فقدت الكويت، في 28 أكتوبر الماضي، العم أحمد الجارالله الحسن الجارالله، قامة من قامات العمل الخيري والدعوي داخل البلاد وخارجها، عن عمر تجاوز 100 عام.
والفقيد، يرحمه الله تعالى، والد وزير الصحة الكويتي الأسبق د. محمد الجارالله، والشيخ صلاح الجارالله، إمام وخطيب مسجد فاطمة، الأمين العام لاتحاد رعاية الأيتام، والشيخ الفقيد أحد مؤسسي جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت عام 1963م.
مسيرته التعليمية والدعوية
ولد العم أحمد الجارالله الحسن الجارالله، في 6 يناير 1920م، بمدينة الكويت القديمة في أسرة عُرفت بالتدين.
تلقى تعليمه في مدرسة المباركية، ثم اشتغل بالعمل الحر طوال حياته، وسكن حي الصالحية، حتى إنه كان آخر من ترك الحياة من أعمدة الصالحية مع صديق عمره الفلكي العم صالح العجيري، رحمهما الله تعالى.
مدرسة في الأخلاق والقيم ونبراس للمعروف يمشي على الأرض
وفي حياته العملية، كان مثالاً للتاجر الصادق الأمين الذي لا يعرف التطفيف ويحفظ الوعد والعهد، وكان الكثير من رجال القبائل فيما مضى حين يفدون المدينة للشراء والتبضع يعهدون إليه بأموالهم وأماناتهم ويعتبرونه كما قال أحد كبارهم صندوق الأمانات بالنسبة لهم.
عُرف عنه بأنه كان مدرسة في الأخلاق والقيم والنصح والتوجيه والإرشاد، وكان همه إصلاح ذات البين، ومساعدة القريب والبعيد، لا يرد لسائلٍ حاجةً، شعاره في ذلك «والغنيمة من كل بر».
كان محباً للقرآن الكريم، وملازماً لتلاوته وتدبره ليلاً ونهاراً إلى آخر حياته، نبراساً للمعروف يمشي على الأرض، فلا تسأل عن صلته بأرحامه ولا عن بره بجيرانه وحبه للخير لكل من عرفه!
وكان مبرة خيرية متحركة منذ صباه، جعل حياته وقفاً لله تعالى لصنع المعروف لدينه وإسلامه وأهل بلده وبلاد المسلمين، فما ترك بلداً إلا وله فيها يد خير خفية، مبادراً لدعم الفقراء والمساكين والمنكوبين في مشارق الأرض ومغاربها، باذلاً للمعروف بلا حدود أو قيود.
عرف عنه درايته بتاريخ الكويت وأهلها وأحداثها، وللشعر والأدب جانب كبير من حياته، كانت له مكتبة تضم عشرات الكتب من دواوين الشعر العربي والنبطي وكتب التاريخ والسير الذاتية، وارتبط بصداقات حميمة مع العديد من الشعراء كالشاعر عبدالرزاق الصبيح، وزيد الحرب، وسعود بن كليب العازمي، وداود الجراح، وعبدالله السنان، وعبداللطيف الديين، وخالد سعود الزيد.. وغيرهم.
لازم، رحمه الله تعالى، في بدايات الدعوة الإسلامية الحديثة في الكويت بالخمسينيات، أخاه الأكبر العم حسن الجارالله، من مؤسسي جمعية الإصلاح الاجتماعي.
اهتم بقضايا المسلمين حول العالم، فلا تكاد حاجة للدعاة في أقطار المسلمين إلا وكان له السبق في تلبيتها، وحثّ أقرانه من أصحاب الأيادي البيضاء للمساهمة في تلبية حاجاتها من الصين شرقاً إلى أمريكا اللاتينية غرباً.
علاقته بالعلماء
كان، رحمه الله، محباً للعلم والعلماء والدعاة، حريصاً على حضور مجالسهم واستضافتهم واستحضار أقوالهم ومواقفهم في أحاديثه، وارتبط بعلاقات وثيقة في العديد منهم؛ كعلاَّمة الكويت الشيخ محمد بن جراح، وأخيه إبراهيم بن جراح، وأحمد الخميس، وعبدالله النوري، وعبدالعزيز حمادة، وكانت تربطه مودة خاصة بالمحسن الجليل العم عبدالله العلي المطوع، والشيخ يوسف الحجي، وصديق عمره الفلكي المعروف صالح العجيري، يرحمهم الله جميعاً.
وقد استذكر الكويتيون مناقب الفقيد الحميدة وإسهاماته الخيرية والدعوية، وما عُرف عنه من الصلاح والإصلاح والتواضع وإغاثة الملهوف.
وقال رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح الاجتماعي د. خالد المذكور عن الراحل: عُرف العم أحمد الجارالله الحسن الجارالله، رحمه الله، بمرجعيته بتاريخ أهل الكويت وبأدبه ورزانته وعمله الخير بصمتٍ وهدوء، ومساندته لكل عمل في صالح المسلمين، وبالصفوف الأولى في المسجد وهو في سن متقدمة، وبديوانه العامر، وصلته الطيبة الودودة لكل من عرفه.
ونعى الرئيس التنفيذي لنماء الخيرية سعد العتيبي إلى الشعب الكويتي وفاة العم أحمد الجارالله، أحد رواد العمل الخيري والإسلامي، بعد حياة حافلة بشتى صور العطاء الوطني والخيري، مشيراً إلى أن الراحل، رحمه الله تعالى، صاحب مسيرة ممتدة من البذل والتضحية والتفاني والإخلاص في خدمة العمل الخيري.
وقال العتيبي: إن ساحة العمل الخيري فقدت برحيل هذه القامة الكبيرة أحد أصحاب الأيادي البيضاء الداعمين لمشاريع خدمة الفقراء وعلاج المرضى وكفالة الأيتام ورعاية طلبة العلم وإغاثة المنكوبين في مختلف أنحاء العالم.
قضايا المسلمين حول العالم شغله الشاغل وله السبق في تلبية حاجات الدعاة
وأضاف أن الراحل كان قيمة كبيرة، خلَّف وراءه إرثاً خيرياً ووطنياً رائداً جديراً بالتقدير والاحتذاء، وجسَّد مسيرة زاخرة بالعطاء والبذل والنجاح والعمل الدؤوب في العديد من الميادين، وتحمَّل على مدى حياته المديدة مسؤوليات وطنية كبيرة.
بدوره، أشار مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني (فنار) إلى أن الفقيد الجارالله كان أحد رواد الخير في دولة الكويت، قضى عمره في أعمال البر والإحسان وريادة المساجد.
وقال أستاذ الحديث الشريف وعلومه بكلية التربية الأساسية د. محمد يوسف الشطي: توفي العم الرجل الصالح أحمد الجارالله عن مائة عام قضاها في طاعة الله تعالى، «فخيركم من طال عمره وحسن عمله»، ومثال لرجل قلبه معلق بالمساجد.
وقال الداعية د. محمد العوضي، عن الفقيد: كان في طليعة الحريصين على إحياء مجالس الأدب والعلم والإصلاح ودعم العمل الخيري، تكاد لا تسمع له صوتاً لشدة تواضعه وسكينته التي تخيم على من حوله.
وقال النائب أسامة الشاهين: فقيدنا الكبير محسن كريم، وداعية فاضل، أسَّس ودعم مشاريع الخير داخل وخارج الوطن.