تهيمن سياسات الهجرة في السويد على البرامج السياسية للأحزاب المشاركة بالانتخابات البرلمانية 11 سبتمبر الجاري.
الناخبون يختارون برلماناً قد يفضي إلى حكومة ورئيس وزراء جديد، فيما تسعى الأحزاب لاستقطاب أصوات الناخبين مستفيدةً من انتقاد سياسة استقبال المهاجرين.
حزب الديمقراطيين الاشتراكيين (الحاكم)، يحاول كسب أصوات الناخبين الذين يرون أن المهاجرين هم السبب الرئيس لمشكلاتهم.
بالمقابل، تشير التوقعات أن حزب “ديمقراطيو السويد” اليميني المتطرف، المعروف بعلاقاته مع النازيين الجدد، قد يصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان السويدي بعد انتخابات الأحد المقبل.
وفي السياق، يتخوّف مراقبون من أن التركيز على المهاجرين في الانتخابات قد يؤدي إلى إنشاء تحالف بين حزب “ديمقراطيو السويد” الشعبويّ وحزب “المعتدلين” اليميني التقليدي.
على الصعيد الرسمي، تعهدت رئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون، باتخاذ إجراءات أكثر صرامة وفرض أحكام سجن أطول بحق مرتكبي الجرائم المتعلقة بالعصابات، علمًا أنه عادةً ما يتم ربط هذه القضايا بالمهاجرين فقط.
وأواخر أغسطس 2022، أعلنت أندرسون أن الحكومة ستوسع سلطة الشرطة إلى “أعلى حد على الإطلاق”، وكشفت عن خطط لزيادة قوات الشرطة إلى 50 ألفًا بحلول عام 2032.
وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما صرّحت أثناء حملتها الانتخابية أنها “لا تريد صومالي تاونز أو تشاينا تاونز أو ليتل إيتاليز في البلاد”، في إشارة إلى أحياء الأقليات المنتشرة في البلاد.
وأوضحت أندرسون أن هذا الإجراء يأتي ضمن محاولة الحكومة محاربة الفصل العنصري في البلاد.
تبنّي مواقف اليمين المتطرف
وقال ديفيد كراوتش، الصحفي البريطاني البارز الذي يعمل في السويد: إن “حزب ديمقراطيي السويد نجح في تحويل الطيف السياسي نحو اليمين، ما دفع بجزء كبير من أحزاب يمين-الوسط ويسار-الوسط إلى تبنّي رؤية اليمين المتطرف بشأن المهاجرين”.
يرى كراوتش أن بعض الديمقراطيين الاشتراكيين البارزين في السويد، متعاطفون مع نهج الديمقراطيين الاشتراكيين في الدنمارك الذين فازوا بانتخابات 2019، بعد تبنيهم موقف اليمين المتطرف بشأن الهجرة، وموقف اليسار المتطرف بشأن الرفاهية.
ومع ذلك، تواجه أندرسون والديمقراطيون الاشتراكيون موقفًا مختلفًا تمامًا، حيث توجد العديد من العقبات الرئيسية التي من شأنها أن تجعل هذا النهج “شبه مستحيل”، ما يقلل اعتمادهم على دعم حزب الوسط الليبرالي للحصول على أي فرصة للحكم بعد الانتخابات المقبلة.
أولف بيريلد، الناقد المعروف للنهج الدنماركي والسياسي والصحفي البارز، قال للأناضول، إن تبنّي سياسات اليمين المتطرف “لن يحدث فرقًا كبيرًا”.
وأضاف: “في كل مرة يقترب فيها حزب الديمقراطيون الاشتراكيون من حزب ديمقراطيو السويد، يتخذ الأخير خطوة أبعد نحو اليمين”.
وقبل الانتخابات السويدية عام 2018، كان الديمقراطيون الاشتراكيون والمعتدلون اليمينيون التقليديون يفكرون بالفعل بتبنّي استراتيجية أقصى اليمين بشأن قضايا الهجرة والجريمة والعقاب.
وفي هذا المجال، قال بيريلد: إن “هذا النهج أدّى إلى نتائج عكسية، حيث مكّن الحزب الشعبوي من النمو واكتساب شعبية أكبر، خاصة بين الناخبين المعتدلين”.
بدوره، يرى كراوتش أن دعم الناخبين لليمين المتطرف “ارتفع بشكل حادّ في العقد الماضي، عندما بدأت السويد باستقبال أعداد كبيرة من طالبي اللجوء من الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا”.
وتابع: “يُلقي ديموقرطيو السويد باللوم على الهجرة المتزايدة كسببٍ لارتفاع معدلات جرائم العصابات العنيفة في المدن السويدية، لكنهم في الوقت نفسه يعادون بشكل أساسي المهاجرين، لا سيما المسلمون منهم”.
ويرى بيريلد، الذي يعمل أيضا أستاذًا للعلوم السياسية في جامعة غوتنبرغ السويدية، أن تبنّي النهج الدنماركي في السويد يمكن أن يؤدي إلى حشد المعارضة الداخلية داخل الحزب الحاكم، ما قد يؤدي إلى انقسام الحزب”.
وأضاف: “الحزب الليبرالي لن يقبل أبدًا أن تسير السويد على خطى الدنمارك”.
وتوقّع بيريلد ألا يذهب الحزب الحاكم إلى أبعد مما فعله الدنماركيون بشأن مسألة الهجرة.
سياسة متقلبة
تدور الانتخابات حاليًا في السويد حول من سيشكل الحكومة، ومع من سيلعب دور المعارضة، حيث ستتوزع أصوات الناخبين بين ثمانية أحزاب رئيسة، منها 4 يسارية و4 يمينية.
ويرى كراوتش، مؤلف كتاب “شبه مثالية.. كيف تعمل السويد وما يمكننا تعلّمه منها؟”، أنه “من الصعب جدًا على أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط تشكيل ائتلافات حاكمة”.
ويقول: إن يسار الوسط الحاكم “يعتمد على دعم الليبراليين والشيوعيين السابقين لتحقيق الغالبية الأدنى من المقاعد في البرلمان بنسبة 50% +1”.
وأشار كراوتش إلى أن يمين الوسط المعارض غيّر مساره مؤخرًا “بشكلٍ جذري” وشكّل كتلة انتخابية “فضفاضة” مع متطرفي اليمين المعادين للمسلمين، الذين يحتاجون إلى دعمهم إذا ما أرادوا الفوز بغالبية البرلمان.
وأضاف: “هذا يجعل السياسة السويدية في الوقت الحالي متقلّبةً للغاية ولا يمكن التنبؤ بها”.
هذا الأمر تعكسه استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن الانتخابات ستشهد “سباقًا متقاربًا جدًا” بين اليسار واليمين.
مفاوضات صعبة
إذا حصلت الأحزاب اليسارية الأربعة على غالبية المقاعد في البرلمان، فستحتاج أندرسون إلى موافقة الجميع حول القضايا الرئيسة لضمان بقائها في السلطة.
ويرى أندريس سانرستد، خبير الانتخابات البارز الذي يعمل حاليًا في جامعة لوند جنوبي السويد، أن أحزاب الوسط واليسار ستشهد “مفاوضات صعبة لأنها تختلف مع بعضها حول كثير من القضايا”.
وقال كراوتش إن “الديمقراطيين الاشتراكيين يحتاجون، على سبيل المثال، إلى الموازنة بين إصرار حزب الوسط الليبرالي على عدم رفع الضرائب، ومطالب حزب اليسار بإنفاق أعلى على الرعاية الاجتماعية”.
ورأى أن تحقيق هذا التوازن “أمرٌ صعب، لأن حزب الوسط معادٍ جدًا لحزب اليسار الذي حقق نجاحًا كبيرًا في حملته من أجل رواتب تقاعدية أعلى”.
من جانبه، يعتقد سانرستد أن “المفاوضات يمكن أن تشكل تحدّيًا لأندرسون”، وأكد أنها “مهمّة صعبة” مستدركًا أن “أندرسون يمكنها التعامل معها إذا فازت أحزاب اليسار في الانتخابات”.
مستقبل قاتم
في السنوات الأخيرة، شهدت السويد 134 يومًا من المفاوضات الصعبة في عامي 2018 و2019، عندما تم تشكيل حكومة أقلية من قبل الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الخضر.
وأعقب ذلك أزمتان شهدتهما السويد العام المنصرم، بعد خسارة رئيس الوزراء آنذاك ستيفان لوفين، تصويتًا لحجب الثقة، ما اضطرّه إلى الاستقالة.
ويرى سانرستد أن مستقبل الأحزاب السياسية الرئيسة الثمانية “ليس مشرقًا جدا”، حيث سيكون طريقهم “وعرًا قليلًا”.
وتوقّع أن تشهد السنوات القليلة المقبلة بعض الإشكاليات، خصوصًا أن الخلاف داخل الحكومة حول القضايا الرئيسة قد يؤدّي إلى إسقاط الحكومة، سواء أكانت حكومة بقيادة الديمقراطيين الاشتراكيين أو المعتدلين.
وأضاف: “سنشهد أوقاتًا عصيبة في السنوات القليلة المقبلة، مشابهةً إلى حد كبير لما رأيناه في السنوات الأربع الماضية”.