تعد “تكية غزة” واحدة من أبرز المبادرات التي مثلت نوعاً من أنواع التكافل الاجتماعي بين الأهالي في مساندة بعضهم بعضاً قدر المستطاع.
ويأتي هذا التعاون تطبيقاً لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2)، وتأكيداً لإطار التكافل الذي حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ضرب الأشعريون أروع الأمثلة في ذلك، حيث قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم: “إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ”.
إمكانيات متواضعة
بدأت الفكرة التي راودت الحاجة سميرة أبو عمرة من مدينة غزة في محاولة منها أن تقدم المساعدة للعديد من العائلات الفقيرة، حينما بدأت المشروع بمبلغ زهيد لا يتجاوز 55 دولاراً تبرع بها فاعل خير.
هذا المبلغ جعل سميرة تفكر كثيراً للإجابة عن سؤال كان يدور في ذهنها: ما الأكلة المناسبة كي أعد كمية كبيرة منها تكفي لأكبر عدد من العائلات بهذا المبلغ؟
وتوضح، في حديثها لـ”المجتمع”، أنها اهتدت لإعداد أكلة “السبانخ”، فهي ذات قيمة غذائية كبيرة وسعرها متناسب مع الإمكانات المالية المتواضعة، وتكون مناسبة لإطعام أكبر عدد من العائلات الفقيرة.
تكية سيدنا إبراهيم
وتذكر الحاجة سميرة أن الإقبال الكبير الذي وجدته من العائلات للحصول على وجبة طعام، جعلها توقن أن هناك حاجة كبيرة لتواصل فكرة “تكية غزة”، وأن تعمل جاهدة على مواصلة العمل من أجل إطعام أكبر عدد من العائلات.
وتأتي فكرة المشروع الخيري “تكية غزة” في محاولة لمحاكاة “تكية سيدنا إبراهيم عليه السلام” المقامة بمدينة الخليل، التي تقدم الطعام المجاني للفقراء والأسر المحتاجة على مدار العام وخصوصاً في شهر رمضان، الأمر الذي جعل مدينة الخليل تكتسب شهرة واسعة بأنها “المدينة التي لا تعرف الجوع أبدًا”.
ورغم الساعات التي تقضيها الحاجة سميرة مع فريقها التطوعي، فإن كل ذلك يزول بمجرد الانتهاء من إعداد الوجبات الساخنة وتوزيعها، ورؤية الفرحة على ملامح العائلات الفقيرة بعد أخذهم لوجبة الطعام.
بصمة مميزة
ورغم أن المتطوعة سلسبيل أبو عمرة تعمل منسقة إعلامية لـ”تكية غزة”، فإنها تشمر عن ساعديها في المساعدة لإعداد الطعام.
تقول سلسبيل أبو عمرة لـ”المجتمع”: بفضل الله تعالى، تم تطوير المطبخ الذي يتم الطهي فيه، حيث كان في البداية عبارة عن مكان بسيط جداً من ألواح الزينكو، لكن الآن من خلال تبرع مُحبين للخير أصبح المطبخ من الباطون.
وحول آلية عمل التكية، توضح سلسبيل أن وجبات الطعام توزع يومي الإثنين والخميس، لكن في رمضان يكون حسب التبرع وعدم الاقتصار على يومين فقط.
وعن ماهية التبرع الذي يقدَّم، تشير إلى أن البعض يتبرع بالمال، والبعض يتبرع بالدجاج، ومنهم من يتبرع بالخضراوات، وغير ذلك، ويتم استقبال كافة التبرعات العينية والمادية.
ومن التبرعات التي كان لها بصمة مميزة ومشجعة في التواصل بالعمل، تقول: كانت من قبل الأسرى الذين علم عدد منهم بالتكية، فقدموا تبرعاً لإعداد وجبات من الطعام وتوزيعها على الفقراء.
وتشير إلى أن العمل وفق آلية منظمة يتم من خلالها تجهيز وجبات الطعام، ويتم إرسال رسائل لهواتف العائلات المستفيدة من الوجبات وإبلاغهم بالحضور.
هذه التكية التي بدأت بإمكانات بسيطة جداً استطاعت أن تعطي صورة جميلة مشرقة للتكافل في قطاع غزة المحاصَر، وقدمت رسالة تؤكد أن كل إنسان يستطيع أن يقدم ما يساعد به أخاه المسلم ويخفف عنه ولو بالقليل.