على عكس ما ادعاه الكيان الصهيوني يوم بدء العدوان على غزة، الجمعة 5 أغسطس الجاري، من أن العملية قد تستغرق أسبوعاً أو أكثر، تراجعت ووافقت على هدنة فورية من الوسيط المصري بعد اليوم الثالث من العدوان دخلت حيز التنفيذ مساء 7 أغسطس.
رئيس حكومة تصريف الأعمال الصهيوني يائير لبيد، الذي وصلته تقارير تؤكد أن عملية العدوان فاشلة وقد تؤثر على فرصه في الانتخابات المقبلة زعم أن أهداف “إسرائيل” العملياتية قد تحققت، ولم تعد هناك حاجة لمزيد من العمليات العسكرية.
وقال لبيد، في اجتماع: لقد تم تحقيق الأهداف، لا فائدة من مواصلة العملية، وفقاً لما أوردته صحيفة “جيروزاليم بوست”.
قبل إعلان قرار قبول الهدنة، أوصى رئيس جهاز المخابرات الصهيوني (الشاباك) رونين بار حكومة الاحتلال بالسعي لإنهاء العملية العسكرية في غزة، قبل حدوث أخطاء يمكن أن تورطها في عملية أوسع لا تريدها.
وقال موقع “واللا” العبري: إن بار قدّم هذه التوصية خلال اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت)، مساء السبت 6 أغسطس.
لكنه قال متخوفاً لو استمر العدوان: سيكون له تأثير بساحات أخرى أيضاً (في إشارة لانتفاضة فلسطينيي 1948، وفلسطينيي 1967)، ونوه بأن هناك هدفاً إستراتيجياً مخططاً له، يتمثل في فصل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن الجهاد الإسلامي.
وهو ما يعني تخوف “تل أبيب” من أن يؤدي استمرار العدوان لتدخل “حماس”، رغم أنها تساند الجهاد فعلياً في ساحة المعركة لكنها لم تشارك رسمياً.
فضلاً عن مخاوف أخرى من تداعيات داخلية في الكيان الصهيوني تتعلق بالرغبة في عدم تكرار ما جرى خلال عدوان عام 2021 حين تضامنت كل فلسطين مع غزة ووقعت مصادمات في مدن عربية و”إسرائيلية”.
وقد شكك المعلق العسكري “الإسرائيلي” أمير أورن بصحيفة “هاآرتس” العبرية في نتائج العدوان على غزة، وأكد أن قائد الجيش كوخافي يعي أنها لن تسهم في تعزيز قوة الردع “الإسرائيلية”.
وضربت صور فرار المستوطنين الصهاينة في تل أبيب عندما دوت صفارات الإنذار وتهجيرهم من مستوطنات غلاف غزة إلى حيفا خوفاً من صواريخ المقاومة كبرياء الصهاينة العسكري، وهدمت عقيدتهم الأمنية القائمة على الحرب بعيداً عنهم.
وطالت صواريخ حركة الجهاد على بساطتها تل أبيب والقدس، بل وسقط أحد الصواريخ قرب مطار بن غوريون؛ ما هدد بوقف حركة الطيران حيث أغلق الكيان مجاله الجوي في حربي عامي 2021 و2014 عدة أيام بسبب الصواريخ.
وهذا من أهم صور النصر التي تكرسها المقاومة، فهذا المطار من أهم الرموز “السيادية” للكيان الصهيوني، والاحتلال أوقف القتال خشية تدخل “حماس” بكل قوتها الأكثر دقة في دك المطار والمدن “الإسرائيلية” الرئيسة.
دافع وقف القتال
الدافع الأكبر لاستعجال الاحتلال توجيه ضربة غادرة على غزة هو عدم قدرته احتمال البقاء لمدة طويلة في حالة توتر وترقب انتظاراً لهجمات متوقعة تشن عليه من غزة بعد جرائمه في جنين، وهي المعادلة التي سعت المقاومة لفرضها.
الفصائل الفلسطينية فهمت المعادلة وراهنت على إبقاء تلك الحالة لدى جمهور الاحتلال وقيادته أطول مدة، حسبما يقول محللون فلسطينيون.
يمكن الحديث عن 4 أسباب دفعت الاحتلال لقبول الهدنة:
أولها: الخوف من انضمام “حماس” بقوتها في القتال، خاصة أن صواريخ الجهاد وصلت تل أبيب والقدس، وعطلت الحياة في مدن الجنوب.
وثانيها: ثبوت وحدة ساحات المقاومة، وأن “حماس” تدعم الجهاد في كل الهجمات دون أن يُعلن أنها دخلت المعركة، وهو ما أكده قادة الجهاد وصحف عبرية وهي تسخر من حكومة لابيد.
وهو ما أكده رئيس الدائرة السياسية في حركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي لـ”التلفزيون التركي” (تي أر تي) الذي أكد أن “إسرائيل” لا تريد الربط بين غزة والضفة الغربية، ونحن ربطنا، وهذه المعركة انطلقت من أجل الضفة، وعلاقتنا مع “حماس” زادت قوة ومتانة، و”إسرائيل” فشلت في بث الشقاق بين الجهاد الإسلامي و”حماس”.
والثالث: التخوف من دخول “حماس” رسمياً المعركة لو طال القصف والضحايا وهدم العمارات وإطالة أمد الحرب، إذ بدأ الصهاينة الحرب يوم إجازة رسمية هو الجمعة واستمرت يوم سبتهم لكن عودة الموظفين يوم الأحد أظهرت حجم الارتباك وتوقف العمل في كل مدن الاحتلال.
والرابع قلق لابيد وحكومته من تداعيات استمرار الحرب فترة أطول على سقوطهم في الانتخابات المقبلة، وقالت دفنا ليئيل، المراسلة في القناة “12” العبرية: إن الحرب على غزة سيكون تأثيرها سلبياً على رئيس الوزراء لابيد خلال الانتخابات القادمة.
وكان التقدير الصهيوني السائد أن لابيد في حال أنهى العدوان على غزة في غضون يومين إلى ثلاثة أيام قد يجعله يخرج بأقل الخسائر، لكنه قد يخسر الكثير إذا تعقّدت يوميات الحرب، وبالتالي فقد تمثل له هذه الحرب نهاية مريرة ومبكرة، لعهده السياسي الذي لم يدم أكثر من 5 أسابيع فقط.
وهناك سبب خامس تم تلافيه بهدوء؛ وهو الخوف من تداعيات اقتحام مئات المستوطنين من الحركات الصهيونية المتطرفة للمسجد الأقصى يوم 7 أغسطس في ذكرى يهودية وأدوا الصلوات ورددوا نشيداً تلمودياً يدعو إلى بناء الهيكل على أنقاض الأقصى.
ودنس مئات الصهاينة المسجد الأقصى وهم ينتمون إلى الحركات الخلاصية، التي تؤمن بأن تدمير الأقصى وبناء الهيكل على أنقاضه سيفضي إلى اندلاع حرب يأجوج ومأجوج، التي ينزل على إثرها المخلص المنتظر، فيتحقق الخلاص اليهودي، وحسب حاخامات الخلاصيين فإن المسلمين يمثلون “يأجوج ومأجوج”.
وتشير معظم المؤشرات إلى أن الحركة الكهانية برئاسة بن غفير، التي تمثل الذراع السياسية للحركات الخلاصية ستشارك في الحكومة الصهيونية القادمة حال شكلها نتنياهو، كما تدل استطلاعات الرأي.
وقد أكد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، مساء الأحد الماضي، أن المقاومة نجحت في فرض شروطها على الاحتلال خلال مفاوضات غير مباشرة لوقف إطلاق النار.
وقال النخالة، في مؤتمر صحفي من طهران: إن الاتفاق يتضمن تعهداً مصرياً يتمثل في التزام “إسرائيلي” بإطلاق سراح الأسيرين خليل العواودة، والشيخ بسام السعدي.
وأكد أن “إسرائيل” هي التي سعت بكل قوة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار عبر مصر والأمم المتحدة.
وقد ذكرت قناة “12” العبرية أن “إسرائيل” لن تجني سوى الدم والدموع من الحرب وسيكون تأثير العدوان السلبي على رئيس الوزراء لابيد خلال الانتخابات القادمة.
ويؤكد المحلل السياسي مصطفى الصواف أن الاحتلال كان يريد تحقيق 3 أهداف نجح في أحدها فقط؛ هو اغتيال قادة عسكريين، ولكنه فشل في تحقيق الهدفين الآخرين اللذين كان يهدف من وراء عدوانه تحقيقهما.
وأوضح الصواف لـ”المجتمع” أن الهدف الأول هو ضرب وحدة قوى المقاومة وتحديداً “القسام” و”سرايا القدس”، ولكنه لم يحقق هذا الهدف؛ لأن المعركة كانت على تفاهم تام بين قوى المقاومة في غرفة العمليات وخاصة بين “القسام” و”السرايا”، وكانت درجات التنسيق بينهما عالية، وهذا ما أكدته قيادة “الجهاد” و”حماس” خلال العدوان الصهيوني.
وأن الهدف الآخر هو العمل على فك الارتباط بين جبهات العمل الفلسطيني في غزة والضفة والقدس والـ48، وهذا الهدف لم يتمكن الاحتلال من تحقيقه أيضاً، وبقي الترابط بين الساحات الفلسطينية قائماً ومستمراً.