ما بين حملات تقوم بها جهات دينية كالأزهر لمقاومة ارتفاع نسب الطلاق والمشكلات الأسرية والأزمات الأخلاقية تمتلئ الساحة الإعلامية والفنية بمصر خاصة مع قدوم شهر رمضان المبارك بترويج فج لمضامين للتفكك الأسري والانحلال الأخلاقي، وآخرها ما حدث مع بعض الأعمال الفنية الرمضانية التي احتوى أحدها مثلاً على مشاهد زنى محارم دفعت جهات رقابية أعلى للتدخل ووقف العرض، لكن بقي السؤال رائجاً: كيف تصون الأسر المصرية نفسها في هذا المناخ المستمر؟
وبحسب مختصين تحدثوا لـ”المجتمع”، فإن هناك “صراع أجندات اجتماعية” ما بين جهات تدافع عن القيم وأخرى تصر على نشر الانحلال، مؤكدين أهمية تحصين الأسر المصرية لنفسها ولأولادها عبر التمسك بالتدين والرحمة والمودة وعمل الخيرات والانشغال بالعمل النافع وتفعيل الرقابة التربوية الأسرية.
التمسك بالتدين والمودة
من جانبها، ترى الاستشارية الأسرية والاجتماعية د. منال خضر أن الأسرة المصرية ما بين الدفاع عن تماسكها واستقرارها الذي يقف في صفه الأزهر، وإعلام يخدم أجندات هدفها الرئيس هو تفكك الأسرة والانهيار الأخلاقي.
مراقبون: إجراءات ممنهجة لتقويض القيم.. والأزهر يحاول التصدي
وتوضح خضر أن المراقب لحالة التراجع الأسري والأخلاقي يجد خلفها أجندات مجهولة الهوية تقم بدور السرطان في الجسد الذي يدمر القواعد والأصول الأساسية التي تقوم عليها الأسرة، فنجد أنه في رمضان الشهر الفضيل الذي تستعد الأسر المسلمة وفي القلب منها الأسر المصرية بالعبادات والطاعات والتقرب إلى الله، نجد الإعلام الممول من أجندات مختلفة يبث سمومه من خلال المسلسلات التلفزيونية التي تنشر أفكاراً تهدم البناء الأسري وتسلط الضوء على قضايا شاذة غريبة عن المجتمع المسلم والمجتمع المصري مثل قضية زنى المحارم، وأصبحت المواضيع التي تناقش في الإعلام تنحصر ما بين الهجوم على الإسلام وثوابته وسب الصحابة رضوان الله عليهم، أو الهجوم على الحجاب وظلم الإسلام للمرأة عندما جعلها أسيرة عند أبوها وزوجها بالكذب والتضليل والافتراء على الدين، أو نشر نماذج لتصبح قدوات للمجتمع مثل العري والبلطجة.
وتثمن خضر دور الأزهر الشريف قائلة: الأزهر يقوم بدور عظيم في الدفاع عن الأسرة وثوابتها ومقاومة نسب الطلاق والمشكلات الأسرية والأزمات الأخلاقية التي تملأ الساحات الإعلامية والفنية في مصر، اتباعاً لقوله تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) (الأنبياء: 18).
وترى المستشارة المعنية بالأسرة والمجتمع أن تحصين الأسرة يبدأ بالعودة إلى دوحة الإسلام الصحيح، فقد اعتنى الإسلام بالأسرة لما في ذلك حفظ للجنس البشري كله، فقد جعل الإسلام الرابطة الأساسية للأسرة هي الزواج على كتاب الله وسُنة رسوله، وجعل الأسرة وتكوينها آية وعلامة ودليلاً على وجود الله سبحانه وتعالى.
وتضيف أنه ينبغي في هذا الإطار أن يكون هناك وضوح رؤية عند بناء الأسرة أن الزوج هو القيّم على أسرته، والزوجة هي القيمة على بيت زوجها، والأبناء يجب أن يتربوا عليهم واجب البر للوالدين، بجانب اعتماد مناخ الحوار والمناقشة الصريحة والهادئة والهادفة والواقعية في ظل التحديات التي تواجه جميع أفراد الأسرة بدون تسلط أو ضغط أو حرج.
وتشير إلى أنه من المهم في هذا المناخ المحاصر لقيم الأسرة أن يتدرب أفراد الأسرة على التعبير الصحيح عن مشاعر الحزن والفرح والغضب والإحباط والانتصار والانكسار، وبشرط أن تكون بطريقة صحيحة وموضوعية وغير هجومية أو تصادمية، بحيث نعطي أنفسنا وجميع أفراد أسرتنا المساعدة وتوضيح الرؤية بشكل صحيح وواع ومناسب.
خضر: العودة للدين والحفاظ على الحوار والمودة
وتشدد خضر على أهمية عدم الانفصال عن المجتمع ومراعاة فرق الزمن والتطور السريع، موضحة أن هذا التطور يخدمه ويرعاه الإيمان الصحيح بثوابت الدين، وأن الدنيا كلما انفتحت عليها كانت الأسرة أحوج لثبات الدين ورسوخه في النفس، وذلك عبر توفير بيئة آمنة وصالحة للأبناء وحاضنة إيجابية حتى لا يشعرون بالاغتراب في المجتمع، وتساعد في تثبيت العقائد والأخلاقيات التي تغرسها الأسرة في جو من الحب والتواصل والمودة والرحمة.
الرقابة الذاتية
ويلفت الباحث الإسلامي والتربوي د. محمد فتحي النادي إلى أن الغرض مما يحدث هو الوصول إلى ما نشاهده في الغرب الذي وصل لمرحلة قبول المنكر والتعايش معه ورؤيته أمرًا يتماشى مع الفطرة، رغم أن هذا انتكاس للفطرة وليس تماشياً معها.
ويثمن النادي تدخل الجهات الرقابية في مصر لمنع تلك الأعمال اللاأخلاقية التي ترغب في إشاعة الفواحش بين الناس، وهذا يدل على أن الخير ما زال قائماً، حتى وإن بدا أن هناك من يحاول أن ينشر الفساد الأخلاقي في المجتمع، فما زال هناك مجموعة تمقت الفحش ولا تقبله في الأعمال الفنية الدرامية.
ويشير الباحث التربوي إلى أهمية أن يكون للأسرة رقابية ذاتية من الآباء والأمهات على ما يشاهده أبناؤهم في الأعمال الدرامية والسينمائية، لأن الرسائل اللاأخلاقية يراد فرضها على المجتمعات المسلمة، ولا يمكن أن نتسامح مع الأسرة التي لا تراقب أولادها ولا تقومهم، فقد تكون بعض الأعمال جيدة في مجملها، لكنها فيها بعض اللاأخلاقيات والحض على الفاحشة، فهنا وإن قبلت الأسرة مشاهدة بعض الأعمال لما فيها من جودة فلا تهمل أبدًا إنكار المنكر حتى لا يألف الأولاد رؤية الحرام وقبوله.
ويشدد النادي على أن على الدولة أن تقوم بواجبها في حماية الأخلاق، فإن فرطت في ذلك فإن المجتمع عليه أن يحمي نفسه، فإن فرط المجتمع في حماية نفسه أخلاقياً فلا مناص أن تقوم الأسرة بحراسة الفضيلة بالمنع الكلي عن أبنائهم تلك الأعمال الفنية السيئة أو بالاعتراض والنقد لبعض المشاهد التي يأباها الدين والذوق والأخلاق.
النادي: الرقابة التربوية مهمة لحماية العائلة
قلق وتحرك
القلق مما يحدث لم يكن في مشيخة الأزهر فقط حيث انتقل إلى بعض أعضاء مجلسي النواب والشيوخ (غرفتي التشريع بمصر)، وفق ما تم رصده.
وطالب نائبان بمجلسي النواب والشيوخ بالالتزام بالثوابت الدينية والأخلاقية في المحتوى المقدم خلال شهر رمضان.
ودعت عضوة مجلس النواب أميرة أبو شقة إلى تفعيل ميثاق الشرف الإعلامي، والالتزام بالثوابت الدينية والأخلاقية في المحتوى الذي سيقدم على الشاشات خلال شهر رمضان.
وانتقد عضو مجلس الشيوخ جمال أبوالفتوح صناع الدراما الرمضانية بسبب عدم التزام البعض بضوابط الرقابة على الأعمال الفنية والمسلسلات، مشدداً على أهمية تقديم محتوى يتناسب مع الذوق والآداب العامة وأخلاقيات المجتمع المصري بدلاً من الانحطاط والابتذال والإسفاف في المحتوي المُقدم على الشاشات، وفق تعبيره.
وفي الفترة الماضية حاول الأزهر الشريف تقديم عدد من حملات المناهضة لارتفاع نسب الطلاق والجرائم المتصلة بالانحلال الأخلاقي.
وأطلق الأزهر مطلع العام الجاري إستراتيجية مشتركة مع دار الإفتاء ووزارة الأوقاف لمواجهة المشكلات الأسرية.
ودشن بالتوازي مع عدد من الدعاة حملة دعوية على مدار شهر رمضان للتوعية الدينية وفق بيانات رسمية وتصريحات رصدها مراسل “المجتمع”.