ركوب المرأة مع السائق
هل يجوز أن تذهب المرأة بالسيارة مع السائق للعمل أو لقضاء الحاجات دون محرم؟ وهل يختلف الوضع إذا كان السائق مسلماً أو من ديانة أخرى؟
– لا يُلجأ إلى تشغيل سائق للبيت إلا عند الحاجة الشديدة لما يترتب عليه من دخول رجل أجنبي في البيت، وفي هذا من المفاسد ما لا يخفى، فإذا دعت الحاجة وخرجت معه المرأة، فإن كانت الأماكن التي تذهب إليها داخل المدينة أو المناطق السكنية فلا يعتبر ذلك خلوة لانشغال الشوارع بالسيارات والمارة، ويتشدد في ذلك بالخروج ليلاً، وأما الذهاب إلى الأماكن البعيدة التي يحتمل فيها انقطاعها عن السيارات والمارة فهي في حكم الخلوة، فلا تجوز إلا مع محرم أو جمع من النسوة سداً للذريعة وبعداً عن الشبهات.
وصيتان للمتوفي
توفي والدنا وتبين لنا أنه كتب وصيتين؛ وصية بالثلث لعمل الخيرات، ووصية بالثلث لبعض الأقرباء من غير الورثة، فما العمل؟
– هذا ما يسمى بتزاحم الوصايا، فتتعدد الوصايا، ولا يسعها الثلث ما لم يجز الورثة ما زاد على الثلث، وفي محل السؤال، وصيتان كل واحدة بالثلث، الأولى في الخيرات، والثانية للأقرباء من غير الورثة، فيوزع الثلث عليهم بالسوية، وذلك لأن الموصي لم يبين سهم كل منهما، ولو بيَّن فإن الثلث يوزع بنسبة السهام التي ذكرها الموصي.
تشميت الرجل للمرأة
هل يجوز للرجل إذا عطست المرأة في مكان ما ولم يشمتها أحد أن يشمتها؟ وهل يجوز لها أن تشمت الرجال؟
– يفرق بعض الفقهاء -وهم المالكية والحنابلة- بين تشميت المرأة الشابة فلا يجوز تشميتها ولا يجوز لها أن تشمت غيرها؛ وذلك خشية الافتتان، أما إذا كانت المرأة عجوزاً ولا تميل إليها النفس فإنها تُشمِّت وتُشمَّت.
والذي نراه -والله أعلم- جواز ذلك، إذ لم يثبت دليل يثبت التفرقة، وقياساً على صوت المرأة؛ فإنه ليس عورة لذاته وخاصة إذا كان التشميت لغرض حصول الأجر، وهو من التآلف الذي حث عليه الإسلام ومن حقوق المسلم على المسلم.
هذا هو الحكم الأصلي وهو الجواز، فإن كان تشميت الرجل لهذه الفتاة بداخله غرض، كأن يستنطقها ويفتح معها حواراً له منه غرض أو أي أمر آخر في نفسه فيكره ذلك.
دعاء الأم على أولادها
سيدة تقول: إن كثيراً من النساء إذا غضبن من أولادهن يدعون عليهم، فهل يجوز ذلك؟ وهل هذا يضرهم؟
– لا يجوز للمسلمة أو المسلم أن يدعو على الأبناء أو حتى على أنفسهم، وقد يضرهم هذا فقد يوافق ساعة إجابة؛ ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدْعوا على أنفسِكم، ولا تدْعوا على أولادِكم، ولا تدْعوا على خَدَمِكم، ولا تدْعوا على أموالِكم، لا تُوافقوا من اللهِ ساعةَ نيْلٍ فيها عطاءٌ فيُستجابَ لكم»(1).
لعن الكفار والفساق
هل يجوز أن نلعن شخصاً نعرفه من النصارى أو من اليهود، والذي لعنه يقول: هذا فاسق ملعون؟ وهل يجوز أن نلعن الحيوانات كالبعير والحصان؟
– جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة على عدم جواز لعن الكافر المعين إذا كان حياً؛ لأنك لا تدري على أي دين يموت، وقد شرط الله تعالى إطلاق اللعن لمن مات كافراً، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (البقرة: 161)، لكن من مات على الكفر، أو إطلاق اللعن على الكفار دون تعيين أحد بذاته فهذا جائز على الكافر والمسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة، ولعن آكل الربا، ولعن قبائل من العرب وهم: رعل، وذكوان، ولعن اليهود والنصارى، ولا يجوز أيضاً لعن الحيوان، لما ورد أن امرأة من الأنصار على ناقة في سفر، فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «خذوا ما عليها، ودعوها فإنها ملعونة»(2)، قال عمران بن حصين رضي الله عنه راوي الحديث فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد.
وفي رواية عند الحنابلة وهو قول ابن العربي من المالكية وفي قول عند الشافعية أنه يجوز لعن الكافر المعين.
وأما المسلم الفاسق المعين فلا يجوز لعنه عند الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة؛ لما ورد أنه لما أتي النبي بشارب خمر مراراً فقال بعض من حضر: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلَّا أنَّه يحبُّ الله ورسوله»(3).
وفي قول عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أنه يجوز لعن الفاسق المعين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاة الفجر: «اللَّهمَّ الْعَنْ فُلاناً وفُلاناً لأحياء من العرب».
تدخين الزوج وتضرر الزوجة
زوجة تتأذى من تدخين زوجها للسجائر، وهي تكره رائحتها، وزوجها يرفض ترك هذه العادة، فما حكم الشرع في هذا الأمر؟
– مما لا شك فيه أن رائحة السجائر كريهة بغض النظر عن حكمها، وهو في الجملة بين الكراهة والحرمة، وقد طلب الشرع من الزوجين العشرة بالمعروف، فقال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19)، وقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 228)، ومعنى العشرة بالمعروف هنا هي التزام كل منهما بإعطاء الطرف الآخر كامل حقه من الواجبات، وما دونها مما فيه كمال حسن العشرة، ومن حسن العشرة ترك الزوج كل ما فيه إيذاء الزوجة من مثل الغلظة في الكلام، والعبوس في وجهها، وإهانتها، وله عليها مثل ذلك، ولا شك أن الدخان فيه ضرر على الزوجين، وأخف ضرره على الزوجة إيذاء الزوج لها برائحته، مما قد يؤثر في كمال الاستمتاع بينهما، والاستمتاع مقصد شرعي، وحق لهما لا للزوج وحده.
ولو كانت الزوجة تشرب الدخان لكان له منعها منه للضرر وللتأذي به، فهو أبلغ في المنع مما ذكر من الروائح، وإذا كان هذا حقاً للزوج ويلزمها طاعة أمره في ذلك، فهو حق لها لحسن العشرة، فتطلب منه أن يمتنع عن إيذائها بدخان ورائحة السجائر، وحسن العشرة مندوب إليه ومستحب، كما ذهب إليه الحنفية والحنابلة، أو واجب ديانة لا قضاء كما ذهب إليه المالكية.
وعلى هذا نقول: من حق الزوجة أن تطالب زوجها أن يترك تناول الدخان لئلا يؤذيها بدخانه ورائحته، ولئلا يلحق بها الضرر المحتمل، فإن قرر الطبيب المختص أن الدخان يضر هذه الزوجة لظرف صحي خاص بها، فيلزم الزوج الامتناع حينئذ، ويأثم إن لم يفعل وأصر رغم ضرره للزوجة، وللزوجة أن تمتنع عن زوجها لهذا السبب.. ولو طلبت الزوجة التطليق من القاضي وحكم لها بالطلاق للضرر بعد أن يعذر الزوج ويطلب منه الامتناع عن الإضرار بها لم يبعد عن الصواب، وصح حكمه، هذا على القول بكراهة التدخين، وإن قلنا هو حرام، فيلزم الزوج الامتناع على كل حال.
شرب الخمر مستتراً
ما الحكم الشرعي في رجل يعرف أن رجلاً آخر شرب الخمر في بيته وأتى بعض المنكرات ولكنه يحرص على ألا يراه أحد، ويتخفى في بيته، فما التصرف الشرعي؟ هل يبلغ عنه السلطات؟ هل يتكلم عنه في الديوانيات التي يذهب إليها؟ أم ماذا يفعل؟
– اتفق العلماء على أن من يشرب الخمر أو يزني أو يأتي أي منكر متخفياً غير مجاهر فيندب ستره ولا يجوز أن يكشف أمره لمن يعرف أو لمن لا يعرف، سواء السلطات أو زملاؤه أو أهله، فقد ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة»، وفي رواية: «ستره الله في الدنيا والآخرة»(4)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: «من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته»(5)، والسبب في هذا أن كشف ذلك وإشاعته والتحدث به فيه إشاعة للفاحشة، وربما كان ذلك سبباً في تمادي العاصي بعصيانه، بل طريق العلاج هو نصح هذا العاصي وتذكيره بعقوبة الله وغضبه.
وينبغي أن ننبه حقاً إلى أن هذا الحكم وهو الستر يُستثنى منه حالتان مهمتان؛ الأولى: ألا يجاهر بالمعصية، وألا يكون هذا الشخص معروفاً بفسقه وعصيانه وعدم مبالاته وعدم اهتمامه بما يوصف به أو يقال عنه؛ فهذا يندب أن يكشف أمره ويحذر الناس منه اتقاء لشره، وينبغي رفع أمره إلى ولي الأمر وإلى السلطات المعنية لتوقفه عند حده وتوقع به ما يستحقه من العقوبة، الثانية: أن يكون فعل المعصية الذي ينبغي ستره قد تم في الماضي وعلمه من علمه، ولا ينسحب حكم الستر على الفعل الحاضر، فمن علم شخصاً يرتكب فعلاً منكراً ومعصية ويتيقن من ذلك فيجب منع هذا الشخص من ارتكاب المنكر ورفع الأمر إلى ولي الأمر.
ــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) أخرجه البخاري 6/293، ومسلم 3/1231.
(2) أخرجه مسلم: 4/2004
(3) رواه البخاري (6780).
(4) البخاري 5/97، ومسلم 4/1996.
(5) ابن ماجه 2/850.