قال الأستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة د. حسن نافعة: أعتقد أن الشرق الأوسط والمنطقة العربية ليس لهما علاقة مباشرة بأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، مشيراً إلى أننا أمام أزمة كونية تتصل بموازين القوى في النظام الدولي، وهي ارتداد لما حدث في التسعينيات وقت أن انهار الاتحاد السوفييتي، وقد استغرقت روسيا أكثر من 20 سنة لتصبح دولة قوية مرة أخرى.
وأكد د. نافعة، في ندوة حوارية، أمس الثلاثاء، على “تويتر” بعنوان “الحرب على أوكرانيا وصراع النفوذ في الشرق الأوسط بين الإقليمي والدولي”، أن جذور الأزمة بدأت منذ أزمة جورجيا في عام 2008، وأزمة القرم عام 2014، وما يحدث امتداد لهاتين الأزمتين، ومنذ عام 2008 كان واضحاً أن روسيا بدأت تستعيد بعض قوتها وتحاول أن تقول: لا لمخططات حلف “الناتو”، فحينما كان الاتحاد السوفييتي ضعيفاً، اضطر أن يبتلع فكرة توسع حزب “الناتو”، أما حينما انهار الاتحاد السوفييتي قيل للنظام الحاكم في روسيا وقتذاك: إن “الناتو” لن يتوسع تجاه الشرق، وبعد أن انضمت كل الدول الأعضاء في حلف “وارسو”، بدأت تتنبه أن هناك إصراراً من دول “الناتو” على تقزيم روسيا وأن تكون دولة ليس لديها نفوذ عالمي.
وأضاف د. نافعة أن روسيا بدأت وضع خطوط حمراء دون أن يكون صوتها عالياً مع بداية الأزمة في جورجيا، وحينما بدأ الحديث عن دخول أوكرانيا التي تمتلك أسلحة نووية في حلف “الناتو” بدأت روسيا تقول: لا لقضايا تخص أمنها القومي؛ لأنها تعتبر أنها جزء من الاتحاد السوفييتي وجزء غالٍ جداً.
وأوضح د. نافعة أن أوكرانيا قضية أمن قومي حقيقي بالنسبة لروسيا، متسائلاً: لماذا ذهبت الولايات المتحدة في تحديها لروسيا إلى حد الاستفزاز بهذا الشكل؟ مبيناً أن القضية قديمة وليست حديثة، فلقد بدأ الحديث عن هذه الأزمة منذ ضم شبه جزيرة القرم، وكان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتفهم تخوفات روسيا الخاصة بالأمن القومي الروسي، خاصة في ظل الحديث عن توسع “الناتو” شرقاً، والمحاذير الخاصة بالأمن الروسي، لكن الولايات المتحدة دخلت بثقلها في أوكرانيا وغيَّرت النظام السياسي الذي كان موالياً لروسيا، فقامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم.
وأكد نافعة أن أمريكا كان يجب عليها أن تعطي لروسيا الضمانات المطلوبة للحفاظ على أمنها القومي، كما أن أمريكا راهنت على عدم قيام روسيا بأي عمل عسكري في أوكرانيا، بالرغم من تقارير المخابرات التي أكدت قرب القيام به، أعتقد أن هذا أخذ شكل محاولة تخويف روسيا وردعها عن شن الحرب وتهديدها بشن عقوبات قاسية لم يشهدها العالم من قبل.
وتابع د. نافعة أن حسابات أمريكا كان بعضها يفتقد إلى الدقة؛ وذلك لأنهم راهنوا على أن بوتين لن يذهب باتجاه الحرب، مشيراً إلى أن العالم اليوم يشهد تغييراً في النظام العالمي الذي كانت تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأ النفوذ الأمريكي يتآكل، مبيناً أنه من الواضح التنسيق الروسي الصيني في المواقف في ظل حذر صيني تقليدي، فالصين لا تريد بشكل صريح الموافقة على غزو دولة لدولة أخرى مستقلة، فهي ترفض هذا الأمر، لكنها في نهاية المطاف لن تسمح بخسارة روسيا للمعركة، وربما تقوم بوساطة بعد موافقة حلف “الناتو” عليها، وأن تكون هناك ضمانات أمنية لروسيا تضمن استقلال أوكرانيا وسلامة أراضيها.
وأضاف د. نافعة أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا لن تساهم بأي شكل من الأشكال في تركيعها، خاصة وأننا رأينا العقوبات الدولية التي استخدمت في أكثر من دولة لم تساهم في تركيع تلك الدول مثل إيران والعراق وروسيا، وتابع: أعتقد أننا في بداية تحول لميزان القوى، وستكون هناك نقطة توازن جديدة، ولن تكون الولايات المتحدة كما كانت عليه في السابق.
وأوضح د. نافعة أن حلف “الناتو” سنشهد فيه خلافاً في الأيام المقبلة بشأن حظر واردات النفط، خاصة في مواقف ألمانيا؛ لأن روسيا بالطبع سترد بمنع الغاز عن أوروبا، ولن تتمكن أوروبا من تعويض الغاز مطلقاً، مشيراً إلى أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا سلاح ذو حدين على منطقة الشرق الأوسط، فبعض الدول النفطية ستستفيد من تلك العقوبات، وبعض الدول المستوردة للمواد الغذائية من روسيا سيشكل الأمن الغذائي تهديداً لها.
وأشار د. نافعة إلى أن هناك علاقة مباشرة بين ما يجري في فيينا والمحادثات النووية وما يجري في أوكرانيا، فإذا تمكنت إيران من توقيع اتفاق نووي بالشروط الإيرانية سيكون لدينا بداية نظام إقليمي مختلف إلى حد كبير، إيران ستكون لاعباً أساسياً في المنطقة، وأعتقد أن أوروبا ستبدأ بالتفكير في استقلالها الأمني، مؤكداً بأنه في حال صمود روسيا أمام العقوبات فسنكون أمام نظام دولي جديد، وسيكون هناك حديث عن إصلاح الأمم المتحدة بطريقة مختلفة.
وتابع د. نافعة: لا أظن أن الاقتصاد العالمي يمكن أن يتحمل هذا المستوى من العقوبات الغربية على روسيا لفترة طويلة، ولأنها لن تكفي وحدها لتركيع روسيا، أرجح أن تبدأ عجلة البحث عن تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية خلال أيام أو أسابيع على أكثر تقدير، وأن يخرج بوتين فائزاً في هذه الجولة أيضاً من صراعه مع الغرب.
واختتم د. نافعة قائلاً: أعتقد أن الصين ستكون الطرف الأكثر قدرة على جني الأرباح في نهاية الأزمة الراهنة، فهي لن تترك الغرب يحقق انتصاراً كاملاً، وستساعد روسيا على تخفيف أضرار العقوبات الغربية، وقد تصبح في نهاية المطاف هي الطرف الذي يستجدي الغرب تدخله للتوسط لوقف القتال بعد تمكين روسيا من تحقيق أهم أهدافها.