- ما تفسير هذا الحديث: “من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه”؟
– من بركات الإخلاص لله أن المخلص يستطيع أن يحرز ثواب العمل كاملاً وإن لم يقدر على إتمامه بالفعل، ولنستمع إلى قول الله تعالى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (النساء: 100).
بل يستطيع المسلم بنيته الخالصة لله أن يدرك ثواب العمل كاملاً، وإن لم يؤده ولم يشرع فيه، ولهذا أمثلة كثيرة جاءت بها الأحاديث.
روى البخاري عن أنس بن مالك قال: رجعنا من غزوة “تبوك” مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: “إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا، حبسهم العذر”.
وروى النسائي وابن ماجه عن أبي الدرداء يبلغ عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل، فغلبته عيناه حتى أصبح، كتب له ما نوى، وكان صدقة عليه من ربه”.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: “من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه”.
وقال أيضاً: “من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه”، والحديثان يؤكدان وصفاً أو شرطاً لا بد منه، لمن يحصل على “الشهادة” وهو على فراشه، لم يقتل ولم يصب، وهو أن يكون سؤاله للشهادة “بصدق”، أن يطلبها “صادقاً”، فما كل من يسأل الشهادة بلسانه يكون صادقاً في أعماقه، فالمدار على السرائر، والله أعلم بها.
وقد يقترب المخلص إلى ربه بعمل فيخطئ في تأديته، ويضعه في غير موضعه، فتأتي نيته الصالحة شفيعاً، فتصحح له خطأه، وتكمل له نقصه.
وفي هذا جاء حديث الصحيحين في الرجل الذي تصدق في ثلاث ليال، فصادفت صدقته مرة رجلاً سارقاً، ومرة امرأة زانية، والثالثة رجلاً غنياً، ولكنه حمد الله على كل حال، وأراد الله تعالى أن يثبت قلبه ويشرح صدره، فأتاه في المنام من يقول له: أما صدقتك على السارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله، وتقبل الله صدقته ببركة نيته، ولم يضع أثرها في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك جزاء المخلصين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العدد (1426)، ص59 – 18 شعبان 1421ه – 14/11/2000م.