قرر العلمانيون الأتراك في حزب كمال أتاتورك فجأة التوبة والاعتراف بأخطائهم في الماضي، وإعلان تصالحهم مع الحجاب، بل واستعدادهم لتقديم قانون في البرلمان التركي يسمح بارتداء الحجاب في كل تركيا دون حظر!
ونشر كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي، في 3 أكتوبر الجاري، مقطع فيديو على حسابه بموقع “تويتر”، يؤكد أن حزبه أخطأ بشأن حجاب المرأة في زمن كمال أتاتورك، وأنه سيتقدم بمشروع للبرلمان يمنع حظر ارتداء الحجاب بجميع قطاعات الدولة ويكفُل الحق في ارتدائه بصفة قانونية.
لم يكن الأتراك في حاجة لفهم ألاعيب حزب أتاتورك، حيث أكدوا، عبر مواقع التواصل، أن الحزب الذي جاء متأخراً بعدما ألغى حزب أردوغان (العدالة والتنمية) حظر الحزب بالفعل، يفعل ذلك لأهداف انتخابية حيث تقترب انتخابات البرلمان والرئاسة (يونيو 2023).
وأشاروا إلى قول أوغلو، خلال فيديو اعترافه بحرية الحجاب وتقديم قانون الحجاب للبرلمان: إنه يفعل هذا من أجل منع استغلال قضية الحجاب سياسياً في البلاد، وهو ما قد يشير لهدف آخر من وراء اعتذاره عن اضطهاد المحجبات.
كما أشاروا إلى تصريحات أحمد نازيف يوجل، كبير مستشاري كليجدار أوغلو، لموقع “الجزيرة. نت”، في 19 أغسطس الماضي، الذي أوضح أن زعيم حزبه فعل ذلك بحجة منافسة حزب أدوغان في اللعب على وتر الدين، حسبما زعم.
وزعم أن حزب العدالة والتنمية يستغل عامل الدين لتوسيع قاعدته الشعبية، وزعيم حزبنا يريد أن يسحب هذا البساط من تحت أقدام العدالة والتنمية!
لهذا، أحرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زعيمَ حزب الشعب الجمهوري المعارض، ودعاه إلى التعاون لإدراج مسألة عدم المساس بحرية ارتداء الحجاب في دستور تركيا بدلاً من الاكتفاء بتقديمه كمشروع قانون للبرلمان.
وقال له: إن حكومات حزب العدالة والتنمية “أزالت” مسألة حظر ارتداء الحجاب، وأصبح الحجاب حقاً طبيعياً للمواطنين لا يستدعي قانوناً ولا دستوراً.
وهكذا بعد 99 عاماً من حظر الحجاب عقب تولي كمال أتاتورك السلطة وإلغاء الخلافة الإسلامية، يهزم الحجاب العلمانيين وخلفاء أتاتورك.
والغريب أن لطيفة أوشاكي، زوجة مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس جمهورية تركيا وأول رئيس جمهورية، كانت ترتدي الحجاب (الشادور التركي) الذي كان زياً شعبياً محافظاً حينئذ، وتردد أنها انفصلت عن زوجها لاعتراضها على قراره نزع الحجاب بالقوة.
مصطفى كمال أتاتورك وزوجته المحجبة
قصة منع الحجاب
يعود حظر الحجاب في تركيا إلى عام 1923 عندما تم تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، لكن مظاهر منعه أصبحت أكثر عدوانية عقب الانقلابات العسكرية.
فعقب الانقلاب العسكري عام 1980، تم سن “قواعد اللباس العام”، ومُنعت النساء المحجبات من العمل موظفات في الهيئات الحكومية، وحظر “مجلس التعليم العالي” الحجاب في الجامعات، وتم طرد 30 ألف طالبة محجبة من مدارسهن.
وحين قام الجنرالات بانقلاب آخر عام 1997 ضد حكومة حزب “الرفاه” الإسلامي، أصدر مجلس الأمن القومي، الذي يسيطر عليه الجيش، قراراً يعتبر الحجاب “تهديداً لتركيا” وأغلق العديد من مدارس الأئمة والخطباء.
وعقب فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات عام 2002، حاول إلغاء حظر الحجاب عبر تشريع تعديل دستوري قدمه في البرلمان عام 2008 وافقت عليه أغلبية 411 من النواب مقابل 103.
لكن حزب الشعب الجمهوري واليسار الديمقراطي قدما طلباً إلى المحكمة الدستورية العليا لإلغاء التعديل الدستوري الذي ينص على حرية ارتداء الحجاب في الأماكن العامة بدعوي أن تركيا دولة علمانية.
وعام 2010، قرر حزب العدالة والتنمية إجراء استفتاء شعبي حول تعديل دستوري لنصرة الحجاب وأيده نسبة 57.88% من قرابة 74% من الأتراك الذين شاركوا في الاستفتاء مقابل 42.12% للمعارضين له، فتم رفع حظر الحجاب في نفس العام.
ورفعت تركيا الحظر المفروض على ارتداء طالبات الجامعات الحجاب في عام 2010، كما سمحت بارتدائه في المؤسسات الحكومية في عام 2013، والمدارس المتوسطة في عام 2014، ومن ثم ذهبت لكسر الحظر عنه في مؤسسات الشرطة والجيش.
حيث تم أيضاً إلغاء الحظر الرسمي على الحجاب، في الجيش والشرطة والسماح لزوجات الضباط المحجبات بدخول المنشآت العسكرية والأمنية لمرافقة أزواجهن وأولادهن، ثم السماح بتجنيد محجبات.
وقبل هذا، غزا الحجاب قصر “جانكايا” الرئاسي عقب فوز عبدالله جول ودخول زوجته المحجبة (خير النساء) للقصر الرئاسي عام 2007، ثم للمرة الثانية بدخول زوجة أردوغان (أمينة) المحجبة، تحطمت أجزاء من صنم العلمانية التركية، وخلال توليه الحكم يسعي أردوغان لهدم ما تبقى عبر حزبه القوي في البرلمان.
وأكثر ما يثيره وصول زوجة محجبة لقصر الرئاسة التركي لثاني مرة منذ هدم الخلافة الإسلامية العثمانية، هو أن رئيس الجمهورية في العرف السياسي التركي هو قائد الجيش، والجيش كان يرفض بقوة السماح بالحجاب، كما أن رؤساء تركيا العلمانيين السابقين كانوا يرفضون دعوة زوجات قادة حزب العدالة المحجبات لقصر الرئاسة.