنف أو بعض الأحكام الجائرة التي يجريها على غيره من الناس فإن الدعوة سوف تتخلص حتمًا من هذه العراقيل التي أساءت إليها حينًا..
وكذلك على الصحوة أن تمتص هذه الهجمة الطائشة من بعض الحكام الذين لم يحسنوا أن يقدموا للغرب والشرق ما في أوطانهم من الخير.. وأن يستغلوا ما لديهم من طاقات هائلة لهذا الشباب الفاضل.. شباب الصحوة الإسلامية، ولابد من أن يسعى الحكماء من الناس، لعقد هذه المصالحة ورأب هذا الصدع.. ولن نعدم هذا الصنف من المصلحين على امتداد ساحات العمل الإسلامي في العالم أجمع..
فضيلتكم من أوائل المنادين منذ بدايات العمل الإسلامي المعاصر، بالتغلغل داخل الجماهير، والانسياح بدعوة الله بين كل الطبقات، والدأب المخلص على تحويلها إلى فكر وسلوك لدى الناس.. ثم ترك الجماهير تختار ما يروق لها من أنظمة.. ولكن بماذا يفسر أستاذنا الشيخ الغزالي الآن هذه الهجمة الشرسة على العمل الإسلامي.. سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا.. خاصة من العلمانيين وبقايا الشيوعيين الذين يقومون بدور «المحرض» الدائم؟ وما مدى تأثير هذه الهجمة؟
– أنا سيئ الظن بالعلمانيين العرب؛ حكامًا ومحكومين، وبالشيوعيين منهم على وجه خاص، واعتقادي أن العلمانيين في العالم لهم بأديانهم صلات حسنة، مع أنهم علمانيون!
ولا نزال نذكر الديمقراطي المسيحي في إيطاليا، وحزب المحافظين في إنجلترا.. ما زالوا على علاقات.. أقل ما يقال فيها أنها غير معادية لدينهم، وآخر ما صنعه حزب المحافظين، أنه قرر الاستمساك بالتقاليد الدينية والخلقية، والعودة إلى منابعه الأولى التي يستقى منها.. ومعروف أنها «الملكة» هناك هي رئيسة الكنيسة في إنجلترا..
إن العلمانيين في الغرب يهادنون الدين، في أهون تعبير يمكن أن يقال عنهم، أما العلمانيون العرب ومن انضم إليهم من الشيوعيين فهم «مرتدون» عن الإسلام، يضيقون بشعائره وسلوكياته، وأحب أن أصارح بأن المسلمين لن يرتدوا عن دينهم أبدًا، وأن بعض تعاليم الإسلام التي سقطت مع الهجمة الاستعمارية التي بدأت مع القرن الأخير، هذه التعاليم نستعيدها واحدة بعد أخرى! ولا نزال نسعى حتى يكون الإسلام دينًا للفرد والأسرة والمجتمع والنظام العام، ونؤمل الكثير في هذا السبيل المبارك، معتقدين أن الأمر كما قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69)، إننا نأخذ طريقنا إلى الجماهير عن طريق الحوار العقلي، والتأثير العاطفي الفطري، ونحاول ربط الناس بالإسلام بنفس الوسائل التي شرعها لأتباعه، وعلى رأسها البحث عن المصالح الحقيقية للجماهير التي تصلح ذواتهم ودنياهم، وتسعدهم في أخراهم عندما قال: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125)، وعندما رفض أن يقابل العنف بالعنف عندما قال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت: 33-35)، والعلمانيون والشيوعيون لدينا.. أدوارهم محدودة وتأثيراتهم، تافهة، مهما أتيح لهم من الأموال والأبواق.. لأنهم سدنة لأنظمة هاوية، وهم خونة لأمتهم.. فلا هم مستورون بغطاء سابغ، ولا هم واقفون على أرض يملكونها.. والجماهير سرعان ما تبصق عليهم عند أول لقاء.
أستاذنا الشيخ الغزالي: أنتم من المصرِّين والمؤكدين دائمًا، على أنه قبل أن ننتقد.. علينا أن نقدم البديل الإسلامي، القابل للتطبيق.. في ظل هذه الظروف المعاكسة لكل ما هو إسلامي.. كيف نتحايل لتقديم هذا البديل؟
– البديل أولاً يجب أن يعرف.. عندما حرم الإسلام لحم الخنزير، فإنه قدم لحم الطير والغنم والبقر وما سواها، وعندما حرم الإسلام «الكبر» قدم مكانه عزة النفس، وعندما حرم الرياء قدم مكانه الذكرى الحسنة، أي قدم العوض العادل مكان شيء مرفوض.
فلا بد من البديل الإسلامي عن طريق الفقه الإسلامي الواسع، فنحن نعلم أن الإسلام كتاب يطلب العدالة، بل العدالة هدف الأديان كلها، قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد: 25)، هذه العدالة، قد تكون في ميدان الإصلاح الاجتماعي كتوازن بين الطبقات، وقد تكون في ميدان الصناعة في التوازن بين الابتكار والتقليد، وقد تكون عند الفلاحين رعاية للمحاصيل وتنويعا لها واستجادة لعائدها استجابة لقوله تعالى: (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا) (الكهف: 33)، اعتبر مولانا أن المحصول الرديء أرض ظلمت نفسها، أي ظلمت ثمرها بسوء استنباتها وتنميتها.. ونحن نريد من الفلاح ألا يظلم ثمره، وأن يعمل بالعدالة الإلهية فيه.. وهكذا.
المهم أننا في هذه الدائرة.. نعرف الأهداف العليا للإسلام.. إنه جاء ليحل الطيبات ويُحَرِّم الخبائث، ويضع عن الناس إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.. إنه دين يرفع الحرج، ويوفر الرحمة، ويجعل الأمة سعيدة في دنياها قبل أن تكون سعيدة في أخراها، ولذلك فإن البديل الإسلامي علينا أن نبتكره بالعقل المسلم الذكي الناضج، كما تبتكره الفطرة الإسلامية النقية.. ولا تدين إذا فسد العقل.. ولا تدين إذا فسدت الفطرة أو شوهت.. فعلينا أن نكتشف ميادين جديدة للعمل، وساحات جديدة للامتداد.. وقنوات جديدة للتوصيل.. وما ضاقت بلاد يومًا بأهلها.. ولكن أخلاق الرجال تضيق.
في ظل شغل الحركة الإسلامية بالحروب الجانبية، واستنزافها في المنعطفات والعقبات المتكررة.. إذا أردنا أن تحددوا لنا الأهداف الكبرى للعمل الإسلامي الآن.. في ظل خبرتكم وتجربتكم الطويلة فما هي؟
– أريد أن يفهم الناس أن الإسلام بضع وسبعون شعبة، أعلاها «لا إله إلا الله» وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.. والإسلام يشبه جسم الإنسان، فيه أجهزة رئيسة، إذا فقد الجسم واحدًا منها مات فهناك المخ والرئتان والقلب والكبد والأجهزة التناسلية وأجهزة الإخراج.. وهكذا.. هذه الأجهزة الرئيسة إذا ضاعت أو ضاع واحد منها ضاع الجسم.. كذلك الإسلام.. هناك أجهزة رئيسة فيه.. فأنا أعتبر أن الحرية العقلية والحرية الدينية والحرية المدنية، والإنسانية والنفسية… هذه الحريات أسس في الكيان الإسلامي.. كذلك حقوق الإنسان في الإسلام.. المساواة.. الإخاء.. العدالة.. الأخلاق الإسلامية من رحمة وأمانة ووفاء وشرف.. وكذلك المسالك الإسلامية من استقامة ونظافة وبراءة.. هذه كلها أسس وأجهزة رئيسة في الإسلام، يُفقد الإسلام عندما تفقد..
أما الجسم فلا شك أن فيه أظافر، وفيه شَعْرًا لابد من أن يزال وفيه شعرًا قد يستبقى.. وفيه فرعيات كثيرة.. فما هو رئيسي في الإسلام أولى بالرعاية والحراسة والصياح من الفرعيات والشكليات أو ما إلى ذلك.. هذا الأمر لكل مراحل العمل الإسلامي، وبشتى صوره وعلى مختلف مستوياته التربوية والثقافية والسياسية، وعلينا أن نعتقد أن خلايا الجسد تتجدد دائمًا.. وكذلك خلايا العمل الإسلامي تحيا وتتجدد، ويتوالد بعضها من بعض.
والخلط الذي يقع فيه عدد من المسلمين، أنه قد يجيء إلى مسألة هي وضدها سواء في الإسلام.. ويقاتل في أحد الأمرين.. ويريد أن يشتبك مع الآخرين في خصومة تمزق الكيان الإسلامي وتعوق وحدته.. لماذا؟ لأنه يريد أن يغلّب وجهة نظره في مسألة، هي وضدها سواء، وعندما كنت مديرًا للمساجد سألني بعض الناس: عندما نجلس والإمام يخطب الجمعة.. ماذا نصنع؟ فعرفت ما يريدون.. قلت لهم: إن شئتم جلستم كما يقول أبو حنيفة ومالك، وإن شئتم قمتم بأداء ركعتين خفيفتين كما يقول الشافعي وابن حنبل، كون أحد الناس يأخذ أحد الرأيين ليقاتل به الرأي الآخر، وهو مخيَّر بينهما.. فهذا ضلال وقصر نظر.. وهذا دليل على أنه لا يقاتل لله.. فالمجتهد المخطئ في الإسلام له أجر.. فلماذا تقول لمن أخطأ: عليك اللعنة!
فالحركة الإسلامية الواعية تعمل باجتهادها في شتى المسالك وخلال كل التخوم.. ولا بد أن تمر ولو من سم الخياط.. ولها أجر على كل حال.. ومن قبل ومن بعد.. لنا أجر الصبر والمنافحة.
مكتبة الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي التي تربو على السبعين كتابًا.. ومئات المحاضرات والندوات والمناظرات على امتداد الساحة والهموم الإسلامية ماذا تمثل لكم؟ وبماذا تقدمونها للأجيال القادمة؟
– كل كتاب كتبته.. وكل محاضرة أو مناظرة أو ندوة أو مداخلة شاركت فيها.. إنما هي قلب يتحرَّق.. وعاطفة تتحرك.. وكل ذلك أقدمه بين يدي ربي ـ عز وجل ـ يوم القيامة.. وأسأله أن يتقبل ذلك خالصًا لوجهه تعالى.. وأنا في ذلك تلميذ محب لإمام الهدى محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.. وشريك للرجال الكبار الذي رباهم الإمام الشهيد حسن البنا ـ رضوان الله عليه ـ الذي علمنا كيف نفهم ديننا.. وكيف ندفع بقذائف الحق في أدب وصدق وثبات.. وكيف نحيط علمًا بالواقع.. مع حسن البصر والنظر لمستقبلنا الإسلامي المرتقب.. وكيف نستعلي في كل المراحل على أعدائنا مهما كان شأنهم وبطشهم.
ودعوة الإسلام لا يجب أبدًا أن تتخلى على وسائلها الأولى.. وهي الدعوة بين طبقات الشعب كلها.
وعرض الإسلام تربية وتعليماً على كل إنسان، وعدم ترك أي غموض في توجيهاته أو تشريعاته أو مساراته أو أهدافه أو بنائه.
فالرسول صلى الله عليه وسلم ربما التقى بالناس واحدًا واحدًا.. وربما دخل من البيوت بيتًا بيتًا.. وربما التقى بجماعات من الناس حينًا ما.. إنه يريد رفع المستوى العام لتأهيل الناس لتلقي وحي السماء.. إنه يريد صنع رأي عام إسلامي مستنير.
بعد هذا نمضي في طريق العمل.. وعندما يستشار الناس حتماً سوف يرتفعون إلى مستوى هذا الحق.. وإن عاقهم عن هذا الاختيار عائق ما.. فإنه حتمًا سيسقط ويتهاوى مهما كانت أغلاله وسياطه.. ويبقى ما ينفع الناس ماكثًا في الأرض، ترعاه عناية الله وتحرسه أجناد الخير.
لقد استشهد الإمام حسن البنا.. فهل ماتت دعوته؟ واستشهد الأستاذ سيد قطب.. فهل توارت كلماته؟، إن ما عند الله خير وأبقى..
وإذا حدث وسُلب أهل الحق حقهم.. فلا بد أن يستعيدوه بنفس الأسلوب الذي بدأوا العمل به.. وإذا اضطر الناس إلى استنفاد كل وسائل العلاج.. فإن آخر العلاج الكي.. ولو أنه علاج غير مستحب.. ولن نلجأ إليه إلا إذا اضطررنا.. فلا يركب الصعب إلا المضطر..
وإذا لم يكن إلا الأسنة مركباً فليس على المضطر إلا ركوبها.
وما رأيكم في فرض بعض كتب الردة على الشعوب.. وتدشين بعض مؤتمرات الانحلال والإخلال.. وفتح الأبواب على مصاريعها لغلاة العلمانيين كما ترى على بعض الساحات العربية؟
– فرض الردة على الشعوب أمر مرفوض بكل الوسائل والأساليب.. وأمامنا في مجال الرد والكفاح الهادي متسع.. والكلمة الأخيرة لنا بإذن الله تعالى.. ونحن نستطيع توصيل كلمتنا مهما كانت أسداف الظلام وحُجب الطغيان ولكن لا يمكن إلا أن تقاوم الردة، ويطارد المرتدون.. وإذا احتاجت المقاومة إلى الاستشهاد في سبيل اللـه فليكـن.. فبئست الحياة أن نحيا وأن يموت ديننا.