تداعبنا كثيراً أمنيات أن نكون مثل اليابان، ويبدو أن الأمنية قد تتحقق، لكن بعيداً عن التقدم التكنولوجي والصناعي، حيث يقول علماء: إن المنطقة العربية باتت ذات نشاط زلزالي في بعض أماكنها، لا سيما بعد تكرار الزلازل في محيطها مؤخراً، لتتشابه في بعض الخصائص مع اليابان، المعروفة بأنها إحدى أكثر المناطق النشطة زلزالياً.
وسط هذه المستجدات، ظهرت مطالبات من متخصصين في التنمية المستدامة والاقتصاد ببدء صناعة وعي جمعي للتعامل مع هذه الكوارث الطبيعية على مستوى الأسر، وصولاً إلى مجتمع قادر على التعامل بشكل شامل مع هذا الأمر، معنوياً واقتصادياً.
«المجتمع» حاورت بعضهم؛ بحثاً عن إجابات قد تشكل ما يمكن اعتباره إستراتيجية واضحة لتحصين الأسر العربية –قدر الإمكان– من التبعات السلبية للزلازل، سائلين الله تعالى أن يحفظنا وأهلينا من كل شر.
يوضح الأمين العام للاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة، د. أشرف عبدالعزيز، أن مسؤولي الأمم المتحدة اجتهدوا في عمل برنامج عالمي، يتم من خلاله تقييم مخاطر الزلازل وتثقيف أبناء مناطق الأحزمة الزلزالية النشطة، والتعاون مع الدول الواقعة في هذه الأحزمة أو القريبة منها لتصميم مشروع وقائي يتلاءم مع ظروفها الطبيعية والبيئية لمساعدتها في مواجهة الزلازل مستقبلاً.
من هنا، يطالب د. عبدالعزيز مسؤولي الدول العربية والإسلامية بالعمل على توعية الأسر في بلادهم بهذه الجهود، لا سيما بعد أن تم تحديد أكثر من 20 منطقة نشطة زلزالياً في العالم، ومنها يقع في الدول العربية والإسلامية وخاصة القريبة من البحار والمحيطات.
اليابان.. خبرة الآلام
يقول عبدالعزيز: يجب على الدول تأهيل الأسر فيها لكيفية التعامل اقتصادياً مع مثل هذه الكوارث، مثلما تفعل سلطات اليابان وشعبها، التي تعد من أفضل دول العالم في التعامل مع الزلازل سواء قبل أو أثناء أو بعد وقوعها، حيث استطاع العلماء في مختلف التخصصات تجهيز بنية تحتية متكاملة لديها القدرة على التقليل من الآثار المدمرة لصدمات الهزات الأرضية التي تعد عدواً تاريخياً للشعب الياباني.
وبعد زلزال عام 1923م في اليابان، الذي خلف أكثر من 143 ألف قتيل، ومئات الآلاف من المصابين، ودمار شامل في البنية التحتية، وبلغت قوته 7.9 درجات على مقياس ريختر، استطاع هذا البلد التسلح بالتجهيز الاقتصادي والوعي الشعبي أن يواجه مخاطر الزلازل لدرجة أنه لم تتأثر الحياة إلا بشكل بسيط جداً بالزلازل التي يصل عددها إلى قرابة ألفي زلزال سنوياً بدرجات مختلفة، حتى إن حركة القطارات لم تتأثر أو تتوقف.
ومنذ سنوات، ضرب زلزال شديد مدينة أوساكا، وهي من المدن الكبرى من حيث الازدحام السكاني وثاني مدينة صناعية ذات قيمة اقتصادية كبرى، وكان عدد القتلى والمصابين قليلاً جداً، وهذا لم يأت من فراغ؛ فقد تم إنشاء وزارة خاصة بالبنية التحتية وتخصيص ميزانية ضخمة لها، وأعلن مسؤولوها أنه تم تخصيص قرابة 50 مليار دولار ذاك العام للوصول إلى المعايير الوقائية الكبرى وتوعية الأسر، وخاصة أن لديها أجهزة إنذار لمحاولة استشعار الزلازل قبل وقوعها بـ80 ثانية على الأقل، تكلفت وحدها أكثر من مليار دولار، كما أن لديها شبكة أنفاق كبرى في المناطق المزدحمة مع الوعي الأسري بكيفية التعامل الصحيح بدلاً من التزاحم القاتل.
التعامل بوعي اقتصادي
في هذه المساحة، تشير د. زينب صالح، رئيس قسم الاقتصاد في كلية التجارة بجامعة الأزهر في مصر، إلى أن هناك مشكلات اقتصادية كثيرة تسببها الزلازل التي تؤدي إلى تدمير الموارد الحياتية، مثل مصادر مياه الشرب الصحية نتيجة تدمير مواسير المياه.
وتُجْمل الخبيرة عدة نصائح للأسر والسلطات، سواء بسواء، للتعامل بوعي اقتصادي مسبق مع كارثة الزلزال:
1- يجب على الأسر تخرين الحد الأدنى من مياه وأطعمة في أوان محكمة الغلق للمحافظة على صلاحيتها إذا تهدم أو تصدع المبنى ولم تتبق سوى هذه المياه للمحافظة على الحياة التي تستمر ولو بقطرة مياه أو كسرة خبز.
2- يجب على السلطات الاستعانة بمتخصصين في الغاز لتعريف الأسر بكيفية التعامل مع تسريبات الغاز خلال الزلزال وبعده، مثل سرعة إغلاق المحابس.
3- يجب على كل أسرة الاحتفاظ بطفاية حريق، وأسطوانة للتنفس، مع تدريب أفراد الأسرة على كيفية التعامل معها وبشكل احترافي سريع لينقذ أفراد الأسرة أنفسهم وغيرهم.
4- منعاً لخطر فقدان الأدوية الضرورية وخاصة لذوي الأمراض المزمنة، يجب أن تضع الأسرة أدويتها في أكثر الأماكن أماناً في المنزل، بحيث لا تكون تحت الأسرة المنزلية، بل في مكان مرتفع، خاصة أنه في حالة الزلازل عادة ما تنعدم فرص حصول المتضررين على الأدوية الضرورية، وفقدان وسائل التأمين الصحي أو الرعاية اللازمة بعد تشريدهم وانهيار المستشفيات ضمن البنية التحتية والخدمات.
تنويع مصادر الدخل
وتشير د. زينب إلى أهمية تفكير الأسرة في استثمارات متنوعة لرأسمالها وفي أماكن مختلفة، أو كما يقولون: «لا تضع البيض كله في سلة واحدة»؛ لأنه عادة ما ينتح عن الزلازل انخفاض -إن لم يكن انهيار مصدر دخل الأسرة- مما يؤدي إلى انخفاض نوعية حياتها بعد الكارثة وتدمير مصادر ثروتها ودخلها.
ولأن عمليات السطو والنهب قد تكثر في أوقات ما بعد الكارثة، خاصة مع انشغال السلطات بعمليات الإنقاذ أو إعادة الإعمار السريع، يفضل عدم احتفاظ الأسر بأموالها أو مجوهراتها في المنازل، وأيضاً منعاً لفقدانها في حالة انهيار المنزل ونجاة الأسر، بل يفضل وضع الأموال في البنوك كوسائل أكثر أماناً، بحسب الخبيرة الاقتصادية.
وتلفت د. زينب إلى أهمية تفعيل ما أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015م، من اتفاقية «سنداي» الطوعية التي انضمت إليها 100 دولة، ومدتها 15 عاماً، قابلة للتجديد لتقليل احتمالية وتأثير الكوارث الطبيعية في العالم، وخفض حجم الدمار البشري والاقتصادي من خلال تحسين التعاون الدولي للإنقاذ السريع وتنشيط العمل الإغاثي، والاستعانة بالهياكل الفولاذية المضافة خارجياً للمباني.
يبقى الإشارة إلى أهمية سعي المسؤولين في الدول العربية إلى تبادل الخبرات الدولية في مجال هياكل مبنية على الألياف الاصطناعية والقواعد المطاطية أو المملوءة بالسوائل مما يؤدي إلى امتصاص الصدمات الزلزالية، فضلاً عن الوصلات التي تستخدم السبائك المعدنية شديدة المرونة والفلين الاصطناعي الرقيق، وسبائك النيكل والتيتانيوم، أو النحاس والألمنيوم والمنجنيز وغيرها سواء في المباني السكينة أو الجسور.